محاكمة جماعية!

بغض النظر عما أثارته محاكمة القيادي الصيني البارز \”بو تشيلاي\” من جدل واسع، على خلفية اتهامه باختلاس الأموال واستغلال منصبه السابق في الدولة وسلطته لعرقلة تحقيق جنائي بحق زوجته المتهمة بالقتل، يمكن الاستدلال بذلك على أن تقدم الدول ورقيها وتطور اقتصادها وقدراتها في مختلف المجالات، إنما هو مرهون بعدد من الأسباب، لعل أقواها وأهمها هو القضاء. الأمر الذي يستدعي التنبيه إلى حاجتنا الماسة والحقيقية إلى قضاء مهاب، يعادل الكفة ويطوّح بقبضة من حديد بوجه الفساد، بدءاً من أصغر موظف في لجنة من لجان المبيعات، وصولاً إلى الرئيس.
خزينة الدولة مفتوحة مثل صنبور سحري يصب الثروات في أحضان الساسة والمتنفذين، وليس ثمة من يسأل كيف تنفق تلك الأموال، وأين تذهب، سوى المواطن المعدم الذي أتعبه البحث عن الإبرة في وسط كومة القشّ. ميزانية هائلة تتبخر في غضون عام دونما نتيجة ملموسة تدلل على أن البلد يتطور. جميع المسؤولين في العراق ينجون من المحاسبة على تضييعهم مقدرات البلد وتبديدهم الأموال، وبعضهم قتلة يمنحهم القانون حصانة يتحركون بموجبها بحرية. نواب ووزراء يُطلب منهم كشف حساباتهم المالية، فيواجهون ذلك بمزيد من السخرية، من خلال فواتير جوالات أولادهم، وولائمهم الخيالية الدسمة، وإيفاداتهم باهظة الثمن، والعمولات التي يتقاضونها مقابل السعي في إتمام صفقات التسليح والتراخيص النفطية والمشاريع الوهمية. الإرهابي يفرّ من سجنه بسهولة، كأن الوضع الذي كان عليه ليس سوى فترة نقاهة وإعادة تنظيم، صار يقضيها المجرم مؤخراً تحت رعاية وزارة حقوق الإنسان!
ليس هناك وجه للمقاربة بين \”بو تشيلاي\” الصيني واصغر سياسي عراقي مختلس أو مستفيد، من حيث قيمة الأموال التي صارت بمعية كلّ منهما. \”بو تشيلاي\” متهم باختلاس أقل من نصف مليون دولار، ويرزح تحت طائلة الحكم مدى الحياة! أما سُرّاقنا، لصوصنا الذين يحظون بالدلال الزائد، فبإمكانهم تكوين ثروة كبيرة فقط مما يعود عليهم من الودائع البنكية: (أموالنا المسروقة) ويحدث ذلك من دون رادع وفي ظل وجود قضاء هشّ وهيئة نزاهة متلكئة.
\”بو تشيلاي\” الصيني استغل منصبه ليعرقل التحقيق الجنائي بحق زوجته، ويتوعده القضاء بحكم الإعدام. أما قتلتنا، فالصنف الأول منهم يدلو بدلوه المليء بدمائنا علناً: سأقطع رؤوسكم، وأسلخ جلودكم! والصنف الثاني هو الشتّام، الذي يسبّ شعبا بأكمله. والصنف الثالث يبقر بطن الحوت بسهولة ويهرب ليعث في الأرض فساداً! ويحصل ذلك في ظل التستر الواضح لقادة وشخصيات بارزة ومتنفذة، لا تشتري القضاء بـ (زبانة) كما يقول العراقي.
لو كنا دولة ديمقراطية فعلاً كما يوهمنا الدستور الذي شارك بكتابته الإرهابي والطائفي والسارق والمدسوس والعميل والقواد، وكان الشعب هو السلطان الحاكم والحقيقي، لكنّا أخضعنا جميع هؤلاء الذين يسخرون ويتشفون بفقرنا ودمائنا إلى محاكمة جماعية لا تستثني أحدا. حتى أولئك الذين يتوارون في العتمة ويرضون بما يرضاه الضبع من الجيفة التي تخلفها الحيونات المفترسة!

إقرأ أيضا