محنة التشكيل العراقي.. بين الانبثاق والانطفاء

في بدايات رائدة عربيا غرق الكثير من الفنانين العراقيين في جمالية الألوان، ولعبة الأضواء والظلال، بداية من الفنان الراحل والمؤسس فائق حسن وحافظ الدروبي ونوري الراوي إلى أجيال مبدعة ومدارس فنية متعاقبة. وبرزت مدرسة النحت العراقية الشهيرة بأساطينها الكبار مثل جواد سليم ومحمد غني حكمت.
في بلاد الرافدين ظهرت أبرز التجارب التشكيلية العربية، ولم تخل بيوت العراقيين وساحات بغداد -كما مدن العراق الأخرى- من لمسات فنية بعضها لكبار الفنانين العراقيين. ولئن اختلف حول مضمونها ورسالتها الفنية فإنها تشي في النهاية بمدرسة تشكيلية عراقية قائمة الذات، فقدت لاحقا بريقها ورجالاتها وأجيالها.
وفي حقبة لا يجد فيها الفنان العراقي حظوة، يتهم عدد كبير من الفنانين التشكيليين العراقيين الدولة العراقية المتمثلة في وزارة الثقافة بعدم دعمها للفن التشكيلي، مما أدى إلى هجرة الفنانين الكبار، وعدم إقامة معارض فنية دولية تساهم في تطوير قدراتهم.
 
معاناة الفنان
وقال الفنان التشكيلي ماجد البيضاني، إن \”الفن التشكيلي العراقي يعتبر رائدا في المنطقة، بسبب بداياته المبكرة في مطلع القرن العشرين من خلال الرواد الذين نهلوا من المدارس التشكيلية والأكاديمية في فرنسا وإيطاليا\”.
وبحسب البيضاني، فلا يمكن عزل الحركة التشكيلية والفنان عن الظروف الخارجية والداخلية التي أحاطت بالبلد، لأن الفنان -كما يقول- عبارة عن نظام مفتوح، يتأثر ويؤثر في البيئة، ولا يمكنه الانطواء على نفسه بالبقاء في بيته أو مشغله.
ويؤكد الرسام العراقي في تقرير للجزيرة نت أعده مراسلها علاء يوسف، أن التشكيل العراقي عانى كثيرا في السنوات الأخيرة بسبب وضع البلد غير المستقر، مما دفع العديد من الفنانين إلى الهجرة لينعكس ذلك سلبا على الحركة التشكيلية عموما.
ووصف البيضاني التشكيل العراقي في الوقت الحالي بالرجل المريض، لعدم وجود قاعات عرض وجمعيات تشكيلية، وإن وجدت فبشكل نادر لا يتناسب مع تاريخ وسمعة التشكيل العراقي. ويبقى الفنان التشكيلي العراقي في الداخل -بحسبه- يعاني من الأجواء التي لا تصلح للإبداع الفني وإعادة التشكيل إلى مكانته المعهودة.

الدعم الحكومي
من جانبه، قال الرسام رحيم السيد، إن الفن التشكيلي في العراق يعاني من قلة الدعم من وزارة الثقافة، وعدم وجود قاعات عرض تلبي طموحات الفنان، وهو ما أدى إلى هجرة عدد كبير من الفنانين المميزين.
وأضاف أن الفنان التشكيلي العراقي يقيم معرضه الفني على حسابه الخاص، لأن المعارض التي تقيمها وزارة الثقافة للفنانين تعتمد على العلاقات والمحسوبية، وتكون عادة لأشخاص محددين.
وأكد أن الفنان التشكيلي عندما يريد إقامة معرض عليه أن يدفع مبلغ ألف دولار كإيجار للقاعة، بينما يقوم المسؤولون عنها بأخذ لوحتين أو أكثر من أعماله، مشيرا إلى أن الدولة في سبعينيات القرن الماضي كانت مهتمة بالفن التشكيلي عبر إقامة معارض دولية تجعل الفنان يطلع على تجارب الدول الأخرى، بينما اختفت اليوم المعارض العربية والدولية المشتركة في العراق.
في السياق ذاته، قال مدير المركز العالمي للفنون التشكيلية محمد ناجي، إن أسبابا عديدة جعلت الفن التشكيلي في وضع لا يحسد عليه، منها عدم اهتمام الدولة بالفنانين الكبار وهجرة أغلب الفنانين من العراق، إضافة إلى أنه لا يوجد من يقتني الأعمال الفنية أو يقدرها حق قدرها.
واتهم ناجي جمعية التشكيليين العراقيين بأنها سبب إحباط الفنان، لأنها مقتصرة على مجموعة باعت تراث وحضارة العراق، وقامت بتهريب الأعمال الفنية لكبار الفنانين وبيعها لدول أخرى، حسب قوله. ودعا ناجي الحكومة العراقية إلى عزل جمعية التشكيليين العراقيين وإجراء انتخابات نزيهة، لكي يتمكن الشباب من قيادتها للعمل على تطوير الفن التشكيلي.

بصمة باقية
من جانبه، قال الفنان التشكيلي وسام الفراتي إن الفن التشكيلي بالعراق تطغى عليه العلاقات في إقامة المعارض الفنية، رغم أنه يضم طاقات فنية عملاقة.
وأضاف أن هناك تعقيدات في إقامة المعارض الفنية التي ترعاها وزارة الثقافة العراقية جعلت الفنان لا يلجأ إليها لإقامة أي معرض بل إلى شارع المتنبي لإقامة معارضه الفنية، نظرا للحرية الكبيرة الموجودة.
ويشير النحات خالد المبارك إلى أن الحركة التشكيلية العراقية غير تقليدية ومرتبطة بالفن المتعلق بالذاكرة الفنية في الداخل والخارج، من خلال التركيز على الموروث الشعبي والأساطير والفن العالمي. وبين أن الفنان التشكيلي رغم قسوة العنف التي يعيشها البلد تجده متحمسا لترك بصمة له في التشكيل العراقي.

إقرأ أيضا