هل يفلح التضييق الأمني بالحد من تأثير مواقع التواصل الاجتماعي؟

استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي أن تصنع الشرارة الأولى لثورة 25 يناير 2011 في مصر، إلا…

استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي أن تصنع الشرارة الأولى لثورة 25 يناير 2011 في مصر، إلا أنها تواجه اليوم محاولات للسيطرة الأمنية عليها، فهل يمكن أن تنجح تلك المحاولات؟

 

غيرت ثورة الـ 25 من يناير 2011 نظرة الجهات الأمنية المصرية لمواقع التواصل الاجتماعي بشكل كامل، بعد أن قادت تلك المواقع الدعوات لقيام الثورة ونجحت في حشد الجماهير، لتشهد فترة ما بعد الثورة تدشين صفحات رسمية لمعظم الهيئات الحكومية والعسكرية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الجهات الأمنية لم تلتفت فقط لإمكانية التواصل مع الشعب عبر تلك الصفحات، بقدر التفاتها لوجوب مراقبتها أيضًا.

 

وهو أمر اتضح مؤخرًا بشدة مع القبض على مسؤولي صفحات، قالت تلك الجهات إنها “محرضة” أو “إخوانية”، كما تم القبض مؤخرًا أيضًا على رسام الكاريكاتير إسلام جاويش، صاحب صفحة “الورقة” على “فيسبوك”، حيث وجهت له الشرطة تهم إدارة موقع بدون تراخيص وحيازة أجهزة كومبيوتر بدون ترخيص، تصميم جرافيك على برامج غير مرخصة، بالإضافة إلى رسم كاريكاتير فيه إسقاطات على رموز الدولة، قبل أن تطلق النيابة سراحه.

 

القبض على “جاويش” فتح باب التساؤلات مجددًا عن مراقبة الجهات الأمنية لمواقع التواصل الاجتماعي وما ينشر فيها، ومدى تسييس المراقبات الأمنية لها. وكانت الشرطة قد ألقت القبض على 47 مديرا لصفحات “تحريضية” قبل 25 يناير، كما توعد عدد من رجالها معد برنامج “أبلة فاهيتا”، شادي أبوزيد، والفنان الشاب أحمد مالك بعد نشر فيديو لهم على “فيسبوك” وهم يوزعون “أوقية ذكرية”، منفوخة على شكل بالونات، على رجال الشرطة في التحرير في ذكرى الثورة.

 

وكان موقع “فيسبوك” قد كشف، في تقريره النصف سنوي لعام 2015، أنه تلقى 8 طلبات من مصر للحصول على معلومات عن 11 مستخدمًا مصريًا، فيما قال التقرير إنه رفض كل تلك الطلبات.

 

وعن هذا التساؤل: “أنت مهدد بالاعتقال عند نشرك تعليق يسخر من الرئيس”؟

 

يجيب طارق وهو مدير إحدى الصفحات التي تطلق على نفسها تعريف «ثورية» على «فيسبوك»: “بالطبع نعيش تهديدًا دائمًا، خاصة في الفترة الأخيرة بعد زيادة الملاحقات الأمنية لمسؤولي الصفحات”.

ويشعر طارق (وهو اسم مستعار لانه رفض أن يذكر اسمه الحقيقي أو اسم صفحته، خوفًا من الملاحقة الأمنية)، أن الحلقة تضيق يومًا بعد يوم على مواقع التواصل الاجتماعي، والاعتقالات تزداد، “لكننا مستمرون ولا نعلم ماذا سيحدث في النهاية”. ويرى طارق أن القبض على مدراء الصفحات يساعد على انتشار الصفحة بشكل أكبر، كما أن لفت الانتباه لشيء، سواء كان فيديو أو صورة أو منشور على صفحات التواصل الاجتماعي، سواء بانتقادها أو مدحها يساهم في نشر المادة بشكل سريع وكبير. لكن كلما زاد الانتشار كلما زاد الخطر، حسب تعبيره.

 

الخوف شعور طبيعي حاليًا لكل من يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، على عكس الفترة ما قبل ثورة 25 يناير، حسب قول عادل، وهو اسم مستعار أيضًا لمسؤول إحدى الصفحات الكوميدية الكبرى، “من يقول إنه لا يخاف فهو يكذب بالتأكيد، فأنت مهدد بالاعتقال عند نشرك (كوميك) أو تعليق يسخر من الرئيس”. ويضيف عادل: “اليوم لدينا ملايين المتابعين، لا يمكننا التوقف الآن، لكننا نحاول أن نتجنب، على الجانب الآخر، الحديث في وسائل الإعلام لعدم جذب الانتباه إلينا”، ليختتم ضاحكًا: “يعني الدنيا ماشية وبتعدي مش عايزين دوشة”.

 

واجمع كل من طارق وعادل على رفضهما، رغم ذلك، الصفحات التي تحرض على قتل رجال الشرطة، أو تنشر تفاصيل حياتهم بغرض النيل منهم، “يمكن للأمن هنا أن يتدخل ويتتبع هؤلاء لكن لا يجب عليهم تسييس الأمور والقبض على المعارضين لأرائهم السياسية”.

 

“صفحات ثورية تغيرت فجأة لصفحات أمنية”

 

أساليب مراقبة الدولة لمواقع التواصل الاجتماعي في مصر تبقى غير معلومة بشكل كامل، إلا أن صحيفة إندبندنت البريطانية كانت قد ذكرت في تقرير لها إن حكومة بلادها وافقت على بيع معدات مراقبة وتجسس إلى مصر وبعض الدول العربية، يمكنها أن تستخدم في مراقبة واسعة لشبكة الإنترنت، كما ذكرت الصحيفة.

 

ويقول أحمد عبدالله، المتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي ومحرر “السوشيال ميديا” لموقع المصري اليوم وبرنامج آخر النهار سابقًا، إن آلية مراقبة الدولة لمواقع التواصل الاجتماعي تكون إما عبر المتابعة العادية لصفحات بعينها أو عن طريق البحث بكلمات محددة أو عن طريق بلاغات من مواطنين.

 

ولفت عبدالله أيضًا إلى أن عدة صفحات كانت تحمل اسم “ثوري” تغير اسمها فجأة إلى صفحات تابعة لجهات الأمن، ويقول عن ذلك: “لا أعرف يقينًا إن كانت هذه الصفحات أمنية من الأساس وتم تدشينها للإيقاع بأصحاب أفكار معينة، لكن هذا حدث، وربما لم يدرك من يديرها أن مع تغيير اسمها سيتم إرسال تنويه لكل المشتركين فيها”.

 

“التضييق الأمني يساهم في نشر المادة غير المرغوب فيها”

 

وتحدث عبدالله أيضًا عن التضييق على مواقع التواصل الاجتماعي، موضحًا أن الفيديو الذي نشره معد برنامج “أبلة فاهيتا”، شادي أبوزيد، والفنان الشاب أحمد مالك، في ذكرى ثورة يناير، حين وزعوا “أوقية ذكرية” منفوخة في شكل بالونات على رجال الأمن في التحرير، وأثار ضجة كبيرة، لم يكن لينتشر كل هذا الانتشار إلا بعد أن قامت صفحات الشرطة بمشاركته وانتقاده وعندما انتقده الإعلاميون، ما جذب كثيرين لم يشاهدوه في أول الأمر.

 

كذلك استشهد المتخصص في مواقع التواصل الاجتماعي بصفحة “الورقة” للرسام إسلام جاويش والتي حدثت بها طفرة كبيرة وزاد عدد المشاركين فيها بشكل مهول بعد القبض عليه، لرغبة الناس في الاطلاع على السبب الذي قبض عليه من أجله ما يجعل التضييق على مواقع التواصل الاجتماعي يساهم في نشر المادة التي لا يرغب الجهاز الأمني في انتشارها بشكل أكبر.

 

واختتم عبدالله مؤكدًا “في جميع الأحوال لا يمكن السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي”.

 

المصدر: DW عربية

إقرأ أيضا