كشف حساب

عندما تصل تخرصاتنا الى مستوى كبير من الوقاحة التي تجعلنا نتخاصم مع وطننا ونتعامل معه الند بالند ونحمله مسؤولية مآسينا وخيباتنا، فهو ليس إلا هروب من الواقع الذي نعيشه.

عن طريق الصدفة اطلعت على مقطوعة شعرية لأحد الشعراء لا أعرفه ولا أريد أن أعرفه عنوانها (شنو وطنا ناصب علينه) وفيها يلقي الشاعر بكل خيباتنا وهزائمنا وتحطم أمانينا على عاتق الوطن. وحتى بممارساتنا اليومية العادية نلاحظ هذا التبرم والشكوى من هذا الوطن الذي لم نحصل منه على أي شيء من الأحلام المتحطمة والغربة والتهجير والقتل.

هكذا بكل بساطة وعلى هذا المنطق المتخلف يكون نهرا دجلة والفرات مسؤولين عن هزائمنا وكبواتنا الكبيرة، أو ربما جبال كردستان أو أهوار الجنوب هما من جلبا الإرهابيين والقتلة وهيئا الحواضن لهؤلاء التكفيريين، أو ربما آثار بابل وأور هي التي أغرت اللصوص باقتحام بوابات المتحف الوطني لسرقة ما فيه من آثار تاريخية نفيسة، أو ربما آبار النفط هي من أغرت بعض العراقيين وجعلتهم يفقدون صوابهم أمام المليارات الواردة من التصدير فارتكبوا المعصية وسرقوا أموال الناس، أو ربما خلا تاريخ العراق من الرموز النضالية ولم نجد من نقتدي به ونتخذ منه رمزا للنزاهة والنضال ولم نعد نعرف من ننتخب أو نفرز اللص من النزيه، أو ربما الصحراء الغربية أغرت شخصيتنا القبلية المجبولة على العنف والسادية بالبطش ببعضنا بعضا.

لذلك كله، وللإنصاف وبكل تجرد، أقول ليس في هذا الكون وطن ذو تاريخ وحضارة وخيرات ومقدسات كالعراق، وإذا كان الله تعالى ربنا الأول فالرب الثاني هو العراق، ويجب أن نناضل بكل ما أوتينا من قوة لنكون بمستوى هذا البلد العظيم.

وهذا التصرف اليومي من بعض الأشخاص ورغم خطورته، ربما لا يتعدى العتب الشديد. ولا أريد أن اطعن بوطنية أي شخص، بل ربما حبه لوطنه يدعوه للمكاشفة الرمزية بينه ووطنه. وعلى كل حال يبقى الوطن رمزا مقدسا وعظيما والمساس به كالمساس بالذات الإلهية, فإذا كان الله سبحانه وتعالى ربنا وخالقنا، فان الوطن له قدسية وهيبة كبيرة، فهو رمز عزنا وكرامتنا وشرفنا الأعظم.

وهذه دعوة لإشاعة ثقافة حب الوطن والفرز بين الوطن وبين من يحكم هذا الوطن، وحتى من يعيش على هذا الوطن بصورة عامة، فالأجيال تتعاقب والوطن باق. ومسؤوليتنا التاريخية في الوضع الراهن أن نكون بمستوى وطننا الجميل.

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا