المؤامرة على فلسطين ما زالت مستمرة

ما خلفته الآلة العسكرية الأمريكية من قتل ودمار في بقاع مختلفة من العالم، وفي مناخ التراجع الحاد لسمعة الولايات المتحدة الأمريكية في المحافل الإقليمية والدولية إثر ما قدمته للإنسانية من موت وقتل وتشرد وإعاقة في أفغانستان والعراق وليبيا وسورية ومصر وغيرها، عادت السياسة الأمريكية إلى الساحة الدولية بثوب الصورة الإيجابية الخادعة لسياسة لم تغير في أهدافها بقدر ما غيرت في نهج تسعى من خلاله الى بناء الإمبراطورية الأمريكية المستندة إلى القوة الناعمة.

في ظل تصاعد التوترات بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مؤخراً واختلاف وجهات النظر بشكل جذري بينهما، إلا أن الأشهر القادمة قد تكون بمثابة فرصة لكليهما لإعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الأوسط الجديد نحو مستقبل أفضل، فهذه الأشهر ستشهد انطلاق اثنتين من المفاوضات المهمة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث المفاوضات مع إيران لنزع فتيل قدراتها النووية وإبرام اتفاق نهائي بشأن برنامجها النووي، إضافة إلى المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين للتوصل إلى سلام نهائي بين الجانبين.

وهنا نتوقف أمام أخطر تصريحات صدرت رسمياً عن الإدارة الأمريكية على لسان رئيسها راعي المفاوضات، حيث أعلن الرئيس الأميركي في تصريحات أمام المنتدى السنوي لمركز سابان للسياسة في الشرق الأوسط من واشنطن بأن هناك تقدم يسمح بالتوصل الى اتفاقية إطار للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين، يقود الى \”حل الدولتين\”، يبدأ بالضفة الغربية ويتم تأجيله في قطاع غزة، وعندما يرى ابناء القطاع الازدهار والتطور والتقدم الناشئ في \”دولة الضفة\” سيتهافتون ليلتحقوا به.

وفي سياق متصل تمثلت جولة وزير الخارجية الامريكي الأخيرة الى دول المنطقة في طرح مقترح بشأن الترتيبات الأمنية وضعه طاقم أمني أمريكي، يلبي أكثر من 90% من المطالب الإسرائيلية، وقد عرض جون كيري رسميا هذا المقترح على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ويعتبر هذا المقترح الأمريكي خلاصة مشاورات ولقاءات أجراها الطاقم الأمني الأمريكي في فريق الدعم التفاوضي برئاسة مارتن أنديك مع خبراء أمنيين إسرائيليين سابقين وحاليين، ولم يشارك الجانب الفلسطيني في ذلك، بمعنى أن كيري وطاقمه لم يدع الجانب الفلسطيني للمشاركة في هذه المشاورات، وجاء هذا المقترح انعكاساً للمشاورات الأمريكية الاسرائيلية التي امتدت على مدار الأشهر الأخيرة، وكان استبعاد الفلسطينيين متعمد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل.

ومن تبعات هذا الاقتراح الأمني الأمريكي منح إسرائيل السيطرة الفعلية على المعابر الحدودية مع الدولة الفلسطينية المستقبلية، بالإضافة إلى تواجد إسرائيلي فعلي في منطقة الأغوار عبر العديد من الأنظمة الأمنية والدفاعية، مقابل وجود رمزي للجانب الفلسطيني، وبالتالي كان هناك تجاوباً أمريكياً ايجابيا واضحاً مع بعض المطالب الإسرائيلية بشأن \”تلال\” في الضفة الغربية تعتبرها إسرائيل \”تلالا ذات أهمية إستراتيجية\” من الدرجة الأولى، وضرورة بقائها تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية.

وبالمقابل رفضت منظمة التحرير الفلسطينية أي اتفاقات مؤقتة مع إسرائيل تؤدي إلى إمكانية الوصول إلى حل مرحلي بين الفلسطينيين وإسرائيل، وقالت المنظمة في بيان أصدرته \”إن الشعب الفلسطيني يعيد رفضه لأي محاولة تنتقص من حقّه في دولة كاملة السيادة على مائها وترابها وحدودها وعاصمتها القدس\”.

ورفض بيان منظمة التحرير ما يسمى \”الكتل الاستيطانية\”، وأن تظل سماؤه وحدوده ومعابره تحت سيطرة الغزاة المحتلين، تحت اسم حل انتقالي أو اتفاق مبادئ فضلاً عن إلغاء حقوق اللاجئين وتشريع الاحتلال تحت عنوان يهودية الدولة.

وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشرواي إن \”إسرائيل تريد السيطرة على الأجواء والمياه الإقليمية، بمعنى أنها تريد إعادة ترتيب الاحتلال بموافقة الفلسطينيين\”، وأضافت \”نحن بحاجة إلى تنفيذ اتفاق شامل يعني انسحاب إسرائيل من حدود عام 67 وإنهاء الاحتلال\”.

واليوم يواجه عباس ضغطاً من الفصائل الفلسطينية لوقف المفاوضات التي اتفق من خلالها مع الجانب الأمريكي، وضرورة التوجه للانضمام إلى المؤسسات الدولية التي يتيحها انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة بصفة دولة غير عضو.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة، أين هم الفلسطينيون وأين القيادة الموحدة من المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية في ظل التحولات التي تشهدها الساحة الفلسطينية؟ 

إن إسرائيل نجحت حتى الآن في تفكيك هوية الفلسطينيين، من خلال طعم السلطة الذي قدمته للفلسطينيين على مائدتين منفصلتين جغرافياً ما جعلهم يتراكضون في التسابق على هذا الوهم، وينسون مشروعهم الأساسي في استرداد الأرض وإقامة الدولة ولمّ شتاتهم من مشارق الأرض ومغاربها.

فالطعم الإسرائيلي المقدم باسم السلام، جاء مكتمل الأسباب والغايات، ليصنع مستقبلاً فلسطينياً منقسماً، تذوب فيه الهوية الواحدة، وتنقسم إلى هويتين، غزة والضفة والمؤشرات توضح بأن هذه الطبخة أعد لها بعناية فائقة، لإقامة دويلة الحمساوية في غزة، ودويلة الفتحاوية في الضفة، ولن نستغرب إن اكتشفنا أن العرب ذاتهم يشاركون في الطبخة او يعملون على مباركتها ومن ثم تحقيقها.

وبالتالي إن دولة أوباما الفلسطينية ليست سوى إعادة إنتاج مشروع التقاسم الجغرافي الذي ينهي عملياً ورسمياً حق العودة الذي أقرته الأمم المتحدة، وينهي كلياً قيمة القرار التاريخي الذي اتخذته الجمعية العامة ومنحت فلسطين حقها السياسي والقانوني بأن تكون دولة عضو مراقب وعاصمتها القدس الشريف ووحدة كيانية بين الضفة والقطاع.

وهنا يمكنني القول إن رؤية أوباما الجديدة لدولة فلسطين هي الثمن الذي يريد تقديمه كحافز للكيان الاسرائيلي، ثمناً للمساومات والإقليمية الدولية، مستغلاً في ذلك ضعف القيادة الرسمية والصراع بين الفصائل الفلسطينية، ومستخدماً كل أشكال الانقسام والفوضى السياسية بصنيعة أمريكية وإسرائيلية وبمساعدة دول عربية، كي يمرروا مشروعاً هو الأكثر خطورة على القضية الفلسطينية من كل المشاريع السابقة.

وهنا لابد أن نقر، بأن حديث الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عن إمكانية الوصول إلى حل مرحلي بين الفلسطينيين وإسرائيل والآثار الناجمة عن التآمر الغربي على الشعب الفلسطيني، ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، فعلى أرض الواقع تواصل سلطات الكيان الاسرائيلي العدوانية ممارسة كل أشكال الإرهاب واغتصاب الأراضي واستيطانها لترسيخ وجودها، وفكرة يهودية هذا الكيان المزعومة، واستكمال مراحل تصفية القضية الفلسطينية وطرح الحلول الاستسلامية التي تنسف حق العودة وتكرس الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين المحتلة.

وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن الهدف الأول والأساسي لرعاية أمريكا للمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي هو تمرير المطالب الاسرائيلية على طاولة التفاوض، وإرضاء اسرائيل على حساب المطالب والحقوق الفلسطينية، كما أن فلسطين لن تعود الى أصحابها إلا بعودة المسلمين إلى دينهم، ووحدة العرب لن تعود إلا بنبذ الخلاف والفرقة والشعارات فيما بينهم.

* كاتب وباحث سوري

إقرأ أيضا