التواجد البحري المتطور لإيران

في 6 آذار، اعترضت القوات البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر السفينة \”كلوس سي\” التي كانت ترفع علم بنما، وعلى متنها أسلحة – بما في ذلك صواريخ سورية الصنع بعيدة المدى من طراز \”M- 302\” – معدّة لمتشددين فلسطينيين في غزة. وقبل ذلك بشهر انطلق أسطول بحري إيراني صغير مكون من سفينتين في جولة بحرية لاقت الكثير من الدعاية لمرافقة سفن إيرانية، كما زُعم، للمرة الأولى حول إفريقيا ونحو المحيط الأطلسي. ويبرز الحدثان الدور الذي تلعبه الأنشطة البحرية في قدرة إيران المتنامية على استعراض نفوذها بعيداً عن سواحلها، وكيف ظهرت البحرية الإيرانية كـ\”قوة إستراتيجية\”، كما وصف ذلك المرشد الأعلى علي خامنئي، في أعالي البحار.

 

الأهمية المتزايدة للساحة البحرية

تنقسم قوات إيران البحرية – مثلها مثل بقية قواتها المسلحة – إلى تنظيمين: \”القوات البحرية لفيلق الحرس الثوري الإسلامي\”، و\”القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية\”. ويتألف الأسطول القتالي لـ \”القوات البحرية لفيلق الحرس الثوري الإسلامي\” من مئات القوارب الصغيرة، وعشرات زوارق الطوربيد الحربية والطائرات سريعة الهجوم المسلحة بصواريخ مضادة للسفن وعدد من الغواصات الصغيرة. وهذه القوات مُدربة ومنظمة للحروب البحرية غير التقليدية ومهام منع الوصول، وتعمل في الخليج الفارسي. ويتألف الأسطول القتالي لـ\”القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية\” من ست فرقاطات متهالكة، واثني عشر زورق دورية مزودة بصواريخ، وعدد من الغواصات الصغيرة، وثلاث غواصات ديزل كبيرة تعمل خارج منطقة الخليج لدعم إستراتيجية منع الوصول البحرية التي تنتهجها إيران. كما تمتلك القوتان أصولاً جوية للاستطلاع وتنفيذ المهام الهجومية.

 

ويعمل أحياناً الأسطول الإيراني الكبير المكون مما يقرب من 200 سفينة تجارية – 115 منها مملوكة لـ\”خطوط الشحن لجمهورية إيران الإسلامية\” (والشركات التابعة لها) و 74 سفينة أخرى تابعة لـ\”شركة الناقلات الوطنية الإيرانية\” – كذراع مساعد للبحرية. ويمكن استخدام هذه السفن لمهمات سرية حساسة، مثل تهريب المواد والتقنيات المحظورة اللازمة للبرامج الصاروخية والنووية الإيرانية، وتصدير النفط في انتهاك للعقوبات الدولية. وتستخدم إيران في بعض الأحيان سفنا تجارية أجنبية لنقل الأسلحة إلى وكلائها وحلفائها الأجانب، وغالباً دون علم أصحاب السفن وطواقمها. وفي الواقع تعمل السفن التجارية من هذا القبيل، كذراع \”استعانة بمصادر خارجية\” للقوات البحرية الإيرانية، وشملت هذه: السفن \”كارين -A\” (2002)، \”مونشيغورسك\” (2009)، \”فرانكوب\” (2009)، \”فيكتوريا\” (2011)، وآخرها \”كلوس سي\”.

 

وخلال السنوات الأخيرة، اتخذت \”القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية\” الخطوات الأولى لكي تصبح بحرية صغيرة قادرة على الانطلاق في عرض البحر لتنفيذ عمليات \”خارج المنطقة\”، من قبيل: (1) إظهار العلم بعيداً عن الشواطئ الإيرانية، (2) إقامة خط دفاع بحري أمامي وقواعد عمليات بحرية فيما وراء مضيق هرمز؛ (3) تسيير دوريات لدعم خطوط الاتصالات البحرية الإيرانية؛ و(4) توفير طبقة إضافية من التواصل في شبكة عالمية ناشئة ومنتشرة من \”الشركاء\” الاستراتيجيين \”وأماكن\” (أي، مناطق تجمع) تمكِّن إيران من استعراض نفوذها وقوتها. وبينما تبقى \”القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية\” قوة صغيرة ذات قدرة محدودة على العمل في أعالي البحار، إلا أن هذه المهمات ستشكل مستقبل إيران البحري على نحو متزايد.

 

الدبلوماسية البحرية

تظهر غالبية التدريبات التي تجريها \”القوات البحرية لفيلق الحرس الثوري الإسلامي\”، و\”القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية\” قدرة التنظيمين، كما يُدّعى، على السيطرة على الخليج الفارسي وإغلاق مضيق هرمز – وهذا الأخير هو ركيزة أساسية لقوة الردع الإيرانية. لكن خلال السنوات الأخيرة، أرسلت إيران عناصر من \”القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية\” لـ\”رفع العلم\” والانخراط في دبلوماسية بحرية من خلال سلسلة من التوقفات في الموانئ العالمية، من أجل تعزيز قوتها الناعمة وإظهار قدرتها على تنفيذ عمليات \”خارج المنطقة\” تمتد من مضيق باب المندب في الغرب وإلى  مضيق هرمز في الشمال وإلى مضيق ملقا في الشرق.

 

ومن ثم، زارت سفن البحرية الإيرانية موانئ (في بعض الحالات، في مناسبات متعددة) في الخليج الفارسي (قطر وعمان)، والمحيط الهندي (باكستان، الهند، وسريلانكا)، والقرن الإفريقي والبحر الأحمر (السودان، وجيبوتي، والمملكة العربية السعودية)، وشرق البحر المتوسط (سوريا)، وروسيا – من قبل وحدات من الأسطول الإيراني في بحر قزوين – والصين. وتدعم هذه الزيارات جهود إيران لتصوير نفسها كقوة صاعدة وفاعلة ناشئة على الساحة العالمية.

 

الدفاع المتقدم والعمليات الأمامية

بالنسبة لإيران، يأتي التهديد الرئيس للهجوم من البحر – في شكل مجموعات الحاملات الهجومية الأمريكية التي تعمل في الخليج الفارسي وخليج عمان والقاذفات الأمريكية التي تنطلق من دييغو غارسيا في المحيط الهندي. واتساقاً مع جهود إيران لإنشاء دفاع متعدد الطبقات كجزء من إستراتيجية منع الوصول في الخليج الفارسي، تعمل الجمهورية الإسلامية على تعزيز قدرتها على اكتشاف واعتراض التهديدات البحرية البعيدة قدر الإمكان من مضيق هرمز ومجابهة عمليات الاقتراب الأمريكية \”من الخارج إلى الداخل\” باستخدام خليج عمان كنقطة انطلاق للعمليات داخل الخليج الفارسي. وتحقيقاً لهذه الغاية، كانت قواتها البحرية وما زالت نشطة على نحو متزايد في السنوات الأخيرة في خليج عمان والبحر العربي والمحيط الهندي.

 

وبالمثل، تعمل إيران وسوريا مع بعضهما لتهديد المصالح الأمريكية في شرقي البحر الأبيض المتوسط من خلال نقل الأسلحة المتقدمة (مثل C- 802 وصواريخ \”ياخونت \”المضادة للسفن) إلى \”حزب الله\” – الذي يعمل على تطوير قدرة هجوم بحرية بدائية ربما تهدد يوماً ما مدمرات \”إيجيس\” الأمريكية التي تمثل الفرع البحري لهيكل الدفاع الصاروخي لحلف \”الناتو\” هناك. وقد عززت إيران تعاونها البحري مع روسيا، التي تراها شريكا محتملا في الجهود الرامية إلى الحد من نفوذ الولايات المتحدة وتقييده. كما زارت السفن الحربية الروسية ميناء بندر عباس مرتين على الأقل منذ كانون الأول 2012. إن التزود بالوقود والخدمات اللوجستية المتاحة هناك يمكن أن يسهل العمليات الروسية في خليج عدن والمحيط الهندي، فضلاً عن عبور السفن بين أسطول المحيط الهادي وشرق البحر المتوسط.

 

خطوط الاتصالات البحرية

تمر جميع صادرات النفط والغاز الإيرانية تقريباً عبر الخليج الفارسي والمحيط الهندي في طريقها إلى  السوق الدولية. وبالمثل، تمر جميع واردات إيران تقريباً حول القرن الإفريقي أو عبر المحيط الهندي في طريقها إلى  الخليج الفارسي. ويعد أمن المسارات البحرية هذه ضرورياً للرفاء الاقتصادي الإيراني. ولهذا السبب أكد قائد \”القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية\” الأميرال حبيب الله سياري أن لدى إيران \”مصالح إستراتيجية في البحر\” و\”تحتاج إلى أن تكون قادرة على توفير الأمن ليس فقط في منطقة الخليج الفارسي وخليج عدن والمحيط الهندي والبحر الأحمر، ولكن أيضاً عبر أعالي البحار في جميع أنحاء العالم\”.

 

 وهكذا، تعمل عناصر \”القوات البحرية لفيلق الحرس الثوري الإسلامي\” في خليج عدن منذ تشرين الثاني 2008، عندما أَرسلت أول سفينة حربية لتسيير دوريات لمكافحة القرصنة رداً على استيلاء قراصنة صوماليين على سفينة شحن إيرانية، ومنذ ذلك الحين بقيت نشطة بشكل متزايد في المحيط الهندي. وتفتقر البحرية الإيرانية حالياً إلى أعداد كافية [من السفن] لتأمين الخطوط البحرية الإيرانية للاتصالات – وتواجدها في المحيط الهندي هو رمزي إلى حد بعيد – إلا أن هذه الأنشطة تمدها بخبرة قيِّمة ومعرفة بالبيئة التشغيلية التي يمكن أن تبني عليها في المستقبل.

 

الربط بين \”الشركاء\” و\”الأماكن\”

منذ تأسيسها، سعت جمهورية إيران الإسلامية إلى توسيع نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه من خلال تشكيل شبكة من التحالفات مع دول تشاطرها الرأي، وجهات فاعلة من غير الدول، ومتعاطفين معهم في المجتمعات الشيعية في جميع أنحاء العالم. وقد شكل تحالفها مع \”حزب الله\” وسوريا العمود الفقري لـ\”محور المقاومة\” هذا، الذي شمل لاحقاً الجماعات الفلسطينية مثل \”الجهاد الإسلامي\” و\”حماس\” وجماعات عراقية خاصة. وكانت إيران المصدر الرئيس للأسلحة لهذه الجماعات وقادت الجهود اللوجيستية المطلوبة لإمدادها. وطورت مسارات إمداد برية وبحرية وجوية لهذا الغرض، كما استخدمت سوريا والسودان كمراكز إمداد إقليمية. إن هذا التطور الحديث نسبياً للقدرات العملياتية البدائية لـ\”القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية\” التي تمكنها من تنفيذ عمليات \”خارج المنطقة\”، يوفر طبقة إضافية من الحماية والمرونة لهذه الشبكة، إذا ما أفضت جهود الاعتراض التي تقوم بها إسرائيل وغيرها من الدول إلى تعذر الدفاع عن وسائل النقل البديلة هذه.

 

توصيات سياسة

تتطلب قدرات إيران البحرية المتطورة رداً متعدد الجوانب من الولايات المتحدة وحلفائها.

 

الأنشطة المعلوماتية

تأمل طهران أن تؤدي الدبلوماسية البحرية إلى تعزيز صورة البلاد كقوة صاعدة. ووفقاً لذلك، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها ملاحظة الطبيعة المتواضعة لإنجازات إيران البحرية الأخيرة – فكما هو معروف، جابت السفن الفينيقية المحيط الأطلسي قبل ثلاثة آلاف عام – وعلى هذه الدول أن تأخذ في الحسبان أن تسيير دوريات لدعم خطوط اتصالات طرف ما هو ليس كتأمين تلك الخطوط. كما ينبغي عليها أن تؤكد الحقيقة بأن عمليات نقل الأسلحة الإيرانية الأخيرة تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 1747، 1803، و1929.

 

 تبادل المعلومات الاستخباراتية وبناء القدرات

يجب على الولايات المتحدة تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية وجهود بناء القدرات مع حرس السواحل وسلطات الموانئ ودوائر الجمارك حول العالم، من أجل منع دول مثل إيران (وكوريا الشمالية) من استخدام الموانئ المدنية لنقل الأسلحة والمتفجرات. يتعيّن تجنب الموانئ وناقلات البضائع التي لا تمارس العناية الواجبة في هذا الشأن وفرض عقوبات عليها.

 

السلطات القانونية

يجب على الولايات المتحدة وحلفائها استغلال سلطاتها الحالية بشكل كامل بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 1747، 1803، و1929 لمنع إيران من انتهاك هذه القرارات عن طريق نقل الأسلحة والمتفجرات بحراً وجواً وبراً. ينبغي على واشنطن أن تعمل مع حلفائها للسعي نحو الحصول على سلطات قانونية إضافية عندما تكون السلطات الحالية غير كافية.

 

وأخيراً، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها عدم السماح للمفاوضات النووية المستمرة بين مجموعة \”دول الخمسة زائد واحد\” وإيران بإعاقة جهود منع انتهاكات إيران لقرارات مجلس الأمن الدولي وتسليح الجماعات المتطرفة العنيفة. وإذا لم تكن إيران مستعدة لوقف الأنشطة المحظورة والمزعزعة للاستقرار، فلا ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها وقف جهودهم لاعتراضها. ولهذه الدول الأخيرة مصلحة ملحة للقيام بذلك، وتعمل لصالحها مجموعة من قرارات مجلس الأمن الدولي والقانون الدولي.

* الأول مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن، والثاني زميل عسكري زائر في المعهد

إقرأ أيضا