برهان غليون.. من \”السوربون\” الى \”جبهة النصرة\”

في حوار اجراه مؤخرا مع صحيفة \”الشرق\” السعودية في عددها رقم \”579\” والصادر بتاريخ الخامس من تموز عام 2013 يلخص الكاتب والاكاديمي السوري المعروف برهان غليون مشكلته مع جبهة النصرة الذراع السوري لتنظيم القاعدة يلخصها فقط بأن مشكلة تلك الجبهة بالاساس متأتية من كونها سببا رئيسيا في تشتيت عمل الجيش الحر والتنظميات الاخرى، وانه ليست هناك مشكلة مع جبهة النصرة فيما لو دخلت تحت هيئة اركان عسكرية، بالاضافة الى الفصائل المسلحة الاخرى! وفي حوارات صحفية اخرى يعارض بشدة ادراجها تحت لائحة الارهاب! 

هكذا يوجز غليون الشخصية الاكاديمية المعروفة كثيرا في الوطن العربي بكثرة نتاجاتها النخبوية والتي نظّرت طيلة عقود من الزمن من اجل الدفاع عن \”الحريات المدنية\” والاخذ بالمجتمع العربي تجاه الحفاظ على اسس التعايش السلمي ونقد الكثير من الموروث التاريخي الذي يحرّض كل فئة على الاخرى. ان كانت مشكلة غليون مع جبهة النصرة تتلخص فيما تمت الاشارة اليه اذن من اجل ماذا هذه الفوضى التي حدثت في سوريا ودعمها كثيرا غليون نفسه بالاضافة للنخب السورية الاخرى؟! اليست من اجل ارساء مبادئ الديمقراطية ؟! واذا كانت الديمقراطية غطاء مناسبا لكي تكون جبهة النصرة بكل ما تحمله من تطرف واقصاء للاخر شريكة في صناعة مستقبل سوريا.. اذن قبل مستقبل سوريا على غليون وموروثه التنظيري العريض آلاف التحية والسلام! 

غليون الذي صقل مواهبه في احضان الجامعات والنخب الفرنسية يبدو متناقضا الى حد كبير ويتنكر الى تاريخه المعروف في الدفاع عن المجتمع المدني والهوية المدنية، خصوصا بعدما ركب موجة السياسة وتبوأ رئاسة \”المجلس الوطني الانتقالي\”. فهل هي السياسة فعلت فعلتها وقلبت غليون رأسا على عقب؟! ام قناعات الرجل لم تكن أساسا ناضجة بما يكفي بحيث تستحق كل هذا الاهتمام من قبل النخب العربية التي انشغلت بها كثيرا. 

منذ العام 2003 وحتى اشهر قليلة كان غليون يلعن التدخل الدولي في العراق ويظهره متلبّسا بجلباب الشياطين، وان من ايّد ذلك النوع من التدخل هو في الواقع انخدع به بدافع السذاجة ليس الا. يكتب غليون في احدى مقالاته \”أظهرت الولايات المتحدة أنها لا تريد من الديمقراطية إلا استبدال النظم القائمة بنظم تسيطر عليها أحزاب من صنيعتها\” ويضيف ايضا \”كان للخطابات الأميركية المتكررة حول التمسك بالتحول الديمقراطي أثر تخديري على النخب العربية التي اعتقدت أنها بالمراهنة على الضغوط الأميركية تستطيع أن توفر على نفسها عناء العمل الشاق النظري والعملي، من أجل بناء القوى الديمقراطية القادرة على تغيير موازين القوى الداخلية، والسعي بجميع الوسائل إلى الربط مع الجمهور الواسع، وإدخاله في العملية السياسية التحويلية\”. غليون وفي عشرات من مقالاته المنشورة في اهم الصحف العربية وعبر العديد من الحوارات التي اجراها في وسائل الاعلام العربية بعد حرب الخليج الثالثة كان يصر بنفس اكاديمي كبير على ذم التدخل الامريكي من اجل اسقاط صدام حسين، والعمل على مناوئة ومحاربة هذا التدخل والتشويش على التجربة العراقية الفتية. يكتب في مقالة اخرى: \”تقضي مصلحة إسرائيل في الحرب العراقية العمل بأقصى ما يمكن على تحطيم العراق من حيث هو قوة عسكرية وسياسية وتفتيته وقطع الطريق على أي احتمال لإعادة بنائه، وإذا أمكن، دفعه نحو الاقتتال الداخلي والعنف والفوضى الشاملة\”. لكن ذات الرجل وبعد ان اصبحت له حظوة في المعارضة السورية انقلب على جميع تلك المواقف، إذ دعا ويدعو ليل نهار وعبر وسائل الاعلام القوى الدولية الكبرى من اجل التدخل العسكري في سوريا ويبدي تذمّره الشديد من الموقف الامريكي الذي وقف متفرجا ولم يتدخل عسكريا لصالح المعارضة! 

برهان غليون وهو من الشخصيات البارزة والمهمة جدا بين المفكرين العرب ما هو الا نموذج لكثير من المواقف المتناقضة بشكل غريب، ابعاد ذلك التناقض تتضح وتكشف عن نفسها بشكل او بآخر مع صعود ما يسمى بالربيع العربي، هذه المرحلة وضعت الكثير من النقاط على الحروف وكشفت عورات كثيرة وصادمة في الموروث النظري للفكر العربي الحديث.   

gamalksn@hotmail.com

إقرأ أيضا