قمة الكويت.. الخلافات سيدة الموقف

تبدأ القمة العربية العادية في الكويت، الدورة العادية الخامسة والعشرين، وسط خلافات حادة بين اللاعبين الرئيسين في الإطار العربي، أثقلت موازينها الخلافات الخليجية – الخليجية، والانقسام حول الملف السوري، وتوتر العلاقة بين العراق والسعودية وقطر، والموقف من إيران، بالإضافة إلى ملفات ساخنة أخرى فرضها الحراك الشعبي العربي المعارض، وتطورات الأوضاع في بلدان الحراك، إلى جانب الملفات الخلافية المزمنة، سواء الثنائية بين بعض الدول العربية، أو على صعيد العلاقات البينية العربية المتردية ككل.

 

الاجتماع التمهيدي للقمة، الذي عقده وزراء الخارجية العرب، أظهر أن وجهات النظر متباعدة حيال كل الملفات المطروحة على جدول الأعمال، فالتمثيل السوري في القمة أثار انقساماً حاداً، بين مؤيد ورافض لشغل \”الائتلاف الوطني السوري – المعارض\” للمقعد السوري، إلى جانب الانقسام العميق إزاء النظرة إلى أسباب الأزمة السورية وتطوراتها تداعياتها وسبل معالجتها.

 

ومن المتوقع أن تلقي الخلافات السعودية والإماراتية والبحرينية من جهة وقطر في الجهة المقابلة بثقلها على سير أعمال القمة، وكذلك اتهامات بغداد للدوحة والرياض بدعم الإرهاب في العراق، وعودة التوتر إلى العلاقات الجزائرية المغربية، والمعادلة اللبنانية الداخلية المعقدة وارتباطها بالأزمة السورية، والعلاقة مع إيران لجهة حضورها في الملفات الإقليمية وبرنامجها النووي.

 

ملف آخر يلبد أجواء قمة الكويت، يتمثل في موقف السعودية والإمارات من جماعة \”الإخوان المسلمين\” وتصنيفها كـ\”تنظيم إرهابي\”، ما يثير حساسية مع تونس والمغرب والسودان وليبيا، وبالطبع قطر، ونوعاً ما حساسية أيضاً لدى الأردن. ولمستضيفة القمة دولة الكويت نصيبها من هذه الحساسية، حيث يعتبر التنظيم المحلي لجماعة \”الإخوان المسلمين\” في الكويت شريكاً سياسياً رئيساً في البرلمان الكويتي. ناهيك عن الحساسية لدى جزء رئيس من المعارضة السنية في العراق وحركة (حماس).

 

ودارت في أروقة الاجتماع التمهيدي لوزراء الخارجية العرب نقاشات حادة وشائكة حول مفهوم تحديد الإرهاب، على ضوء الإجراءين السعودي والإماراتي ضد جماعة \”الإخوان المسلمين\”، وعبَّرت تصريحات لوزير الخارجية البحريني، نهاية الأسبوع الماضي، عن إشكالية كبيرة في التعاطي مع هذه القضية، تؤكد بعض الجهات الرسمية العربية ضرورة أن يقتصر الإجراءين المذكورين على النطاق السيادي الوطني لكل من السعودية والإمارات، بما يقتضي إعادة النظر فيهما لهذه الغاية.

 

الملف الفلسطيني، كما في القمم العربية خلال السنوات الأخيرة، من المقدر له أن يكون حضوره باهتاً، وسيتم الاكتفاء بعبارات التضامن مع القضية الفلسطينية، والحث على وحدة الصف الفلسطيني من خلال مصالحة وطنية بين حركة \”فتح\” وغريمتها \”حماس\”، وإدانة الاستيطان الإسرائيلي، والتأكيد على عروبة القدس الشرقية، ودعم الجهود التي تبذلها واشنطن لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إلى جانب عبارات تقليدية أخرى صارت محفوظة ظهراً عن قلب.

 

ولعل الاستثناء في قمة الكويت، بالمقارنة مع ما سبقها من قمم عربية، أنه لم تسبقها ورشة مصالحات طارئة، كما تعودنا عليه من نمطية استعراضية ومؤقتة ومناورات التفافية لتبهيت الخلافات، كانت تشيع لدى البعض القليل تقديرات بأن القمم ربما تخرج بنتائج عملية يمكن البناء عليها في معالجة الأوضاع العربية المتدهورة. بل على العكس من ذلك تفجرت العديد من الخلافات على أبواب القمة، ما يبرز حالة استقطاب حادة.

 

وإذا كان واقع الحال الرسمي العربي لا يشجع، من قريب أو بعيد، على توقع أن تخرج قمة الكويت بحلول عملية تنهي الخلافات المستفحلة بين الحكومات وتوجهاتها المتناقضة، فانه كان يؤمل بأن يستشعر القادة العرب خطورة الأوضاع، وأن يعكسوا ذلك من خلال وضع التعارضات فيما بينهم في إطار مؤسسي يمكنه حلها وتحديد معايير لذلك، ووقف (تيرموميتر) التذبذبات الرسمية العربية المنطلقة من تقديرات خاصة لا رابط بينها وبين المصالح الوطنية والمشتركة، والخروج من مستنقع بناء المواقف على ردود أفعال تكتيكية قاصرة عن مجاراة الأحداث المصيرية، التي مرت، وما زالت تمر بها، الأوضاع العربية والإقليمية والدولية.

 

إن مشكلة القمم العربية أعمق من ذلك بكثير، ففي الذاكرة حتى تلك التي وصفت بأنها قمم ناجحة؛ ودون التقليل من الجهد الكبير الذي بذلته بعض الدول العربية في فترة توليها رئاسة القمة، لم تفلح أي منها في تنفيذ الحد الأدنى المطلوب من القرارات والتوصيات، لأن طبيعة رئاسة القمة فخرية، ولا توجد آليات عمل تُلزم الحكومات العربية بالتعاون معها وإسنادها، هذا إذا لم تصطدم بمحاولات تعطيل جهودها وشل دورها، وفي غالبية الأحيان قبل أن تنعقد القمة.

 

لذلك ما زالت مؤسسة القمم العربية تعاني من ضعف التزام الدول الأعضاء بتطبيق ميثاق الجامعة العربية، وتنفيذ القرارات الجماعية الصادرة عن مؤتمراتها، وأدى ذلك إلى تحوُّل قراراتها، خاصة تلك المرتبطة بالأمن الجماعي والسياسات الخارجية المشتركة، إلى مجرد يافطات تضامن سياسي معنوي.

 

وترتبط الأزمات البينية العربية بجذر واحد، وإن تعددت موضوعاتها وتنوعت تعبيراتها واختلفت درجات شدتها، وتؤثر في مسارات حلها جملة من العوامل الذاتية والدولية والإقليمية، يمليها ميزان قوى ونسق علاقات تغير في خلال السنوات الماضية بوتيرة سريعة ودراماتيكية، في ظل رفع مستوى التحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وثنائية صعود قوى إقليمية وتراجع الدور العربي، واجترار استراتيجيات خاطئة خلقت تشابكاً متناقضاً بين الأولويات الوطنية القطرية والعربية المشتركة، وأدت إلى فرز حاد في الدواخل الرسمية، كان شعاره العريض قبل عام 2011 الموقف من ملفات فلسطين ولبنان والعراق وإيران، والموقف من السياسات الأميركية – الإسرائيلية، وتفشي الرهانات العقيمة على حماية الذات بالانخراط في الإستراتيجية الأميركية الشرق أوسطية، وما تبع ذلك من إعادة تحديد الموقع والدور الخاص في معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي، والعلاقة مع دول الجوار، ومع القوى الكبرى في النسق الدولي غير الولايات المتحدة وحلفائها.

 

بالإضافة إلى الفشل المتكرر للقمم العربية في إدخال تطويرات على منظومة العمل المشترك، عبر استنهاض وتطوير مؤسسات جامعة الدول العربية، بما يرتقي بدورها ويجعلها قادرة على الاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، من خلال تحويلها إلى إطار فاعل.

 

وزادت المواقف المتناقضة إزاء الحراك الشعبي العربي المعارض، منذ مطلع عام 2011، من حدة الانقسامات العربية – العربية، ما يجعل الخلافات سيدة الموقف في قمة الكويت، دون أي توقعات بأن تخرج القمة بنتائج عملية يمكن أن تنعكس إيجاباً على الأوضاع العربية المتردية، لاسيما في ظل غياب العديد من ملوك ورؤساء دول محورية.

* كاتب فلسطيني، أنباء موسكو

إقرأ أيضا