جائحة كورونا.. تهدد حياة النساء في ذي قار

بينما يتسرب الحزن من صوتها، تحاول أم جنان (43 عاما) أن تلملم نفسها كلما تتذكر…

بينما يتسرب الحزن من صوتها، تحاول أم جنان (43 عاما) أن تلملم نفسها كلما تتذكر حادثة هروبها من البيت هي وبناتها الخمسة، بعد أن قام زوجها بضربها بشدة، حينها قررت الهرب ومغادرة البيت بلارجعة، بعيدا عن السياط التي تتلقاها بشكل شبه يومي.

عاشت أم جنان حياتها بشكل مضطرب طوال سنوات، رغم الظروف المعيشية التي تشهدها العائلة، فزوجها الذي يعمل في الفواكه والخضار في الناصرية، بالكاد يسد رمق العائلة التي تتكون من خمسة بنات، مع جلوسه في البيت خلال حظر التجوال، تحول إلى شخص آخر، وزاد في قسوته عليها وبناتها بالضرب، على حد قولها.

قبل أيام، تكمل أم جنان، حديثها لـ”العالم الجديد”، قد “تعرضت الى الضرب المبرح أنا وبناتي مرة أخرى على يد زوجي لسبب بسيط، لكن هذه المرة لم أستطع الاستمرار بالسكوت، لذا قررت الهرب مع البنات، بعيدا عن هذا العذاب اليومي المستمر”.

كانت حياتي عبارة عن سجن قاسٍ، كما تروي أم جنان قصتها، “فمنذ عدة سنوات لم يكن زوجي بهذا الشكل من العنف الذي يعاملني به، ولا أعرف كيف تغيرت تصرفاته في الفترة الأخيرة، خاصة حينما جلس في البيت، لقد وصلت الى مرحلة، لم أستطيع الأستمرار بالعيش معه، حيث يقوم بإهانتي على أبسط الأشياء”.

وتضيف، “منذ حظر التجوال، زاد تصرفه السيئ معي ومع بناتي، حتى أنه تحرش ببناته، لدرجة أننا قررنا الهرب، وقمنا بتأجير شقة صغيرة، ولكنه بعد أيام وجدنا وقام بضربنا أيضا، ولكن لحسن الحظ تمكنا من الهرب الى مكان بعيد، ونحاول أن نبدأ حياتنا بدونه”.

نعيش الأن، كما تقول أم جنان، بهدوء وأمان، ولكن شبح الخوف من عودة زوجي بحثا عنا يقلقنا بشكل مستمر، وها نحن نحصل على مساعدة بعض الخيرين لكي نبقى بعيدين عنه، ولا أظن بأننا نفكر بالعودة، وكل ذلك حصل قبل ما يقارب الأسبوعين”.

وسجلت الأجهزة الامنية في محافظة ذي قار، عدة حوادث تتعلق بالعنف الأسري، خلال فترة حظر التجوال بسبب جائحة كورونا، وتم رصد حالات إعتداء كثيرة على النساء، مقارنة بالفترة الماضية التي سبقت فترة حظر التجوال، وسط مخاوف من أن تتحول لظاهرة مجتمعية خطيرة تذهب ضحيتها النساء بالدرجة الأساس.

تؤكد الناشطة والمدافعة عن حقوق المرأة، إيمان الأمين، في حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “العنف الأسري، موجود داخل الأسر، وتعاني منه كافة أفراد الأسرة، قد يكون الآباء أو الزوجة والأولاد، وبما أن تواجد الزوج والزوجة الدائم بالبيت وكذلك الأولاد، جعل منه أكثر ظهوراً، كذلك ضغط الوضع العام والضغط النفسي نتيجة الجائحة وحالة الحظر من أسباب ازدياد العنف”.

وتضيف الأمين “هناك حالات حدثت في ذي قار كثيرة منها خرجت للإعلام ومنها بقيت مخفية داخل البيوت”.

أسباب هذا العنف، كما تقول الأمين، كثيرة، منها ما يتعلق بالوضع العام بالبلد من تفشي جائحة كورونا والازمة الإقتصادية وتوقف أرزاق الناس البسطاء وعدم وجود وعي وإنتشار الجهل والأمية والفقر، وأيضا عدم تفعيل قانون مناهضة العنف الاسري، الذي سينبه المجتمع الى أهمية وخطورة تصرفاتهم المتنمرة والعنيفة ، وماهو مردودها عليهم، وكذلك يمنح لمنظمات المجتمع فرصة للتوعية وكذلك فرص عمل للباحث الاجتماعي للوصول للعوائل”.

وطالبت الأمين، بضرورة أن “يكون هناك تكاتف كمثقفين ونشطاء وإعلاميين بالضغط على البرلمان من أجل تفعيل قانون مناهضة العنف الأسري”.

ولم تكن حالة أم جنان وحدها من أثارة الجدل، حيث شهدت الناصرية أيضا قيام أحد الأزواج ترك زوجته لأنها أصيبت بفايروس كورونا، ثم قام بضرب طفله بعمر 12 عاما، وتسجيل حادثة ضرب أبن لأمه وتعذيبها لأنها تشاجرت مع زوجته وألقى بها في الشارع.

وليس الضرب أو الهروب وحده من تم تسجيله فقط، بل كشفت الشرطة المجتمعية عن حالات قتل بين الأزواج، مثل الرجل الذي نحر زوجته لخلاف عائلي، وزوج أطلق النار على زوجته وأرداها قتيلة، وهناك من أحرق أولاده وأم أغرقت أطفالها في خزان الماء، إضافة لحالات إنفصال وطلاق كثيرة حدثت خلال هذه الفترة.

حلول بسيطة

تقول الناشطة بمجال حقوق المرأة ورئيس منظمة المرأة والطفل، منى الهلالي، من جهتها، بأن “أعداد حالات العنف بدأت بالتزايد بسبب الحجر المنزلي والقلق والتوتر من الوباء، وإحتمالية الإصابة، إضافة الى تردي الوضع الاقتصادي وزيادة الاعباء على النساء مع تواجد جميع أفراد الأسرة في المنزل وقد يكون بينهم من يحتاج الى رعاية خاصة كالأطفال وكبار السن وأصحاب الامراض المزمنة، مما يشكل ضغط نفسي. على المرأة”.

وتقترح الهلال، خلال حديثها لـ”العالم الجديد”، عدة حلول  منها أنه “يجب على الحكومة مراعاة الجانب الإقتصادي بمثل هذه الظروف، ورفع وعي الذكور بمراعات النساء والتعاون معهن، حتى لو بالكلمة الطيبة لرفع معنوياتهن، وإعطاء دور الإعلام في تطمين المواطن والتأكيد على أن هذه الأمور عابرة وتزول ويجب ان يتحلى الجميع بالصبر”.

وتتابع حديثها، “الإستفادة من الهاويات والمهارات لأفراد العائلة لقتل الملل والوقت وضغط النفقات قدر الإمكان وتأجيل مايمكن تأجيله”.

وبحسب إحصائية حصرية، حصلت عليها، “العالم الجديد”، بشأن العنف الأسري وما يرافقه من أحداث تتعلق بالمرأة والطفل بمحافظة ذي قار، من1 أكتوبر 2019 وحتى 23 نيسان 2020 تتعلق بالمرأة والطفل بمحافظة ذي قار، حيث سجلت 82 حالة عمد و20 حالة تهديد، و38 حالة أخذ مستمسكات بالقوة.

ويكشف مصدر أمني، “عن وجود حالات تعنيف مستمرة ضد المرأة، وتحاول الجهات المعنية المختصة، أن تعالج بعض تلك المشاكل قدر الإمكان، والمحافظة على نسق العلاقة، قبل أن تتطور وتتحول في كثير من الأحيان الى مشكلة كبيرة تنتهي بالطلاق أو إرتكاب جريمة”.

ويوضح المصدر، أنه “لا توجد أي إحصائية دقيقة حول نسبة الطلاق خلال فترة حظر التجوال بسبب عدم وجود دوام بالمحاكم، ربما قد يتم الكشف عنها لاحقا بعد إنتظام الدوام ببعض المؤسسات الحكومية”.

ورغم الإجراءات الحكومية في محاولة تقليل ظاهرة العنف الأسري، لكن أم جنان وبناتها الخمسة، لا تزال مختفية عن أنظار زوجها، حيث تسعى لبناء حياتها بشكل جديد، بعيدا عن المشاكل الزوجية التي أوصلتها لهذه المرحلة، الهروب قبل الموت.

إقرأ أيضا