طبيبات عراقيات يروين معاناتهن.. هذا ما حصل لنا من تجاوزات واعتداءات في مراكز عزل المصابين بكورونا

رغم اعتيادها على الكثير من المواقف والأحداث التي تمر بها، يوميا منذ تفشي الجائحة، لكنها…

رغم اعتيادها على الكثير من المواقف والأحداث التي تمر بها، يوميا منذ تفشي الجائحة، لكنها لم تشهد يوما عصيبا، مثل اليوم الذي تحولت فيه الردهة الى حلبة للمصارعة، ضربات للممرضين وشتائم تملأ المكان وتجاوز وإعتداء تعرضت له ورميها  بـ”نعال”، مما دفعها للهرب بعيدا عن مسرح الشجار.

زهراء ريحان، طبيبة تعمل في ردهات عزل المصابين بكورونا في مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية، تقضي أيامها بصعوبة وخطورة دائمة خلال تعاملها مع مئات المصابين بكورونا في الأشهر الماضية، لكن ذلك لم يكن أكبر مخاوفها، بل التجاوزات وإعتداءات ذوي المصابين هي أخطر ما تخشاه بعملها على حد قولها.

فوضى

تروي الدكتورة زهراء، حادثة الإعتداء عليها من قبل ذوي أحد المصابين بكورونا، وهي تسعى لإنقاذه قبل وفاته، واصفة بالأحداث بالمرعبة، دفعتها للهرب بعيدا عن الحدث، بعدما تعرضت للضرب في واحدة من أشهر حوادث الإعتداء على الكوادر الطبية في ذي قار.

تقول زهراء ريحان، لـ”العالم الجديد”، وهي تستذكر ما حصل لها في حزيران الماضي، “كان عملي في مركز القلب وخلال شهر حزيران تم تنسيبي للعمل في ردهات العزل الوبائي وإعتدت على العمل والتعامل مع المصابين، وفي يوم الحادثة، كان موعد خفارتي يبدأ الساعة 8 صباحا”.

بدأت في مراجعة حالات المرضى في أول خفارتي، في ذلك اليوم كان الإنعاش ممتلئ تماما، ولا يوجد أي جهاز تنفس أو سرير، حيث باشرت في فحص المرضى، وفي الساعة 8 والنصف صباحا، حضر مجموعة شباب من الطوارئ  يركضون بإتجاه تواجدي في أحد طوابق المستشفى بردهات الإنعاش، يطلبون سريرا لوالدهم، أخبرتهم أنه لا يوجد أي سرير أو جهاز، وركضت معهم للمريض لرؤيته، وجدته على الأوكسجين وقد فارق الحياة تقريبا.

وتضيف، “حاولت أن لا أدخر مجهودا لإنقاذ المريض، ووسط الفوضى، كان هناك صراخا مستمرا فوق رأسي، ما أن بدأت بفحص حالة المريض، حتى صرخ أحدهم بوجهي، (ولج أطلعي منا) وقذفني (بنعاله) على وجهي، وتعرض الممرض الذي معي بالضرب على وجهه وأمتلأ بالدم، ثم سقطت قناني الأوكسجين على الأرض وكسروا الأبواب، بعدها أنا ركضت بعيدا عن مشهد الضرب والتكسير”.

وتتابع د. زهراء حديثها، “بعد أن أخرجوا ذوي المريض من الردهة، ورغم تجاوزهم وضربهم لي، عدة للعمل وقمت بتشخيص حالة المريض من خلال الانعاش الرئوي مع بقية الممرضين، وأستمريت نصف ساعة تقريبا، لكن للأسف كان المريض متوفي أصلا”.

تؤكد ريحان بأن “كل الإعتداءات التي تحصل بحق الكوادر الصحية أن المريض يتوفى أو يصل الى مركز العزل متوفي أصلا أو عدم وجود أجهزة أو أسّرة”.

وشهدت محافظات البصرة وميسان، إرتفاع حالات التجاوز والإعتداء على الكوادر الطبية، سيما في الفترة التي تفشى بها فايروس كورونا، وسجلت وزارة الصحة إستنكارها في أكثر من حادثة، داعيا السلطات والأجهزة الأمنية الى حماية الكوادر الصحية.

بمواجهة الموت

تقول الدكتورة زهراء أحمد وهي من ميسان، بأنها تعرضت للشتم أكثر من مرة، وهي تتابع حالات المرضى، فيما تفضل زينب حسين وهي طبيبة مقيمة من البصرة، بأنها تغادر المكان حالما يحصل شجار أو تجاوز عليها، مؤكدة على أن الخروج بكرامة أفضل من مواجهة أشخاص مقتنعين بأن الأطباء هم طبقة جشعة وليس لديها إنسانية”.

وتضيف حسين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأنه “خلال الفترة الماضية، لا أحد يقف مع الكوادر الطبية، حتى حمايات المستشفيات لا يتدخلون حينما تقع الكارثة”.

وبابتسامة خفيفة، تذكر طبيبة مقيمة من محافظة ميسان، بأن “ذوي أحد المرضى قام برمي أحد الاجهزة بوجهي، لولا لطف الله لكان وجهي قد تشوه، وفي حادثة أخرى هددني ذوي أحد المرضى، قالوا لي أننا في الحشد الشعبي، لو كنت رجل لكان تصرفنا معكِ مختلف، وفي حادثة أخرى صفعتني إمرأة كبيرة بالعمر على وجهي”.

وتقول طبيبة أخرى، فضلت عدم ذكر أسمها، لـ”العالم الجديد”، بأن “ذوي المرضى ركضوا خلفي في مستشفى الحسين التعليمي محاولين ضربي بالأداة التي يتم فيها فتح قنينة الأوكسجين، وفي حادثة أخرى، بصق على وجهي أحدهم”.

أسباب العنف

هناك أسباب كثيرة تدفع بالحصول مثل هكذا مواقف داخل المؤسسات الصحية، كما تقول الدكتورة شهد عماد وهي طبيبة أنعاش بمركز العزل لمصابي كورونا في الناصرية، لـ”العالم الجديد”، مؤكدة على أن الأسرة وأجهزة التنفس الشغالة محدودة، بالمقابل أعداد المصابين كبيرة.

تؤكد عماد، وهي منسبة منذ 6 أشهر في مركز العزل، بأنه ” في أغلب الأحيان تكون المشاكل، بسبب الأعطال من جهة ونقص الأسرة من جهة أخرى  وعدم ثقة المريض بالطبيب أو يريد علاج على مزاجه وهو ما يدفعه نحو التدهور، وأغلب التجاوزات هو أن الطبيب في طابق معين يقوم بإنزال المريض على مكان اخر وحينما يتم اخبارهم أنه لا يوجد سرير أو جهاز رئوي أو تنفس تبدأ حفلة الشتم داخل صالة الإنعاش”.

وتتحدث عماد، لـ”العالم الجديد”، بأنها هي الأخرى تعرضت خلال نوباتها في العمل داخل الردهات الى التجاوز من قبل ذوي المرضى، وتقول، بأن ذوي مريض متدهورة حالته وصلوا للردهة بعد منتصف الليل وبعد سؤالهم مباشرة بدأوا بالشتم والصراخ بوجهي، حينها كان تركيزي على المريض وكيف أحاول إنقاذه وبعد إن إستقرت حالته جاءوا لي وإعتذروا”.

أغلب الحالات، كما تقول عماد، بأن ذوي المصاب، يريدون أن يعطوا مريضهم علاج أو بلازما حسب مزاجهم، بدون بروتوكول أو متابعة الحالة، أو يقفون فوق رأسه رغم وضعه، وفي حال الرفض تبدأ المشاكل والصراخ، ولديهم إستعداد على قتل أي طبيب أو ممرض في حال رفض الإستجابة لهم.

ولم تكشف وزارة الصحة حتى الآن عن نسبة التجاوزات على الكوادر الصحية في المحافظات العراقية، سيما المناطق الجنوبية التي تسجل إرتفاعا واضحا خلال الأشهر الماضية بحسب مراقبون.

وعلى الرغم من التحذيرات الوزارية والحكومية بالتعامل بحزم مع المتجاوزين على الكوادر الصحية، الا أن الظاهرة لا تزال تسجل إرتفاعا واضحا، خاصة مع أزمة الاوكسجين التي شهدتها الناصرية منذ ما يقارب الشهرين.

وعلى أثر التجاوزات المتكررة على الكوادر الطبية، خرجت تظاهرات للكوادر التمريضية في عدد من المدن العراقية، تندد بالاعتداءات التي تحصل بحقها، والأمر لم  يقتصر على الطبيبات فحسب، بل على الكوادر بشكل عام، لكن الطبيبات العاملات في مراكز العزل، في أكثر من محافظة إعترفن بشكل واضح على ما يحصل لهن في تلك الردهات من تجاوزات يومية داعيات السلطات الى تشريع قوانين رادعة لإيقاف ما يحصل بحقهن.

إقرأ أيضا