تموز والعراق لازمة الخلاف

إختص العراق بتموز، إلها وشهرا ورمزا، بل لا يجافي المرء الحقيقة إذا قال: إن تموز لازمة عراقية، والعراقيون تموزيون بطبعهم. ولا أدري إن كانت الفجوة بين أهل الداخل وبين أهل الخارج قد ابتلعت تموز أيضا.

تموزنا شهر الحصاد، ميراث سومري طويل إختص به إله خيرهم الموسوم \”ديموزي\” دون أن يخبرنا التاريخ إن كانت المواسم فعلا وفيرة، أم أنّ التقرّب بإله للحصاد كان مسعى لكسر تصحر أرض الرافدين، وقد بدأ مبكرا في هذه البقاع فانزاح الماء عن السهل الرسوبي الجنوبي ليتيح لمن باتوا يعرفون بسكان سومر معدنا لا ينازعهم عليه، وبذا يكون عمر التصحر العراقي قد بدأ قبل 5 آلاف سنة.

لكن تموز السومري لا يشمل الآشوريين وهم سكان حافات الجبال، ولا الكرد وهم سكان الجبال الأوائل، ولا يشمل أيضا المهاجرين لأرض السواد من العرب المستعربة الذين نزحوا من اليمن والجزيرة وحضرموت وقطنوا صحارى تقارب بيئتهم . النخلة رمزهم يشاركهم بها السومريون فيصلُ بهم الوطن – تحت سلسة حمرين-  الى إتفاق الحد الأدنى المعروف باسم أرض النخلة، وهو ما هتف به النواب الأممي وياللعجب!! \”النخلة أرض عربية\” .

ومع هذا فتموز رمز خير يعتبره البعض بداية لتاريخ العراق الحديث حين خرج العسكر عن طاعة أسيادهم العثمانيين، فأعلنوا ثورة على ملوك عرب جاءت بهم اتفاقيات سايكس بيكو الى العراق والأردن وفلسطين وأطراف الجزيرة تحت إسم أشراف مكة، ونسبتهم لأهل عبد الله والد محمد الرسول تتذابح مع نسبة سادة العراق وأشرافه من أحفاد الشريف الرضي المنتسبين الى نسل الرسول من إبنته فاطمة.  

وهكذا أفاقت الفتنة من خلاف أشراف مختلفين حول أيهم أقرب للرسول المتوفى قبل 14 قرنا، فكان نصيب العراقيين من ذلك أن توارثوا الخلاف ليصل حد الدماء، ونال الفقراء من ذلك ولائم عاشورية في ذكرى طف كربلاء الحزين وحلوى نبوية في يوم المولد النبوي السعيد.

بمثل هذا التلون غير المتسق، قاد بضع ضباط حركة أطاحت بالملك الهاشمي غير العراقي، فقتلوه وأهل بيته وسحلوا بضعا من خواصه، وما كان الدم ليكون عبيطا، ومن يبتدي بالدم، فلن ينتهي إلا به، وهذا ما كان.

وفي تموز آخر بعد 10 أعوام، قام بضعة مغامرين- إذا افترضنا حسن النية- مع بضعة ضباط باختطاف السلطة القلقة الفتية من يد ضابط خامل الذكر جاءت به الى القمة ظروف المنطقة التائهة بين الناصرية والإخوان والشيوعية. من اختطفوا السلطة تمتعوا بحنكة أن يوفروا دم خصومهم، فبدؤوا يومهم أبيض، وأقبل عليهم الناس.

بعد شهور أرعبوا الشعب بهجوم على اليهود وهم أضعف الأقليات، فقتلوا منهم بضعة وعلقوهم في ساحة التحرير، الرمز الدائم للسياسة التائهة.

في تموز 1979 انقلب أجرأ قادة انقلاب 68 على ربعه، وانفرد بالحكم في مسرحية تنازل الأب القائد عن السلطة للزعيم الشاب.

ولكي لا نطيل ، فالبلد قد وصل تموز هذا العام، وهو بلا ماء شرب للعام العاشر، وبلا تيار كهربائي للعام العاشر، وبلا أمن للعام العاشر، وبلا هوية للعام الألف بعد أربعمائة، وبلا كفاءات منذ فجر تواريخه، وبلا محبين مذ فقد جلجامش صديقه انكيدو الذي لم ترو لنا الأسطورة سر العشق الساري بينهما، وبلا سماء منذ تفاقم التصحر ولازم الغبار سماء العراق معظم أيام السنة. ولو شئنا ان نمضي في تعداد الغائبين لطال المقال بما لا يتسع المقام، فوداعا.

إقرأ أيضا