الصابئة المندائيون يحييون عيد “الازدهار” وسط تحذيرات من تنامي الهجرة

يحتفل أبناء الديانة الصابئية المندائية، اليوم الثلاثاء، بأصغر أعيادهم وهو “عيد الازدهار”، المرتبط بانتصار الخير…

يحتفل أبناء الديانة الصابئية المندائية، اليوم الثلاثاء، بأصغر أعيادهم وهو “عيد الازدهار”، المرتبط بانتصار الخير على الشر، وسط مخاوف من اندثار طقوسهم في العراق بسبب تزايد هجرة أبناء المكون التي حذر من استمرارها رئيس الطائفة في العراق والعالم، وفيما انتقد استبعادهم من الحكومة الجديدة، اعتبر السحر من الكبائر في تعاليم الديانة، وذلك ردا على “إساءة” أحد الفنانين لأبنائها.

ويقول زعيم الطائفة المندائية في العراق والعالم الشيخ ستار جبار خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذا العيد يسمى العيد الصغير أو عيد الازدهار، وفيه ازدهرت الأرض، ويسمى أيضا أبو التمن والروبة وانتصار النور على الظلام والخير على الشر”.

وبشأن عودة الصابئة المهاجرين من عدمها، يؤكد جبار أنه “لا توجد عودة، بل على العكس هناك تزايد في الهجرة”.

وفي ما إذا كان الصابئة قد حصلوا على مواقع في الحكومة الجديدة، يبين جبار “لم نشارك بالقرار والحكومة، ولكننا نهنئ السوداني ونتمنى منه الالتفات للأقليات ليأخذوا دورهم في العراق الجديد”.

وتعريجا على الضجة الحاصلة بشأن أغنية المطرب العراقي صلاح البحر التي اعتبرت مسيئة للصابئة، يشير جبار إلى أن “قضية هذا المطرب لا تتعلق به وإنما بكلمات الأغنية، فالسحر من المحرمات الكبرى في ديانتنا، وقدمنا شكاوى عديدة للجهات المتخصصة لكي تحاسب المنصات المسيئة لديانتنا”.

وتعد الديانة المندائية من أقدم الديانات التوحيدية، ويتمركز أبناؤها في مدن جنوبي العراق، قرب الأهوار والأنهر، نظرا لارتباط طقوسهم بالماء الجاري، كالتعميد وعمل الثواب والصلاة.

وقبل أيام، أثيرت قضية الإساءة للمكون الصابئي عبر أغنية للفنان صلاح البحر، وذكر فيها “مسوية سحر صبي”، الأمر الذي دفع الشيخ ستار جبار والنائب عن المكون، إلى التدخل بشكل عاجل لوقف الإساءة، وهو ما اضطر البحر إلى تقديم اعتذار لأبناء الطائفة عبر مقطع فيديو.

عيد الازدهار له طقوس مختلفة، فهو يبدأ بطبخ الرز وتناوله مع اللبن والتمر، صبيحة أول يوم فيه، بعد شروق الشمس، وتقام هذه المأدبة عقب قراءة الأدعية والتراتيل من كتاب الصابئة المقدس “الكنزا ربا”، وهذا الإفطار، يعمل كجزء من الثواب للموتى، ويؤكل بعد قراءة الفاتحة.

وفي السياق ذاته، يوضح إحسان الفرج، مواطن صابئي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عيد الازدهار يعني يوم ازدهرت الأرض، ورب العالمين أرسل مبعوثه ونبت الزرع والخضار وتصلبت الكرة الأرضية، ولهذا يسمى عيد الازدهار، وبالنسبة للطقوس هي كباقي الطقوس في الأعياد الأخرى، المتضمنة التراتيل والصلوات وطعام الغفران للموتى والابتهال إلى الله بنشر السلام”.

وفي ما يخص هجرة أبناء الطائفة، يضيف الفرج أن “هجرة الصابئيين في تزايد بسبب الظروف غير المستقرة في البلد”، لافتا إلى أن “الصابئة يعانون كبقية العراقيين من سوء الخدماء والاضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية، وهذا ما يدفعهم إلى الهجرة”.

وللصابئة 4 أعياد رئيسة ومناسبات عدة أخرى، الأول هو عيد الخليقة (البرونايا) وفيه خلق الخالق عوالم النور العليا، ويستمر لمدة 5 أيام، والثاني هو عيد التعميد الذهبي، في ذكرى الولادة الروحية لنبيهم يحيى بن زكريا، بالإضافة إلى العيد الكبير الذي يصادف في شهر تموز يوليو ويستمر 7 أيام، وهو بداية الخلق، وفيه بدأت الدقائق والساعات والأيام كما يعتقدون، والأخير عيد الازدهار، وهو العيد الصغير الذي يصادف اليوم، وفيه قام الله أو الحي العظيم (كما يسمى داخل الديانة) بخلق الأزهار والأثمار والطيور والحيوانات، بالإضافة الى هذا عمد إلى خلق آدم وحواء، وهذا العيد يعتبر بداية نشوء الخلق.

ويعد التعميد من أبرز أركان الديانة، والذي يعني تطهيرا لـ”الجسد والروح” من كافة الخطايا والذنوب، وعلى كل صابئي أن يتعمد بعد ولادته بسنوات قليلة، وأيضا عند الزواج وبعد أن يرزق بأطفال، ومن شروط التعميد أن يقام في نهر أو بحيرة، أي داخل ماء جار وليس ساكنا، وهذا ما دفع أبناء الديانة إلى التمركز منذ الأزل قرب الأنهار والأهوار في جنوب العراق، حيث ترتبط طقوس التعميد أو الصلاة أو الزواج بالماء.

من جانبها، تطالب فائزة سرحان، مواطنة صابئية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “يكون هناك مكان للصابئة في مراكز صنع القرار في العراق، باعتبارهم مكونا أصيلا من المكونات العراقية”.

وتتابع سرحان أن “الأعياد تعبر عن تصافح القلوب قبل الأيادي، ونتمنى أن يعم السلام والأمان وأن ينال المواطن العراقي ما يستحقه من حياة كريمة تجعله لا يفكر بالهجرة، إذ أن تناقص أعداد الصابئة في العراق مدعاة قلق لنا، لأنه يعني توجه أقلية نحو مجتمعات أخرى، ما يؤدي إلى ذوبان التقاليد والطقوس على الرغم من المساعي العالمية للحفاظ على الديانة المندائية”. 

وواجه أبناء الطائفة المندائية في العراق بعد 2003 الكثير من التحديات التي هددت بقاءهم كأحد أبرز الأقليات الدينية في بلاد الرافدين، من بينها القتل والسلب، لكونهم يعملون في صياغة الذهب، ما عرضهم إلى كثير من الاعتداءات والانتهاكات، بينها السرقة والاختطاف بشكل مباشر ومستمر، ما أدى إلى هجرة الكثير منهم باتجاه الغرب.

وخلال الأعوام الـ18 الماضية، تمكن أبناء الطائفة من تثبيت وجودهم في دول مثل السويد وألمانيا وأستراليا وأمريكا، وهناك بنوا معابدهم “المندي” وحصلوا على رخصة رسمية لممارسة طقوسهم وتلبية كافة احتياجاتهم من قبل تلك الدول.

وفي تسعينيات القرن الماضي، تمت ترجمة الكتاب المقدس للديانة من قبل رجال دين، وتحت إشراف الشاعر العراقي الراحل عبد الرزاق عبد الواحد، الذي أشرف على لغة الكتاب العربية بعد ترجمته.

إقرأ أيضا