المذكرة الأمنية بين العراق والسعودية.. هل تعود لـ”الدفء” مع إيران؟

خطوة كان من المفترض أن تحصل بقرار عراقي خالص، لكنها جرت نتيجة للتقارب السعودي الإيراني،…

وصف مراقبون دفء العلاقات العراقية السعودية الذي تم تتويجه بتوقيع مذكرة تفاهم أمنية بين الطرفين، بالانعكاس للتقارب السعودي الإيراني من جهة، والمكمل لمؤتمر ميونخ للأمن، وهو ما ذهب إليه نائب من الإطار التنسيقي المعروف بقربه من طهران.

ويقول الخبير الأمني والاستراتيجي أحمد الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “زيارة وزير الداخلية للسعودية وتوقيعه مذكرة تفاهم بين الجانبين تصب في مصلحة العراق ومستقبله، فضلاً عن منفعة تأتي في سياق مواجهة الإرهاب وإدارة المعركة، لاسيما وأن التنظيمات الإرهابية تعمل على مبدأ كسر الحدود، وتأمين الحدود بين الطرفين هو تحقيق الحصانة للبلدين الجارين”.

وكانت وزارة الداخلية، وقعت ليلة أمس الأول، مذكرة تفاهم مع وزارة الداخلية السعودية، ووفقا للبيان فهي الأولى من نوعها منذ العام 1983، وقد شملت المذكرة جميع أشكال التعاون الأمني وتبادل الرؤى وتفعيل العمل الأمني المشترك لما يضمن المزيد من الأمن للجانبين العراقي والسعودي. 

ويضيف الشريفي، أن “مؤتمر ميونخ للأمن دفع باتجاه تأمين الطاقة والأمن الغذائي، الذي ينتج تكاملاً بين مختلف البلدان، وبالتالي فإن هذا التكامل يحتاج لتكامل الجهود الأمنية من أجل حماية تبادل الطاقة والغذاء، وهذا يحتم على البلدان عقد اتفاقيات حدودية، فضلاً عن ذلك تؤسس هذه المذكرة للأمن الإقليمي المشترك، ليكون أمن العراق جزءا من أمن السعودية والخليج العربي، والعكس صحيح”.

ويشير إلى أن “العراق تأخر كثيراً في عقد اتفاقيات من هذا القبيل، وكان حريا به البدء بالتكامل الإقليمي بعد تغيير النظام السابق، لكن إيران أرادت أن تستفرد بالعراق، باعتباره الضامن الحقيقي لمصالحها، لكنها عدلت عن قرارها لاحقاً، وحصل تقارب بينها وبين المملكة العربية السعودية، ألقى بظلاله على طابع العلاقة الثنائية بين العراق والمملكة العربية السعودية، مع أننا كنا نتمنى عودة العلاقات من دون أن تتزامن مع صلح سعودي إيراني، ليتناسب القرار مع سيادة العراق”.

يشار إلى أنه في العام 2017، تم تأسيس مجلس التنسيق العراقي السعودي في القمة التي جمعت رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي بالعاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز في الرياض، لوضع خطط تعاون اقتصادية وتجارية وثقافية وتعاون أمني واستخباري بين البلدين، لكن لغاية الآن لم تنجح أغلب المشاريع الاستثمارية السعودية في الداخل العراقي بسبب معارضة علنية من قبل الفصائل المسلحة.

من جانبه، يوضح المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “السعودية عملت لسنوات على تأمين حدودها مع العراق، سواء من تجار المخدرات أو مهربي الآثار أو لتسلل المجرمين، بالمقابل لم يبذل العراق جهوداً مكثفة في ذلك، أما اليوم فالبلدان يحاولان الوصول لاتفاقات أمنية تؤسس لتقارب أكبر، سواء على الصعيد السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي”.

ويضيف البيدر أن “تشكيل الإطار التنسيقي لهذه الحكومة وضعه أمام الأمر الواقع، وهو موقف لم نعهده من قبل، حتى أن إيران لم تعد تمانع حصول هذا التقارب، تبعاً لدفء نسبي في العلاقات بينها وبين السعودية”.

ويبين أن “العراق يستطيع أن يكون لاعباً حقيقياً ومحوراً، إذا ما استثمر علاقاته المذهبية مع إيران، وعمقه القومي مع بلدان الخليج، فضلاً عن إبراز النزعة البراغماتية للحصول على مكتسبات من الطرفين، مع تقريب وجهات النظر، التي ستصب في صالح العراق بنهاية المطاف”، لافتا إلى أن “ممارسة العداء تجاه واحدة من تلك الدول سوف يضر بالعراق، لأن إيران والسعودية تمثلان محاور حقيقية داخل المنطقة، ولها إمكانات هائلة، يمكنها زعزعة استقرار العراق”.

ويرتبط العراق والسعودية بمعبرين بريين، هما معبر عرعر، الذي افتُتِح في العام 2020، بعد إغلاق دام لنحو 29 عاما، مع اندلاع حرب الخليج عام 1991، ويقع هذا المعبر ضمن حدود محافظة الأنبار (غرباً) الحدودية، وهو تجاري وفيه ممرات لعبور المسافرين، أما المعبر الثاني فهو معبر الجميمة من جهة الجنوب، ويقع ضمن امتداد بادية محافظة المثنى، وتاريخيا يعتبر طريق حج رئيسيا كانت دول عدة تستخدمه لعبور قوافل الحجاج إلى السعودية عبر العراق، أبرزها تركيا وإيران.

وكانت محافظة المثنى، أعلنت في 2017، أن السعودية أبدت تحمل تكاليف بناء منفذ الجميمة الحدودي، لكنها كشفت في 2019، عن تأخير الافتتاح وعزته الى أسباب سياسية عطلت إجراءات الافتتاح المتعلقة بالحكومة المركزية في بغداد.

وتعرض مخفر قرب الحدود العراقية السعودية في العام 2021، إلى هجوم من قبل فصيل مسلح، وذلك في ذروة جولات الحوار السعودية الإيرانية، وقد كشفت “العالم الجديد” في حينها التفاصيل الكاملة للهجوم.

وفي السياق ذاته، يذكر النائب عن دولة القانون عارف عبد الجليل الحمامي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، “إننا في دولة القانون ندعم الانفتاح على جميع دول المنطقة والعالم، ضمن تبادل المصالح، والحفاظ على سيادة العراق، فضلاً عن التعاون على المستوى الأمني والاقتصادي، لذا تعد خطوة السيد وزير الداخلية موفقة، سواء في توقيع مذكرة التفاهم، أو لطابع الزيارة البروتوكولي”.

ويضيف الحمامي أن “أهمية هذه التفاهمات تأتي لحاجة العراق لضمان التعاون الأمني بين جيرانه، الذي ينتج عنه تسليم المجرمين وتبادلهم، فضلاً عن منع تسللهم، ومنع الخلايا التواجد على أراضي الدول، لأن العراق مر بمراحل عصيبة، ساهم بها الإرهابيون القادمون من الدول المجاورة للعراق أو عبر حدودها”.

ويشير الى أن “المشهد السياسي داخل العراق تغير في التعامل مع المملكة العربية السعودية، نتيجة لتغير سياسة المملكة في التعامل مع العراق، وإبدائها نية صادقة للتعاون، بعد أن انقطع سيل الإرهابيين الذين كانوا يقدمون إلى العراق من السعودية أو بمباركة شخصيات سعودية، تبعاً لذلك تغير الموقف العراقي، وأبدى الإطار التنسيقي مرونة في التعامل مع المملكة العربية السعودية”.

ويؤيد النائب عن دولة القانون “الطرح القائل بانعكاس تحسن العلاقات الإيرانية السعودية على العلاقات العراقية السعودية، فاستقرار المنطقة ودفء العلاقات بين بلدانها كفيل باستقرار وازدهار العراق، والعكس صحيح، فالحدود المشتركة بين العراق وكل من السعودية وايران كبيرة، فضلاً عن مشتركات دينية وقومية متجذرة، تبعاً لذلك فإن تقارب إيران والسعودية نتيجته حتمية على استقرار العراق واستقرار علاقاته بمحيطه الإقليمي”.

يشار إلى أن العمليات المشتركة، أعلنت سابقا أنها أكملت جميع إجراءات تأمين الطريق باتجاه المعبر الحدودي مع السعودية، مؤكدة أن الطريق من عرعر إلى منطقة النخيب، وثم إلى محافظتي الأنبار وكربلاء، مؤمَّن بشكل كامل وبنسبة 100 في المائة.

يشار إلى أن العراق، استضاف جولات سرية للحوار السعودي الإيراني على أرضه، منذ انطلاق أولى الجولات في 9 نيسان أبريل 2021، بحضور رئيس المخابرات السعودية خالد حميدان ونائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد عرفاني، وتبع هذا اللقاء في بغداد، توجه مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد إلى طهران، ضمن إطار مفاوضات إيرانية مع الإمارات، وذلك بحسب ما نقله مصدر عن وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف خلال لقائه زعماء القوى السياسية في بغداد.

إقرأ أيضا