الانتخابات بين تحديات الأحزاب الناشئة ومقاطعة التيار الصدري

تشهد الخارطة السياسية العراقية في السنوات الأخيرة ظهورًا ملحوظًا للأحزاب الناشئة التي تسعى لتشكيل بديلًا للنظام السياسي التقليدي الذي يعاني من الفساد والبيروقراطية وعدم الاستقرار تسعى هذه الأحزاب إلى تحقيق التغيير والإصلاح في العراق إلا أن تجارب الفشل الأخيرة التي مرت بها الحركات الراغبة بالتغيير تشُعر المدنيون بالأسى لمًا اتجهت أليه الأمور في تنشئة بديلًا صالحًا يجبر الضرر فيما تسببت به الحكومات المتعاقبة في العراق ويصلح النظام السلطوي الحالي القائم على أسس المحاصصة الطائفية التي هيمن بها العرف السياسي على قانون ودستور الدولة.

بعد انتهاء الحركة الاحتجاجية الأكبر في العراق التي طالبت بإصلاح النظام في عام 2019 وصفها العراقيون بـ”انتفاضة تشرين” فتحت هذه الانتفاضة أبوابًا واسعة إلى المشاركة السياسية للشباب ورسم المزاج العام حول خلق فكرة أنشاء قوى سياسية تكون بديلة للقوة الحاكمة تقتحم قصور النظام لتصلحهُ من الداخل آلا أن هذا الفضاء فتح المجال إلى العديد من الواجهات التي دخلت هذا الجو وهي تخلو من المشروعية وتعبر عن واجهة تارةً لمصالح شخصية لا تلبي تطلعات المنتمين للحراك التغييري في العراق وتارةً تمثل ظل لأيادي السلطة التي تسعى جاهدة في إجهاض مشروعية التغيير.

تسعى هذه الواجهات إلى تحقيق مكاسب شخصية دون النظر إلى المصلحة الوطنية وتعتمد على الشعارات والخطابات الشعبوية التي تركز بها على العواطف وتضليل الناس دون تقديم أي مشروع يحمل حلول واقعية للمشاكل التي يعاني منها العراق لتعطي انطباعا سيءٍ اتجاه فكرة “خلق قوى ناشئة لتكون بديلاً سياسيًا ناجحًا”.

وهذا ما سينعكس على انتخابات مجالس المحافظات التي تفصلنا عنها بضعة أيام والتي ستساهم في عودة الأحزاب التقليدية إلى الواجهة مجددًا بينما تنشغل الأحزاب الناشئة في الصراعات في ما بينها كثيرًا نتيجة توغل مشاريع الظَّل داخلها مما يجعل من المتوقع أن تحصل الأحزاب التقليدية على أغلبية المقاعد بينما ستحصل الأحزاب الناشئة على عدد محدود جدًا حيث تجري انتخابات مجالس المحافظات للمرة الأولى في غياب التيار الصدري الذي أعلن مقاطعته للانتخابات في وقت بدأت تتصاعد فيه وتيرة التنافس الانتخابي بين مختلف القوى السياسية اصدر الصدر بيانا خاطب فيه أنصاره، إن “مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيراً.. و مقاطعتهم للانتخابات أمر يفرحني ويغيظ العدا” وشدد الصدر على “وحدة الصف والطاعة والإخلاص” وهذا ثاني قرار مهم يتخذه الصدر بعد قراره عام 2022، بالانسحاب من البرلمان بعد تصدر قائمته المرتبة الأولى وإعلانه الانسحاب من العملية السياسية وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة، معللنا أسبابه كي لا يشترك مع «الساسة الفاسدين»، على حد وصفه وبينما توزع بدلاء نواب الصدر المستقيلين على مختلف قوى الإطار التنسيقي وهو ما رفع نسبتهم في البرلمان وجعلهم الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً التي تسلمت مهمة تشكيل الحكومة الحالية.

مقاطعة التيار الصدري لانتخابات مجالس المحافظة ساهمت بتوسيع حملة “المقاطعة” التي ضمت جهات أخرى خارج القاعدة الجماهيرية للتيار وهذه ما يزيد توقع فوز الإطار التنسيقي بأغلبية المقاعد مرة أخرى في معظم المحافظات وذلك بسبب غياب التيار الصدري وضعف القوى المدنية ووجود مقاطعة كبيرة للانتخابات مما ستؤدي النتائج إلى استمرار هيمنة الأحزاب التقليدية على العملية السياسية و زيادة التوترات السياسي وعدم الاستقرار والذي سيؤدي إلى تكرار مشهد الاحتجاجات في العراق مرة أخرى في مسببات متعددة تهدف إلى تكرار تجربة الانتخابات المبكرة لإحداث تمثيل ديمقراطي عادل.

في حين مازلت القوى الناشئة تعاني من عوامل عديدة تفقدها سبل النجاح نتيجةً لإسرافها الوقت في صراعات داخلية صفرية.

لم تعمل بعد هذه القوى على كسب قواعد شعبية صلبة داخل المجتمع من خلال ترسيخ برامجها ورؤيتها للدولة فما زالت تعتمد على بعض ردات الفعل الاجتماعية والحالة العامة الناقمة على السلطة الحالية مما يجعلها غير قادرة على المنافسة وتتملكها حالة عدم مأسسة المنظومة الحزبية داخل تنظيماتها نتيجة لافتقارها إلى الخبرة السياسية والتنظيمية الكافية مرورًا بحالات الغرور والتعالي المبالغ بها مما يجعلها غير قادرة على إعطاء انطباعاً واضحاً للجمهور حول قدرتها على إدارة شؤون الدولة بشكل فعال.

تحجمت هذه القوى في نمطية التفكير و التزمت في عدم الخروج من الصندوق والتفكير في طرق إبداعية لكسب مصادر تمويل مشروعه كرجال الأعمال والتجار من الشخوص الوطنيون يعالجون بها حالة الضعف في جانب التمويل الذي يشكل التحدي الأكبر لهم و ترك الاعتماد على المال السياسي الذي يشل جزء كبير من جسم العمل الحزبي في حرية رسم سياسته العامة.

ومع ذلك فإن هذه الحالات لا تعني أن بعض الأحزاب الناشئة لن تتمكن من تحقيق النجاح في المستقبل فمع استمرار العمل على بناء قاعدة شعبية قوية وتقديم حلول واقعية للمشاكل التي يعاني منها البلد يمكن للأحزاب الناشئة أن تصبح قوة سياسية فاعلة في العراق.

إن مشروعية نشأة قوةً وطنية تكون بديلًا صالحًا لإدارة البلد مازالت حديثة عهدها في العراق فطريق التغيير طويلة جدًا محملًا بالمتاعب والمخاطر من الممكن أن تحقق الأحزاب الناشئة في العراق نجاحًا في المستقبل لكن ذلك يتطلب صدقًا وجهدًا والتزامًا من قبل هذه الأحزاب وترك ردات الفعل الشخصية والاجتماعي والعمل على بناءً مشروع حقيقية يحمل رؤية وأهداف واستراتيجية واضحة نحو تحقيق التغيير المنشود.

أقرأ أيضا