جردة حساب.. أين ذهبت أموالنا؟ (8-10)

ملف وزارة الكهرباء (الجزء الأول)

هذا البحث جزء من كتاب أحاول إنجازه قبل نهاية هذا العام، ولأني أخشى أن لا أستطيع إكماله -كغيره من مشاريع الكتب السابقة- لأسباب مختلفة، ولأن ما وجدته من معلومات حول التخصيصات المالية لمختلف الوزارات والمحافظات والمؤسسات العراقية أثار ذهولي وإستغرابي وإستيائي من الطبقة السياسية التي أدارت البلد بعد 2005 ، آليت أن أشارك القراء الأفاضل ما اكتشفته، ليعلموا حجم الأموال التي أهدرت والتي لم يعرفوا مصيرها على مدى عقدين من الزمن.

ملف وزارة الكهرباء ملف معقد جداً لخضوعه إلى التسييس وإلى إعتماده ملفاً جاهزاً دائماً لابتزاز الدولة ، وأنا أميز هنا بين الدولة ككيان، وبين الحكومة التي هي الجهاز التنفيذي للنظام السياسي في الدولة، وموضوع “إبتزاز الدولة” متشعب جداً، ربما سأتناوله بتفصيل أكثر في مقال مستقل، وقد بدأ منذ الأيام الأولى بعد سقوط النظام السابق، حينما بدأت سلطة الإئتلاف بقيادة بريمر والحكومات العراقية التي أعقبتها بالإستجابة لأي إبتزاز من قبل بضعة مسلحين قادرين على قطع الشوارع وإرهاب الناس، وإدخالهم ك”أطراف سياسية” في ما بات يعرف ب”العملية السياسية” بدل إخضاعهم للقانون ما شجع مجموعات متطرفة أخرى على ممارسة ذات النهج مادامت النتيجة المتوقعة هي الدخول كشريك في “العملية السياسية”. موضوع  الكهرباء لا يختلف كثيراً عن ذلك، فما دامت المشكلة قائمة -مشكلة شحة الإنتاج- فإن ذلك مدعاة لإبتزاز الدولة بحجة الرغبة برفع معاناة المواطنين الناتجة عن إنقطاع الكهرباء عنهم وعن المؤسسات الأخرى التي تقدم الخدمة لهم مثل المستشفيات والمدارس والدوائر، ما يستدعي تخصيص المزيد من الأموال ل”معالجة المشكلة” لكن الأموال تنفق في مجالات أخرى بإستثناء معالجة أصل المشكلة المتمثل بزيادة إنتاج الكهرباء. وتعرض كل رؤساء الوزراء بمن فيهم رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني لتأثير بروباغاندا تصور المشكلة وكأنها مشكلة “توزيع ونقل” لتفادي حل أصل المشكلة المتمثل بالإنتاج، ما سينهي أحد أهم ذرائع إبتزاز الدولة، لصالح شلة من المنتفعين. سأتوقف هنا لأذهب إلى بعض التفاصيل عن الأموال والتخصيصات المالية والقوى العاملة لوزراة الكهرباء منذ 2005 ولغاية 2023 قبل الذهاب إلى التفاصيل الفنية لبعض العقود المهمة التي تعاقدت عليها الوزارة في السنوات السابقة. مجموع المبالغ التي رصدت لوزارة الكهرباء للمدة أعلاه تبلغ (122,882,159,899 الف دينار) (تقريبا مائة وثلاثة وعشرون ترليون الف دينار).

الجدول التالي يبين التخصيصات المالية والقوى العاملة لوزارة الكهرباء للسنوات من 2005 ولغاية 2023 نلاحظ فيه أن النفقات التشغيلية للوزارة للسنوات من 2005 ولغاية 2007 تتراوح بين 106 -112 مليار الف دينار والقوى العاملة في حدود 590 موظف، ويرتفع عدد القوى العاملة فجأة ليصل في عام 2008 الى  11,719 موظف لكن التخصيصات المالية التشغيلية التي من المفترض أنها ترتفع لتغطي رواتب الزيادة بعدد الموظفين تبقى على حالها دون تغييرما يشير إلى وجود خلل في الموازنة التشغيلية لتلك السنة. لكن الأغرب أن القوى العاملة ترتفع في سنة 2009 لتصل إلى  18,290 موظف، لكن الغريب أن تخصيصات النفقات التشغيلية ترتفع إلى  2,726,151,626 الف دينار، أي ما يعادل 25 ضعف موازنة أي سنة من السنوات الخمس التي سبقتها مع أن رواتب الموظفين على رغم عددهم غير المنطقي في تلك السنة يساوي  ( 277,589,232  الف دينار) (مئتان وسبعة وسبعون ملياروخمسمائة وتسعة وثمانون مليون ومئتان وأثنان وثلاثون الف دينار) أي أن الزيادة في تخصيصات تلك السنة في الموازنة التشغيلية رغم التضخم غير المبررلعدد الموظفين فيها تبلغ حوالي (2,5 ترليون الف دينار)، والأشد غرابة أن عدد القوى العاملة في قانون موازنة 2010 يتقلص فجأة ليصل إلى 648 بينما تزداد تخصيصات الموازنة التشغيلية عن السنة التي سبقتها لتصل إلى (2,806,892,157 الف دينار) رغم أن عدد القوى العاملة يساوي تقريباً 1/28 من عددهم في السنة التي سبقتها، أي أن تخصيصات النفقات التشغيلية التي من المفترض أنها تتناسب مع عدد القوى العاملة لتغطي رواتبهم توضع بطريقة ليس لها علاقة بالعدد الفعلي للقوى العاملة، ما يعني وجوب وجود فائض في التخصيصات المالية للنفقات التشغيلية لهذه السنة يزيد على السنة التي سبقتها.

ومن الجدول أدناه نلاحظ أن التخصيصات للنفقات التشغيلية للسنوات بين 2011 و2016 تزداد بوتيرة معقولة، رغم أنها أكثر كثيراً من الحاجة لتغطية رواتب الموظفين في تلك السنوات، لكن الأمر الغريب أن النفقات التشغيلية في سنة 2017 تزداد تقريباً الى الضعف بينما يقل عدد القوى العاملة تقريباً الى النصف! وتبدأ النفقات التشغيلية بالإرتفاع سنوياً بمقدار 1 الى 2 ترليون الف دينار لتصل في سنة 2023 إلى 11,610,210,213الف دينار (أحد عشر ترليون وستمائة وعشرة مليارات ومئتان وعشرة ملايين ومئتان وثلاثة عشر الف دينار) مقابل عدد قوى عاملة يساوي 5390 موظف، ولو كان معدل راتب الموظفين خمسة ملايين دينار-وهو إفتراض غير واقعي- فسيكون مجمل تخصيصات رواتب الموظفين لتلك السنة 26,950,000 الف دينار شهرياً أي 323,400,000 الف دينار سنوياً ما يعني وجود زيادة في تخصيصات الموازنة التشغيلية عن تغطية الرواتب تزيد على أحد عشر ترليون الف دينار لسنة 2023 وحدها. ولو إعتبرنا أن الحسابات أعلاه خاطئة، ولنركن إلى المنطق في المقارنة، فنقول إذا كانت تخصيصات السنوات من 2011 ولغاية سنة 2016 قد غطت كل بنود الصرف التي تتضمنها الموازنة التشغيلية على مدى تلك السنوات السبع فما الحاجة إلى زيادتها في السنوات التالية لتصل إلى ما يزيد على خمسة أضعافها؟

جدول يبين تخصيصات النفقات التشغيلية والإستثمارية والقوى العاملة لوزارة الكهرباء

أقرأ أيضا