رجال الدولة وفن إدارة الدولة

لا يوجد تعريف موحد للدولة، فقد تصدى عشرات المفكرين والأساتذة عبر التاريخ لوضع تصورات حول هذه الظاهرة، الدولة من وجهة نظرنا ضرورة إجتماعية تؤطر قانونيا وتمتلك صفة وشخصية معنوية تميزها عن الأفراد، تتمخض عنها أشكال من السلطة والسيادة محليا وخارجيا، الهدف من قيامها حفظ حقوق الأفراد وتحديد واجباتهم، وترسيم الحدود بعدالة بينهما، وكذلك حقوق وواجبات الحكومة التي يختارها الشعب بإرادته، لإدارة شؤونه والدفاع عن حقوقه وحرياته داخليا وخارجية.

قد تتخذ الدولة طبقا للمكان والزمان وحسب الظرف التاريخي والإجتماعي الذي إنبثقت عنه، عدة أشكال من أنظمة الحكم السياسية الديمقراطية أو الديكتاتورية، وللدولة عناصر أساسية لشرط قيامها، كالسكان والإقليم والسلطة والسيادة .

وهناك فرق بين (الدولة– السلطة)، وبين (الدولة– الأمة)، في النموذج الثاني تكون عناصر الدولة قد إلتئمت وإنصهرت فيما بينها ونجح الساسة فيها من تحقيق العدالة الإجتماعية وتوحيد هوية مشتركة وتحويل الأفراد إلى مواطنين، وإذابة فوارق وحواجز الثقافات الفرعية الدينية والقومية والقبلية لصالح الثقافة الوطنية .

من الجدير بالإشارة، إن وادي الرافدين قد عرف منذ آلاف السنين أقدم أشكال تنظيمات الدولة التي عرفها الإنسان في تاريخه القديم، ولعل التجسيد والدليل الحقيقي لوجود نظام الدولة في العراق القديم، هو دقة وشمولية ورقي منظومات القوانين والتشريعات التي تنظم حقوق وواجبات الأفراد والدولة من خلال المسلات وفي مقدمتها مسلة حمورابي الشهيرة .

في مدينة “أوروك” (في القرن الثامن عشر قبل الميلاد)، وجد إلى جانب العاهل، مجلسان، أحدهما مجلس الكبار والثاني مجلس العامة وهو من الشباب المحاربين، ومن خلال هذين المجلسين كانت تتخذ قرارات الحرب والسلام . كما إنه في الدولة الآشورية كان الملك أيضا مقيدا بمجالس التجار والعسكر ورجال الدين والمجالس العامة .

تعد السياسة بمثابة فن ووسيلة إدارة شؤون الدولة، لكننا عندما نفكر بمن يدير هذه الدولة ستتداخل لدينا مفاهيم متقاربة ما بين رجل السياسة الطاريء ورجل السلطة الموظف، وما بين رجل الدولة الذي يعد الحلقة الأخطر والأكثر بقاءً وديمومة في عملية بناء وإدارة وازدهار الدولة، فمن هو رجل الدولة (states man

قد يكون من السهل، أن يصبح شخصا ما سياسيا، ولكن ليس بنفس السهولة أن يصبح رجل دولة، رجل الدولة محصلة وإستحقاق لمجموعة عناصر وتفاعلات ينجم عنها طراز خاص جدا ونادر من القادة، الذين يمكن أن يطلق عليهم إعتباريا أو مجازا ” رجال دولة “، فهذا الوصف لا يمكن أن يحظى به شخص من خلال حيازته لمنصب ما، أو يمنح له من خلال مرسوم هو نوع من وسام استحقاق ذاتي.

أحيانا، هناك رجال دولة ذوي قدرات تحويلية هائلة، تمنع دون إنجازاتهم، ظروف وطبيعة الأغطية الثقيلة في الأنظمة السياسية والإدارية التي تحول دون ألمعيتهم وتفجير طاقاتهم الخلاقة، في حين تلعب الصدفة في إتاحة الفرصة لرجال دولة مغمورين من لعب أدوار عظيمة في ظل ظروف إستثنائية، ومما لاشك فيه إن إحتمالية بروز رجال الدولة في ظل الأنظمة الديكتاتورية أو الفاسدة تتقلص مقارنة بالأنظمة الديمقراطية والمفتوحة .

يمكن التقرب من تعريف “رجل الدولة “، بأنه الشخص الذي تتجسد في شخصيته ثنائية الفكرة والقدرة على تطبيقها، كما إن معيار رجل الدولة يتحدد في ضوء قدرته عند تسنمه المسؤولية على إحداث إنتقالة نوعية وفق رؤية خلاقة، من حال إلى حال، كأن ينهض في بناء دولة على أنقاض خراب وتردي وفوضى أو ينهض بأعباء مؤسسة فينتقل بها من براثن الفشل الى آفاق النجاح والإزدهار .

وهناك مقدمات ومقتربات لابد منها لظهور رجال دولة منها، عدم إمكانية وجود رجال دولة خارج مؤسسات الدولة نفسها، كما إن الشريحة المؤهلة لإمكانية ظهور مثل هذه النخبة النادرة (الرجال – القادة) هي شريحة الطبقة الوسطى، بسبب توافر عدة خصائص ومؤهلات مادية ومعنوية وفكرية، يمكن أن تشكل أرضية وتربة خصبة لنمو وإنطلاق مواهب وطفرات رجال الدولة .

كما أن من شروط بروز “رجال الدولة” عدا الكفاءة، قدرتهم على الإنجاز والمتابعة والارتقاء بالمنجز نوعا وكما، وكثيرا ما تبرز الحاجة لظهور رجال الدول في المنعطفات الحساسة والتاريخية والحرجة التي تمر بها الدول والمؤسسات، فيبرزون كقادة ومنقذين وملهمين لآخرين يعملون معهم.

من الجدير بالذكر، إن مصطلح “رجال الدولة” كمواصفات وقدرات ينطبق على السيدات، وما أكثرهن في تميزهن كنماذج في إدارة الدول لا سيما في التاريخ المعاصر.

أخيرا هناك جملة من الصفات التي يتحلى بها “رجال الدولة” تميزهم عن غيرهم من رجال السلطة أو رجال السياسة:

أولا – التدرج في المسؤوليات

 ثانيا – الخبرة والكفاءة المتراكمة

 ثالثا – إمتلاك رؤية تحويلية

 رابعا – القدرة على الإنجاز والمتابعة

 خامسا – الشجاعة في إتخاذ القرارات

 سادسا – النزاهة والإستقامة

 سابعا – العقلانية والواقعية

 ثامنا – الإستجابة للتحديات

مدير مركز دجلة للتخطيط الاستراتيجي

أقرأ أيضا