عن الانتخابات والقوانين واللامشكلة في كردستان!

بعد أكثر من شهر من الصمت والتخبط وضبابية المشهد، استسلمت رئاسة البرلمان الكردستاني والكتل الحاكمة في الاقليم الى واقع “حل البرلمان” بناء على قرار المحكمة الاتحادية بعدم شرعية تمديد عمره.

مرت أيام الفترة المذكورة، كغيرها من الأيام، وقلة من التفتوا لقرار الحل، وقلة من علموا بأن البرلمان استسلم أخيرا للحل. الأمر جرى دون اي اكتراث في الشارع الكردي، وكأن شيئا لم يحصل؟!

ذلك لم يكن أمرا صادما لمن يعرف الوقائع في كردستان.. فطوال عامين أو حتى عشرة اعوام، ماذا فعل البرلمان الكردستاني؟.. ماذا انجز وأين ساهم في تطوير حياة المواطن وتثبيت حقوقه؟ ماذا فعل لتعزيز وضع الاقليم في العراق والمحيط والعالم؟ وفي تنمية البناء الديمقراطي وتفعيل ادوات العمل السياسي، او حتى اطلاق حوارات داخلية في مواجهة الصراعات الحزبية؟

ماذا فعل طوال تلك السنوات في تصحيح الوضع غير الطبيعي للحكومة، المنقسمة فعليا الى ادارتين، ذات استقلال امني واقتصادي ومالي الى حد كبير؟

وماذا فعل في الملفات الاقتصادية المتعلقة بحياة الناس، كاعادة ولو جزء من استقطاعات رواتب الموظفين، أو انهاء وقف الترفيعات المستمر منذ سنوات بأوامر خارج الضوابط القانونية؟ أو في ايجاد آلية لتخفيف ثقل قروض المواطنين واجبة الدفع؟ او في ملف محاربة الفساد وتفعيل آليات المراقبة والمحاسبة؟.. كم وزيرا أو مسؤولا حاسب؟

في ذات السياق، طوال السنوات الماضية، هل شعرت مجموعة أو فرد في منعطف او موقف او حدث ما، بأن نائبا برلمانيا هنا او هناك اندفع لتمثيلهم بشكل حقيقي والدفاع عن مصالحهم في مواجهة مصالح الاحزاب أو الجهات المتنفذة او حتى الشركات الصاعدة.

يمكن الجزم أن أكثر من 90% من المواطنين الكرد، يرون ان البرلمان “لم يفعل اي شيء حيال كل تلك الملفات المهمة”. ويرون ان برلمانهم بات هيكلا شكليا بلا حول ولا قوة، هيكل يثقل ميزانية الاقليم فأعضاؤه وجيش موظفيه يتلقون رواتب كبيرة دون أي عمل حقيقي.

حين يعجز البرلمان عن اداء أدواره الطبيعية، فمن البديهي أن لا يشعر غالبية المواطنين بأن هناك برلمان حقيقي في اقليمهم – (الاقليم الذي بلا بنى ديمقراطية وقانونية لا يساوي شيئا في معادلة الوجود)- وبالتالي أن لا يشعر الغالبية بأن غيابه مؤثر على حياتهم ومستقبلهم.

لذلك ربما كان من الطبيعي ان يمر قرار المحكمة الاتحادية بلا اي احتجاج شعبي، ولا مظاهرة واحدة صغيرة رافضة للقرار في حواضر المدن الكردية الكبيرة اربيل او السليمانية أو دهوك، ولا صوت احتجاجي في تجمع ثقافي أو اكاديمي .. لا شيء.. لاشيء… وكأنه قبول بالامر الواقع واعتراف مسبق بأن كل ذلك الهيكل لا يعنيهم في شيء.

لو ان قرارا مماثلا صدر قبل 20 او 15 عاما ربما لأنتفضت المدن الكردية كلها في مسيرات ضخمة لنصرة ما تعتبره “صوتها، ورمز وجودها الشرعي وتمثيلها الحقيقي“.

ما ينطبق على البرلمان، ينطبق أيضا وبنحو ادق على مجالس المحافظات الكردستانية.

هل يشعر احد في الاقليم اليوم بوجود مجالس المحافظات. ربما الغالبية لا يعرفون ان هذه المجالس على الورق مازالت قائمة واعضاؤها يداومون ويتلقون رواتبهم بانتظام. تلك المجالس التي لا وجود فعلي لها منذ سنوات طويلة؟

طوال 20 عاما، متى شعر المواطن بان تلك المجالس تمثله وهي قائمة لحل مشاكله ويمكنه اللجوء اليها لتحسين حياته وتطوير مدينته وقريته وقطاع عمله، بافتراض واقعية دورها المرسوم ذاك؟

كم شخصا في الاقليم يعرف ان كيان كردستان الدستوري شبه المستقل طوال 30 عاما من عمره، نظم خمس عمليات انتخابية برلمانية فقط؟ وانه نضم عمليتين انتخابيتين لمجالس المحافظات؟!

هكذا ببساطة تم تفريغ المؤسسات من دورها الحقيقي لصالح هياكل سياسية حزبية تستحكم بكل صغيرة وكبيرة وهي صاحبة القرار الاول والاخيرة وفق القانون او دونه!

ذلك الواقع هو سبب رئيسي دفع الناخبين الكرد في آخر عملية انتخابية عراقية للعزوف عن الصناديق، تلك التي كانوا يتسابقون اليها محطمين ارقاما قياسية للمشاركة قبل عقدين.

وسط الواقع المر للمؤسسات التي يفترض بانها تمثل صوت المواطن الكردي وهي”عماد وجود الاقليم ومبعث قوته ودستوريته وأحقية حقوقه”، ووسط حكايات الفشل والعجز في الاروقة الادارية والحزبية والسياسية، من الطبيعي ان تدور أسئلة المواطن الكردي، اليوم حول: متى سيدفع راتب الشهر الحالي او الماضي؟ ومتى سيعود العمل بنظام الترفيعات المتوقفة خارج سياق القانون؟ ومتى سترجع التعيينات؟.. ومتى ستصل اموال الموازنة من بغداد؟ بل وبالنسبة للبعض متى ستصل الحصة التموينية؟

طبعا الأمور ماشية “عال العال”، والحياة طبيعية، بنظر من ينظرون خارج مفاعيل الأثر وما بعد الأثر، ومن لا يكترثون بنوازل السياسة ووقائع الجغرافيا ودروس التاريخ.

أقرأ أيضا