هل نحن بحاجة إلى برلمان؟

بعد استكمال التصويت على كابينة الحكومة المؤقتة، هل بقي من مسوغ لاستمرار مجلس النواب، ألم يعد مجلس النواب في المرحلة الحالية الانتقالية مجرد إشكالية وحلقة زائدة انتفت الحاجة الموضوعية إليها ولم يعد سوى هيكلا شكليا لا فائدة منه لمصلحة الشعب العراقي، أليس هذا المجلس نتاج المحاصصة التي ثار عليها العراقيون، فما هي مبررات بقائه, يا ترى هل من المتوقع لمجلس النواب الحالي أن يصوت لقانون إنتخابات نزيه أو هيئة مشرفة مستقلة، أو القيام بإصدار أية تشريعات بالضد من مصالح أحزابه وإقطاعياتها ليطيح بمكاسب وإمتيازات الثروة والسلطة والسلاح التي حققتها وقد فاقت الخيال منذ عام 2003؟

يا ترى، ما الذي سيخسره الشعب العراقي أو سيربحه، فيما لو “تبخر” البرلمان لهذه السنة فقط، حتما سيزول عبء ثقيل عن كاهل رئيس الوزراء يعوق من سرعة حركته (فيما لو كان جادا) باتجاه تحقيق مطالب الحراك الشعبي، فمن المتوقع في حال غياب البرلمان أن تتقلص المزايدات والابتزازات، والأهم من ذلك كله سيتحرر من مماحكات ومساومات ونزق إقطاعيات رؤساء الكتل السياسية.

ماذا لو وفرنا ما لا يقل عن 200 مليار دينار في هذه السنة، عن قيمة موازنة البرلمان الذي يمثل التجسيد العملي لقمة الفساد والمحاصصة والبطالة المقنعة غير المنتجة حاليا في العراق، هذا البرلمان الذي لم يخدم العراقيين طيلة فترات دوراته، وإقتصرت وظيفة أعضائه بخدمة أحزابهم وأشخاصهم، ماذا لو تم توجيه أبواب صرف هذه الأموال الطائلة في هذه السنة إلى قطاعي المنظومة الصحية ومعدومي الدخل وإعمار المدارس المتهاوية وإعادة بناء الجانب الأيمن من الموصل.

عشرات القوانين في رفوف هذا البرلمان، تمس مصلحة الشعب وإستقرار الدولة، معطلة منذ سنين طويلة بسبب المحاصصة والمساومات والصفقات بين ممثلي وسماسرة “المكونات”.

إذا احتاجت الحكومة الى خبرات وإستشارات، فإن عقول الأساتذة والمتخصصين في أروقة الجامعات والنقابات تتجاوز في نزاهتها وكفائتها عقول لجان البرلمان شبه الأمية وغير التخصصية التي جاءت بها المحاصصة ومافيات الفساد والتزوير.

ربما هناك أيضا من سيتذرع بأن البرلمان سلطة رقابية، ” السلطة الرابعة ” والرقابة الشعبية كفيلة بأن تلعب مثل هذا الدور خلال هذه السنة، علما إننا لم نشهد يوما إقالة أو محاسبة وزير أو فاسد، طيلة الدورات السابقة والحالية.

قد يجادل البعض في عدم جواز ذلك “دستوريا”، نذكر بالمادة ٥ من الدستور بأن (الشعب مصدر السلطات وشرعيتها)، والشعب العراقي قال كلمته بما لا يقبل الشك يوم 25 تشرين الأول 2019 ولايزال يغلي بحثا عن وطن مسروق منه، وفي ” الديمقراطية شبه المباشرة” المعمول بها في كثير من الدول الراقية، يحق للناخبين في حال فشل النواب وعدم قيامهم بواجباتهم، أن يقوم الشعب بإقالتهم، لأن الشعوب الحية لا تنتظر الفاشلين أربعة سنوات، فهي فترة طويلة في عمر هذه الشعوب، والمادة ٦٤ من الدستور العراقي قابلة للتنفيذ تحت ضغط الحراك الشعبي.

أخيرا، يحق للشعب العراقي ووفاءا لدماء الشهداء، في حال تغيرت قواعد اللعبة الإنتخابية وتم تفكيك نظام المحاصصة من خلالها، وتوافرت هيئة مشرفة نزيهة وبإشراف أممي، أن يتم حل هذا البرلمان غير مأسوف عليه، وأن يحلم بحصول إنتقالة نوعية في طبيعة ودماء البرلمان القادم، قد لا تمثل هذه الانتقالة “جمهورية أفلاطون”، لكنها حتما ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح.

أقرأ أيضا