العزلة التركية

الكثير من الدول تحلم وتعمل على تحقيق حلمها، او تضع خطوات للوصول الى ما تطمح اليه، إلا حلم تركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي، فقد تحول الى كابوس بابتعادها عن دول الاتحاد والشرق الأوسط.

 

بدأ حلم الانضمام للاتحاد الدولي بطلب رسمي من انقرة في (14 نيسان عام 1987)، وتحول الطلب الى جدلٍ كبير خلال عملية توسيع الاتحاد، وبدأت مفاوضات الانضمام، ولكنها تعثرت، مع وجود معارضة قوية من دول الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا واليونان، واليونان خاصة إذ تحمل لتركيا خلافاً تاريخياً يعود الى الحرب العالمية الأولى وأيضاً بما يتعلق بقبرص.

 

تركيا التي تعتقد أن حكومتها عملت الكثير من الاصلاحات لغرض الانضمام، حتى أصبحت الأكثر إصلاحا في أوروبا، باتت مدركة ان أوروبا تبتعد عنها يوماً بعد يوم، بعد أكثر من ثمان سنوات من التفاوض.

 

ولم يقتصر الابتعاد التركي عن القارة الأوربية، وإنما عن دول الشرق الأوسط أيضاً، فقد ابتدأ من مصر صاحبة المكانة والتاريخ والقوة في المنطقة، رغم وضعها الحالي، بعدما دعمت أنقرة “الإخوان المسلمين” وعبرت عن ادانتها للاطاحة بالرئيس المخلوع محمد مرسي، ووصفها لرئيس مصر الحالي عبد الفتاح السيسي بـ”الطاغية”، ما أدى لتوتر العلاقة بين الدولتين، كما توترت مع إسرائيل، لأسباب أخرى.

 

ولا ننسى خصومتها مع حليفتها الولايات المتحدة الأميركية، بخصوص الأزمة السورية، ودعم معارضي نظام بشار الأسد وفق المنظور التركي، وهذه الأزمة سببت الكثير من التقاطعات مع دول الخليج العربي والعراق وإيران، ما جعل دول الشرق الأوسط لا تطرق باب تركيا، حسب ما قاله الأمين العام السابق لمنظمة المؤتمر الإسلامي والمرشح في الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة أكمل الدين إحسان أوغلو.

 

الكتل السياسية في العراق جعلت من أنقرة مكاناً لحجيجها فيما سبق، غير أنها، اليوم، ابتعدت عن العاصمة التركية وقللت من الحجيج، سواء القيادات السنية التي كانت تذهب بشكل دائم لتركيا وتعقد مؤتمرات فيها بالخفاء او العلن، الا ان ذلك الذهاب جعل بعضها تذهب دون عودة وأصبحت خارج العملية السياسية العراقية، أم القوى الشيعية التي تبين أنها أبقت علاقاتها قوية مع تركيا، والتي يرى بعض المراقبون أن تلك العلاقات ستؤدي لزعزعة الوضع في البيت الشيعي السياسي والشعبي، ما سيضعف رصيدها الجماهيري، لوجود تحفظات ورفض لأكثرية أنصار هذا البيت للسياسية التركية، سواء فيما يتعلق بالأزمة السورية او الموقف التركي في محاربة عصابات “داعش” الإرهابية.

 

المعارك ضد “داعش” غيرت الكثير من مواقف أصدقاء الجمهورية التركية، ومنهم في كردستان العراق، خاصة بعد معركة مدينة “كوباني” السورية التي استمرت أكثر من ثلاثة أشهر من دون أن تشهد تقديم أي دعم تركي للمقاتلين الكرد، في اثناء محاصرتهم من قبل العصابات الإرهابية، وخلفهم الحاجز الحدودي التركي يمنع وصول أي مقاتلين إليهم من أبناء جلدتهم.

 

السياسة التركية تعتبر عزلتها على الساحة العالمية “غيرة” من بعض الدول على وضعها الحالي، لصراحة مواقفها في القضايا المهمة، سواء من اصلاحاتها الداخلية او علاقاتها الخارجية، ولعل هذا  “الحسد” الدولي لأنقرة، سيدفع بتركيا لتكون منعزلة عن العالم او عالما لوحدها، او ربما ستنجح باقناع الدول بمواقفها لاعادة العلاقات لسابقها.

 

علي ناجي: صحفي وكاتب متخصص بالشأن الكردي التركي، anaji13@yahoo.com

 

أقرأ أيضا