تحرير جرف الصخر.. و(الأكذوبة) الأميركية

لم يتأخر رّد القوات الأمنية كثيرا على ادعاءات الماكينات الأمريكية، الإعلامية منها وحتى السياسية، التي لم تنفك عن بث الأخبار المغلوطة للتقليل من عزيمة القوات العراقية المسلحة، بينما كانت في نفس الوقت تُضخم قوة (داعش) التي اتضحت أخيرا أنها وهمية.  

إذ كانت العملية النوعية التي شنتها وحدات الجيش والشرطة، إضافة إلى أفواج الحشد الشعبي، وتمكنت فيها من تحرير منطقة جرف الصخر من دنس “الدواعش” ومعاونيهم المحليين؛ خير برهان على “التخرصات” الأمريكية التي حاول فيها جنرالات “العم سام” وآخرون غيرهم، تثبيط معنويات القوات الأمنية وإثارة الهلع في نفوس عراقيي الداخل والخارج. 

الأمريكان روجوا عبّر تصريحات مسؤوليهم وقنواتهم الإعلامية وشبكات التلفزة العربية المرتبطة بأجنداتهم، على مدار أسبوعين ماضيين ما يرقى لمصاف “الشائعات الكاذبة” التي سعوا فيها جاهدين للضغط على الحكومة وابتزازها في أمور شتى، في مقدمتها مسألة استماتتهم وحلفائهم الإقليميين لإرسال قوات برية أجنبية إلى العراق. وهو ما رفضته رفضا قاطعا بغداد والمرجعية الدينية في النجف الاشرف، وحتى القواعد الشعبية التي باتت تؤازر الحكومة بقوة في هذا الجانب.

لكن المساعي الأمريكية “غير البريئة” في هذا الإطار، لم تنفع حتى الآن في ارضاخ بغداد لما تشتهيه واشنطن وشركائها في “التحالف الدولي” لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتحديدا عندما احتلت الولايات المتحدة ومن معها العراق عام 2003، وإن كانت أسباب ذلك الاحتلال تختلف عن مبررات التدخل الجديد الذي تتوق إليه.   النصر الأمني المؤزر الذي حُقق يوم الجمعة المنصرم واكتملت فصوله يوم السبت على يد الأجهزة الأمنية ومتطوعي الحشد الشعبي، أثبت فشل تقولات المسؤولين الأمريكيين وما تبثه الآلة الإعلامية الإقليمية (الخليجية تحديدا) وتلك الأجنبية الناطقة بالعربية وبعض المحطات العراقية (تبث من الخارج)، والتي يمكن وضعها جميعا في خانة الإعلام الموجه و”المعادي” لنظام الحكم في عراق ما بعد 2003.  

ورغم ما تحقق من انجاز أمني كبير خلال اليومين الماضيين، في ناحية “جرف الصخر” وغيرها من المناطق الساخنة، فإن الإعلام الأجنبي بمعظمه قلل من حجم الانتصارات العراقية بصورة “خبيثة” ولم يأت على ذكرها إلا نادرا. لا بل راح يُنظر لسيناريوهات ليس لها وجود إلا في مخيلة كُتابها الذين يحملون أجندات يشتغلون وفقها كـ”مرتزقة” إعلام وليس أصحاب قلم حر تُحتم عليهم الأخلاق المهنية ومبادئ الصحافة، الأخذ بالرأي والرأي الآخر، كما يفعلون هم أنفسهم في ملفات أخرى غير الملف العراقي.  

الرّد العراقي البليغ المتمثل بالانجاز الأمني، يبدو أنه كان صادما وغير متوقع من قبل الأمريكان وشركائهم، ما دعاهم إلى التزام الصمت منذ تحرير جرف الصخر. إذ لم يتفوهوا ببنت كلمة، للإشادة بما حققته القوات النظامية لـ”حليفهم العراق”، مثلما يصفونه هم في لقاءاتهم واتصالاتهم مع نظرائهم العراقيين.  

ويأتي هذا “الصمت المريب” في وقت توجه انتقادات لاذعة وحملة تشكيك في نوايا الحلف الدولي العسكري الذي تقوده واشنطن، لاسيما وأن طائرات التحالف المذّكور، لم توجه أي ضربة نوعية منذ بداية القصف الجوي داخل الأراضي العراقية في 8 آب الماضي. كما أنها ترتكب أخطاء من خلال رميها شحنات عسكرية واغاثية لـ”داعش” في العراق وسورية، فضلا عن الأحاديث المتواترة عن قصفها لقطعات عسكرية عراقية وتجمعات سكانية.  

الأمر الآخر الذي يضع أمريكا في خانة “العدو” وليس الصديق، هو إطلاقها لما وصف محليا بـ”الأكاذيب” عندما زعم الجنرال مارتن ديمبسي رئيس أركان الجيش الأميركي أن (داعش) “كاد يصل إلى مطار بغداد الدولي، لولا تدخل طائرات الأباتشي”. وهو ما نفاه القائد العام للقوات المسلحة رئيس الحكومة حيدر العبادي وفنده مسؤولون أمنيون وحكوميون معنيون بقطاع الطيران.  

ويُعتقد في الأوساط المحلية، أن الهجمة الإعلامية الشرسة التي يتعرض العراق لها ولا يزال من أطراف ودول إقليمية وغرب-أطلسية معروفة، سترتد حتما على أصحابها في حال تكاتفَ العراقيون جميعا وأصبحوا بقلب رجل واحد، وتحديدا القوى السياسية التي لا تنظر في الكثير من الحالات إلى أبعد من أفق مصالحها الحزبية والفئوية الضيقة.  

لذا فالمطلوب في هذه المرحلة الحرجة هو إسناد القوات الأمنية بمختلف صنوفها لدفعها نحو تحقيق مزيد من الانتصارات المأمولة، رغم المحاولات “المشبوهة” التي يُراد منها على ما يبدو التقليل من قدرة القوات العراقية (جيش، شرطة، حشد شعبي) وإحباط عزيمتها ومعنويات الجماهير.  

وإذا ما تحقق هذا التكاتف بين القوى العراقية (سياسية ومجتمعية)، الذي سيضمن حتما رفع وتيرة الإسناد والدعم بكافة أشكاله للقطعات العسكرية، يمكن حينئذ أن يتحول معول الضغط المستخدم من قبل “العمة” أمريكا ضد العراق، عكسيا باتجاه واشنطن وحلفائها وهو ما سيؤدي قطعا إلى فشل المخططات المرسومة لبلاد الرافدين والمنطقة عموما.  

* حيدر نجم: صحفي مهتم بتغطية الشؤون العامة في العراق والسياسية تحديدا. عمل مراسلا، سابقا، لموقع “نقاش” التابع لمؤسسة (Mict) الألمانية، وعدد من الصحف العربية بينها جريدتا “الشرق الأوسط” السعودية، و”الراي” الكويتية. والآن يكتب تحليلات وقصص صحفية بشكل مستقل  

أقرأ أيضا