ديكتاتور مدني بقبعة عسكرية

تعود المواطن، على بيانات ومؤتمرات وزارة الدفاع بتحرير مناطق كانت تخضع لسيطرة تنظيم “داعش” الارهابي، او الدعوة لفتح باب المتطوع في صفوف الجيش، لكن الوزارة في مؤتمرها الاخير الذي ارعبت الكثير من المواطنين خاصة الشباب منهم، باعلانها تحقيق منجزها وهو الانتهاء من مقترح قانون الخدمة الالزامية الذين يشمل البالغين من 19 عام لغاية 45.

 

ماذا تريد الدفاع من منجزها التاريخي؟!، اذا كانت تريد ان تكون الوزارة الاكثر عدد للجنود بمنطقة الشرق الاوسط، فانها لا تكون الاقوى بل الاضعف، لان الماكنة العسكرية اليوم ليس بالعدد والكثرة كما في رقعة الشطرنج، وانما بالتطور التكنولوجي والحداثة التقنية والمعلوماتية. واذا كانت تريد ان تدخل ضمن الوزارات المستثمرة، من خلال دفع “البدل” بدلاً عن الخدمة العسكرية، فان العراقيين يعيشون التقشف ولا يدفعون لدولة تفتقر اعطاء ابسط الحقوق لشعبها وهي توفير الماء الصالح للشرب.

 

لكن يبدو، الدفاع تبحث عن تاريخ يسجل لها وفق رؤية يكثر قولها من بعض السياسيين، ويكون غلاف كتب تواريخ ايجابيات العراق بعد 2003، بخمد الطائفية واحياء التعايش السلمي بين مكونات الشعب؛ عن طريق التجنيد الالزامي. لاتعلم الوزارة العظيمة بان عراقنا الجديد مبني على اساس المحاصصة الطائفية من رئيسناً جمهوريتنا الى اصغر موظف بالدولة. الافضل للوزارة التي اقترحت هذا القانون التي تعتمد الدول ذات “التقدم الورائي”، ان تبحث عن طلاسم الفساد في العقود التي ابرمتها، وعن جنودها الفضائيين الذين يعطون نصف رواتبهم ولا يلتحقون للدوام، او ترفع الحيف عن جرحها وعوائل شهداؤها من خلال الاسراع بانجاز معاملاتهم بدوائر الدولة. مقترح التجنيد الالزامي، في حال تحوله لمشروع قانون بعد التصويت عليه داخل مجلس الوزراء، وارساله لمجلس النواب، سيسير بسكة قطار الاتفاقات السياسية حاله حال القوانين التي ماتزال متفرقة بمحطات القطار مابين المجلس او الحكومة او مجلس شورى الدولة او على رفوف اللجان النيابية، وسيكون محل جدل بين الكتل السياسية (الشيعية، الكردية، السنية).

 

وهذا الجدل السياسي، الذي يكون اكثره يتضمن رفضا واعتراضا على الخدمة الالزامية، لا يتعلق فقط بان الوضع لا يتحمل عسكرة المجتمع لما موجود من قوات الجيش العراقي ومديريات وزارة الداخلية والاجهزة الاخرى مثل جهاز مكافحة الارهاب وجهاز المخابرات ومستشارية الامن الوطني، فضلا عن بيشمركة الكردية وابناء العشائر والصحة بالمناطق السنية. وانما على خشية الاحزاب السياسية من عودة الدكتاتورية للبلاد مرة اخرى عن طريق التجنيد الالزامي من خلال رفع امتيازات ضباط الجيش ومنتسبيه واعطاء المؤسسة العسكرية صلاحيات اوسع مماهي تمتلك حاليا، وكلما اتسعت المؤسسة العسكرية زادت قوة ونفوذ الحاكم، ويكون اولى تداعيات العودة تصفية الخصوم السياسية للحزب الحاكم او للديكتاتور المدني الذي يلبس قبعة عسكرية الممثلة بقاعدة عسكرية انتخابية تضع بالصدارة في كل الانتخابات تجريها البلاد. وليس من المستبعد ان يجري تعديل للدستور العراقي وتحويل النظام من نيابي الى رئاسي، اذا بقى دستور معمول بزمانه ولم ياخذنا للوصايا العسكرية بحجة محاربة المخربين للدولة ومهددين لمؤسساتها وممتلكاتها العامة.

 

وكل هذا سيكون بفضل منجز لوزارة عسكرية عملها الدفاع عن الوطن الذي ربع اراضيه حاليا محتلة من قبل تنظيم “داعش” الارهابي، والمناطق الاخرى تحت سيطرة الحكومة مواطنيها يملكون سلاح اكثر مما تمتلكه الدفاع نفسها من حيث العدد.

 

أقرأ أيضا