ماذا يريد كابوس تركيا؟

لم تقل الدبلوماسية الأميركية اعتباطا إن رئيس جهاز الاستخبارات التركية حقان فيدان “هاكان فيدان باللغة التركية”، الرجل الثالث بمنطقة الشرق الأوسط بعد الجنرال الإيراني قاسم سليماني، والعراب السعودي بندر بن سلطان.

 

فيدان شغل منصب رئيس الاستخبارات الموازي لجهاز المخابرات بالدول الأخرى يوم 27 أيار 2010، وكان يبلغ من العمر 42 عاماً، أي أنه أصبح أصغر شخص يتولى هذا المنصب، وقد أزعج ذلك الكثيرين، حتى أطلقت عليه بعض الصحف “الكابوس التركي الجديد لتل أبيب”، بعدما تسرب تسجيل صوتي لعدد من جنرالاتها وهم يناقشون تبعات تعيين فيدان على رأس جهاز الاستخبارات، وهم يقولون إن رئيس الاستخبارات السابق كان صديقا لإسرائيل، وإن الاستخبارات الإسرائيلية أودعت بعض الأسرار لدى الاستخبارات التركية لأنها كانت تثق به، أما الآن فـ”الموساد” بات يخشى من أن يقوم هاكان فيدان بتسريب هذه المعلومات للإيرانيين، إلا أن الخشية تحققت بإعطاء معلومات سرية للاستخبارات الإيرانية حول شبكة تجسس إسرائيلية تعمل داخل إيران؛ حسب ما أفادت به عام 2012 صحيفة “وول ستريت” الأميركية، ما أدى إلى قيام الإيرانيين بتصفية هذه الشبكة بالكامل موجهة بذلك ضربة قوية للعمل الاستخباراتي الإسرائيلي في إيران، ما جعل الكثير من الأحزاب السياسية التركية، وخاصة خصومه، يضع علامات استفهام حول علاقة فيدان غير الاعتيادية مع إيران، ولعبه دور المهندس لتعميق العلاقات “التركية – الإيرانية”، إلا أن رجب طيب أردوغان الرئيس التركي يعتبره كاتم أسراره وأسرار تركيا ومستقبلها، خاصة بعدما أدار جولة التفاوضات للحكومة التركية التي أجريت مع حزب العمال الكردستاني في أوسلو، لتحقيق عملية السلام وإنهاء الصراع المسلح بين الدولة التركية والحزب الكردي، غير أن مسؤولين كبارا في تركيا من خصوم أردوغان، كشفوا عن هذه المفاوضات للعلن، وفتحوا تحقيقات بحق فيدان ووجهوا له تهما بالتفاوض مع أعداء الوطن لاعتبار العمال الكردستاني حزباً محظوراً بتركيا، وتم استدعاؤه كمشتبهٍ به وليس شاهداً، إلا أنه خرج منها بسهولة، من خلال تدخل الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية وسنها لقانون يمنع محاكمة رئيس جهاز الاستخبارات إلا بإذن من رئاسة الوزراء.

 

المتابع للأوضاع التركية يجد أن فيدان أكثر المقربين لأردوغان، وربما يأتي بمرتبة الرجل الثاني في الجمهورية التركية بعده، بسبب حساسية منصبه الذي جعله يتدخل بكل الخطوات التركية مؤخراً، ومنها قضايا الربيع العربي والملف السوري، حتى وصل الأمر به لمحاربة خصوم أردوغان في الداخل، وعلى رأسهم الداعية الإسلامي التركي فتح الله غولن زعيم حركة “الخدمة” أو “الكيان الموازي” كما تصفه الحكومة التركية، وهذا العداء ليس سببه أن رئيس جهاز الاستخبارات قريب من أردوغان فقط، وإنما لوقوفه سداً منيعاً أمام الخصوم من الدخول للجهاز.

 

أما اليوم، فقد كسر فيدان الصورة الواضحة عنه بتقديمه استقالة من رئاسة جهاز الاستخبارات، لدخوله الانتخابات النيابية التركية التي ستجرى في حزيران المقبل، ورغم اعتراض الكثير على هذا القرار ومنهم أردوغان، فإنه يعتقد أنه نافع في أي مكان يشغله.

 

وقد أثارت استقالته تساؤلات عديدة أبرزها ماذا يريد فيدان من الانتخابات؟ فأن يصبح نائباً ليس مصيرا ذا أهمية بالمعادلة التركية، وفقاً لمنصبه السابق. هل للحصول على حصانة نيابية لإداركه أن الخارطة السياسية في البرلمان التركي ستغيير ومن الممكن تشريع قانون يمكِّن خصومه من محاسبته عن الملفات المثارة ضده؟ أم ليتصقر أكثر أمام الجميع خصوصاً على مقربيه للحصول على منصب تنفيذي حكومي يلمع صورته في المرحلة المقبلة؟

 

علي ناجي: صحفي وكاتب متخصص بالشأن الكردي التركي، لديه كتاب تحت الطبع بعنوان “بنادق للسلام” عن عملية السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، anaji13@yahoo.com
 

أقرأ أيضا