ما هكذا تورد الابل!! (2)

كتبنا في العمود السابق، في ما هكذا تورد الابل، عن الاصلاحات التي قررها رئيس مجلس الوزراء، وعن دور بعض الوزراء السلبي تجاه هذه الاصلاحات، وكأن كل وزارة في العراق مستقلة عن مجلس الوزراء. وقلنا ان وزير الصناعة بدلا من ان يقوم بتنشيط دور الصناعة في رفد الاقتصاد القومي العراقي؛ قلص حجم المؤسسات والمعامل الى النصف تقريبا، وان السيد الوزير الذي هو في ريعان الشباب ولم يكتسب الخبرة الكافية يريد ان يبني مشاريع صناعية بالآجل ليزيد من ديون العراق التي بلغت حسب معلومات مستفادة من اللجنة المالية البرلمانية حتى الآن خمسة وأربعين مليار دولار!!

 

وعن آخر ما قاله وزير الصناعة (عدم قدرة الدولة على النهوض بالصناعة من دون القطاع الخاص) العجيب الغريب ان وزارة الصناعة لم تبدأ بتأهيل معمل بسيط في ظل الميزانيات السنوية الضخمة، ولم تضع حتى خطة عمل سنوية لإنجاز التأهيل، فكيف عرف السيد الوزير ان الدولة عاجزة عن النهوض بالصناعة، وهو لم يباشر ولم يخطُ خطوة واحدة في هذا المجال.

 

والعجيب الغريب ان الامانة العامة لمجلس الوزراء اكدت خطوة تحويل الصناعات الحكومية الى القطاع الخاص. ومن هنا أود ان اسأل الامانة العامة لمجلس الوزراء هل ان المجلس أحصى وحصر المؤسسات والمعامل الحكومية بحيث تمت معرفة ماهية هذه الصناعات ومعرفة ماهية وحجم عملية التأهيل وحجم التخريبات فيها ومعرفة موادها الأولية واهميتها الاقتصادية وعدد الكادر البشري الذي كان يدير هذه المعامل من مهندسين وخبراء وفنيين تكنولوجيين واداريين وغير اداريين؟ وما مصير الآلاف منهم ومن ورائهم عوائلهم؟ هذا من ناحية.

 

أما الناحية الثانية، أي عملية الخصخصة، فأيضا أريد ان اسأل، بشأنها، السيد وزير الصناعة وأمانة مجلس الوزراء هل الخصخصة هي مسواك بيت بساعة واحدة نقرره ونطبقه؟ ام هي علم يدخل في مجالي الاقتصاد والقانون، والاقتصاد هو الغالب في الموضوع، لعلاقته بعملية الاصلاحات وزيادة النمو الاقتصادي في البلد، وهي عملية لها اسباب وموجبات، ومن أهم هذه الاسباب (كما يقول الدكتور صباح عبد الكاظم الساعدي/ في بحثه في القانون والسياسة/ 2005) هو تراجع الأداء الاداري والاقتصادي وضعف في الرقابة الحكومية وانتشار المحسوبية وعزوف المتخصصين عـن العمل. فهل نهجكم هذا هو اعتراف بتقصير الحكومة في تلك الجوانب؟ واذا كان هناك تقصير من اي جهة كانت فلماذا لم يحاسب المقصر؟ ويكبل بمبالغ تلك الأضرار على الأقل وصولا للردع العام كي نمنع استمرار هدر المال العام وتخريب الاقتصاد الذي أوصلنا الى ميزانية خاوية وسيولة نقدية شحيحة بحيث قامت الحكومة بخصم رواتب الموظفين التي، معظمها بالأصل، لا يفي غير بدلات الإيجار!!

 

العجيب الغريب عدم قيام الحكومة بأي خطوة فاعلة في عملية ايجاد موارد مالية أخرى لسد ميزانية 2016 من غير قطع رواتب الموظفين. وكان الأفضل ان تفرض الضرائب على التجار والذين اصبحت أموالهم وعقاراتهم تبلغ مئات الملايين بعد تحديد المداخيل الواطئة لإبعادها عن تلك الضرائب.

 

معظم المسؤولين في العراق هم من الذين اغتربوا في عواصم الدنيا الكبيرة وهم يعلمون جيدا ان الذي بنى لندن وباريس وواشنطن واثينا وغيرها من احدث مدن العالم بأحدث الخدمات هي الأموال المتأتية من الضرائب والكمارك والرسوم. واذا قلتم بانها اموال حرام فان المبادئ الاسلامية تؤخذ حسب قاعدة العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني. والحديث الشريف (انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى). وعليه فان فرض الضرائب على اصحاب الموارد الطائلة والتجار لا ضير منه ما دامت النية بناء البنى التحتية والخدمات للناس كي يعيشوا عيشة انسانية خالية من الامراض وحياة طيبة يرضاها الرب وعبده.

 

من ناحية اخرى اذا كنتم تتحاشون فرض الضرائب لأنها حرام كما تقول فتاوى بعض رجال الدين فمن الذي أعطاكم حق أخذ أموال الأوقاف من غير الوقف الذري ومبالغ الخمس المحدد مستفيدوها بالكتاب الحكيم، مع العلم ان غير ذلك كان يعتبر في كافة العهود الاسلامية من أموال بيت مال المسلمين وتصرف لأمور الدولة والناس ومنهم السائل والمحروم واليتيم وابن السبيل والأرامل والمعوقون وحتى من فقدوا العقل. ومن هذه المبالغ الطائلة التي يضعها الناس كبركات ونذور في أضرحة الأئمة والصالحين من ذهب وفضة وأحجار كريمة وعملات صعبة اجنبية وعملات عراقية وحتى هدايا الوفود الأجنبية، وخاصة التي تأتي من قادة الدول الاسلامية والعربية، ومنها الدول الخليجية، والتي كانت في العهد السابق غير قليلة مع قلة الزوار، فكيف الآن حيث زاد عدد الزوار من عشرات الألوف إلى الملايين؟

 

على الأقل تعتبر موارد للمحافظات التي تتشرف بوجود المراقد فيها سواء أكانت هذه المراقد تعود للشيعة او السنة او حتى للمذاهب والأديان الاخرى. فعندما تخصص هـذه المبالغ للمحافظة او القضاء الذي يعود له المرقد ستصرف لبناء المدارس والمستشفيات ودور الايتام والحدائق العامة وغيرها، وتسهم دون شك في التخفيف عن كاهل الميزانية المركزية وتحل مشاكل الناس، وحل مشاكل الناس هو الغرض الاول بعد العبادة.

 

أقرأ أيضا