هجمة (داعش).. الخطة (باء) لمشروع بايدن التقسيمي

منذ هجوم “داعش” على الموصل مطلع حزيران/يونيو العام الماضي، سال حبر غزير على الورق لاكتشاف حقيقة ما جرى، حتى إن المياه الكثيرة التي اجتاحت جسر الأزمة السياسية والأمنية مذّاك، لم تقشع الملوث من الكلام ولم تجب تماما عن الأسئلة المثارة حول هذا الأمر الذي لم يعد لغزا كما كان لحظة وقوعه.

 

في البداية، أُشيع إن الهدف من “تسونامي” التنظيم التكفيري، هو الإطاحة بنوري المالكي وقطع الطريق أمام ولايته الثالثة التي كان يحضر لها، حتى أن بعض مناوئي رئيس الوزراء السابق، اشترطوا تخليه عن نيته البقاء في منصبه مقابل إنهاء “الحدث الجلل”.

 

بعدها ذهب آخرون إلى أبعد من الشأن الداخلي، وقالوا إن توجيه بوصلة “قطيع التكفيريين” نحو الأراضي العراقية وتاليا السيطرة على المناطق ذات الغالبية السُنية المحاذية للحدود مع سوريا، جاء للحؤول دون أن تستمر بلاد الرافدين بدور “الرئة اللوجيستية” التي يتنفس منها نظام دمشق، وبمثابة الشريان الداعم له بالسلاح والمقاتلين القادمين برا وجوا من إيران. لكن بمرور الأيام بدأت تتكشف بعض خيوط وخفايا المخطط الجهنمي المراد تنفيذه في أرض الأنبياء والأولياء.

 

ومع حلول الذكرى السنوية الأولى لاحتلال “الحدباء” من قبل الفصيل الإرهابي الأخطر في العالم، يكشف دبلوماسي غربي عن دور أميركي “تواطئي” مهد لغزوة “مغول العصر” على “أم الربيعين” وتمددهم لاحقا نحو مناطق أخرى، قبل أن تستعيد القوات الأمنية على اختلاف صنوفها وتشكيلاتها ومع المتطوعين زمام المبادرة وتطهر بعض تلك الأراضي من دنس “الدواعش” ومعاونيهم المتمردين المحليين.

 

الدبلوماسي الذي يعمل في بعثة بلاده ببغداد ويتحدث لغة “الضاد” بلهجة شامية، قال بضرس قاطع في جلسة خاصة حضرتها إن: “هجوم داعش.. ما هو إلا الخطة باء للمشروع الذي تقدم به نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات على أسس مذهبية وقومية”.

 

“بعد فشل المحاولات المحمومة التي بذلتها الإدارة الأميركية السابقة (الجمهوريين) والحالية (الديمقراطيين) وأوساط الكونغرس، لإرغام العراقيين السُنة والشيعة على تمرير هذا المشروع، لجأ اللوبي الحاكم في واشنطن إلى العصابات التكفيرية لتحقيق الهدف المنشود”، يضيف الرجل الذي ينحدر من أصول عربية.

 

وما يدعم كلام الدبلوماسي، مجموعة وثائق استخباراتية أميركية تعود للعام 2012، رفعت السرية عنها مؤخرا، وكُشف فيها عن إن واشنطن سمحت عمدا بقيام التنظيم المتشدد من أجل تحقيق مآربها بالمنطقة العربية، وفي مقدمتها عزل نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد المناوئ لسياساتها.

 

وقدّم بايدن قبل سنوات مقترحا لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم بناء على بواعث مذهبية وقومية قابلته معظم الأطراف العراقية (عدا الأكراد) برفض وانتقاد شديدين لمشروعه “الخبيث”.

 

الدبلوماسي المذكور، علّق على تحركات المتطرفين في العراق تحديدا، قائلا “انظروا لتحركات قطعان داعش – نطقها بالعربية – وكأنها مُسيّرة وفق توجيهات محددة من مشغليهم، إن لم تكن هي فعلا كذلك”. وتابع “المريب في هذه التحركات المصحوبة بتصرفات وحشية، هو تركزها داخل الحدود المرسومة في مشروع بايدن المثير للشُبهة”، مؤكدا أن جنود “الخلافة” المزعومة يتصرفون على شاكلة مرتزقة الشركات الأمنية الخاصة والعابرة للقارات.

 

كلام الدبلوماسي له ما يؤكده في الإعلام الأميركي، حيث ماثل إلى حد كبير ما جاء أخيرا في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” للكاتب “ديفيد بروكس” الذي ربط بين ما يجري على أرض العراق حاليا وبين مخطط بايدن التقسيمي.

 

الكاتب الأميركي اعتبر المشروع الذي تقدم به نائب رئيس الولايات المتحدة، عندما كان سيناتورا إبان فترة العنف الطائفي التي عصفت قبل سنوات بالمناطق العراقية ذات التماس المذهبي، انه “أكثر واقعية في الوقت الحاضر، بناء على الوضع الذي نجد فيه العراق اليوم”، على حد تعبيره.

 

ويرى بروكس في مقاله الذي نُشر عشية الذكرى الأولى لهجمة “سادة قطع الرؤوس” على الموصل، إن خطة مسؤول الملف العراقي في البيت البيضاوي التي طرأت على الساحة بين عامي 2006 و2007 “تبدو الآن أكثر ذكاء مما كانت عليه في السابق”.

 

الدور الأميركي “المشبوه” المتواتر في حديث الدبلوماسي والمُشخص من قبل الشارع العراقي قبل سياسييه، رافقته كما يقول: “مساعدة إقليمية من حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، الذين لا يرتبطون بعلاقات ودية مع نظام الحكم الجديد الذي رأى النور في العراق بعد نيسان/ابريل 2003”.

 

الدبلوماسي الذي بدا ناقما على سياسات الولايات المتحدة، اعتبر أن “واشنطن ليست جادة بما فيه الكفاية لمحاربة المتطرفين الذين تغذوا بمال حلفائها الخليجيين، بغية تحقيق مآرب سياسية تتناغم والرغبة الأميركية في المنطقة”.

 

مثل هذا الكلام الاتهامي الذي تم تداوله على طاولة عشاء جمعت الدبلوماسي بمجموعة من أصدقائه العراقيين، ورد أيضا على لسان ساسة ومسؤولين عراقيين فاعلين على الساحة، ومن بين هؤلاء، رئيس هيئة “الحشد الشعبي” النائب هادي العامري الذي وجّه هو الآخر انتقادات صريحة ومباشرة نحو “التحالف الدولي” الذي تقوده واشنطن ضد أتباع الخليفة المزعوم “أبو بكر البغدادي”.

 

وفي معرض اتهامه للتحالف، قال العامري في حديث متلفز: “لا يريدون القضاء على المسخ الداعشي الذي صنعوه هم وحلفاؤهم في المنطقة، دون تحقيق مآربهم التي سنواجهها بكل قوة”، غامزا هنا من قناة اعترافات بايدن التي أدلى بها قبل فترة أمام حشد من الطلاب والباحثين الأميركيين، اتهم فيها حلفاء بلاده الأتراك والقطريين والإماراتيين بتمويل “داعش” لمحاربة نظام الحكم في سوريا.

 

كلام العامري يدعمه عنوان عريض نشرته محطة (سي ان ان) التلفزيونية على موقعها الالكتروني الناطق بالعربية قبل أيام قليلة، نقلا عن محللين أميركيين، قالوا فيه بالحرف الواحد: “لن نوقف ‫داعش دون حل سياسي في العراق وسوريا”.

 

أمين عام منظمة “بدر” المقرب من إيران والذي تفرغ كليا من عمله النيابي لمقاتلة “مغول العصر”، جدد اتهامات ساقها هو وغيره من الساسة والنواب صوب الغرب ودول الخليج، بخلق التنظيم المتطرف ودعمه بالمال والسلاح، والتغاضي عن توافد المرتزقة الأجانب و”مجاهدات النكاح” إليه من كافة أنحاء المعمورة.

 

وبهذا الصدد، قال “إذا كانوا جادين فليقوموا بإيقاف تدفق الإرهابيين إلى العراق وسوريا عبر تركيا، وهم قادرون على ذلك لو كانت لديهم الإرادة والنية الصادقة”، مؤكدا انه كان ليتحالف مع صدام حسين الذي عارضه لسنوات طويلة، من اجل قتال هؤلاء التكفيريين الذي رأى بأنهم اخطر من أي نظام ديكتاتوري.

 

الحديث عن إن هجمة “داعش” تمثل الخطة “باء” لمشروع بايدن، تواتر مؤخرا على لسان السياسي البارز عزت الشابندر الذي يوصف بأنه “عراب” الصفقات والتحالفات التي حصنت المالكي خلال مدة بقائه في منصبه لدورتين متتاليتين وكادت أن تبقيه لولاية ثالثة، لولا التطورات الدراماتيكية التي وقعت العام الماضي وما سبقها ولحقها من اعتراضات لمناوئيه.

 

هجمة “قاطعي الرؤوس” المُعد لها مسبقا مثلما تفيد التحقيقات غير النهائية، يرى فيها الشابندر “انتقاما أميركيا” من رئيس الوزراء السابق الذي كان أشد الرافضين لبقاء قوات “العم سام” أو إنشاء قواعد عسكرية مختارة لهم على الأرض العراقية.

ويُزيد بهذا الشأن أن “حلفاء أميركا الغربيين كانوا ممتعضين من المالكي أيضا ولو بدرجة أقل من الولايات المتحدة، لكونه جعل بغداد تُشكل الرئة التي ظل يتنفس منها نظام دمشق الذي لم يسِر في ركبهم”.

وفي عهد المالكي، اعتبرت أوساط غربية العراق بمثابة الساحة الخلفية التي تمد نظام بشار الأسد بالمال والسلاح، وحتى بالمقاتلين العقائديين. وهو ما تم نفيه بشكل قاطع آنذاك.

 

وإلى أبعد من الانتقام، وصف الشابندر في تعليق نشره على “فيسبوك” ما يدور على ارض الرافدين وبخاصة المناطق التي تسعى “داعش” ومن يقف وراءها لبسط كامل النفوذ عليها، بأنها “غاية إسرائيلية ينفذها الأميركيون وأعوانهم من عربان المنطقة وعملائهم في الداخل”.

 

الاتهامات ضد أميركا والغرب – الأطلسي عموما بصناعة “داعش” والنفخ في قربته، لم تقتصر على العراقيين، فهذا شيخ “الأزهر” أحمد الطيب يحمل ما وصفه بـ”النظام العالمي” مسؤولية ظهور “خوارج العصر” وتوسعهم، متهما الغرب بعدم امتلاك إرادة حقيقية للقضاء على التنظيمات المتطرفة.

 

حديث شيخ الأزهر، المقارب تماما لما تتداوله ألسن المسؤولين العراقيين، يتشاطر فيه مع دوائر وأوساط غربية بدأت تؤشر هي الأخرى هذه الاتهامات أيضا ولو بشكل خجول ونطاق ضيق، آخرها ما جاء على لسان بابا “الفاتيكان” فرنسيس الأول عندما أدان تجار الأسلحة وأمراء الحروب الذين اتهمهم بـ”زراعة الموت والدمار في مناطق متفرقة من العالم”.

 

/ ينشر بالتزامن مع “الأخبار” اللبنانية
// حيدر نجم: صحفي وكاتب مهتم بتغطية الشؤون العامة في العراق، وتحديدا السياسية منها. عمل مراسلا لعدد من الصحف العربية من بينها جريدتا “الشرق الأوسط” اللندنية و”الراي” الكويتية، ومحررا في دورية “نقاش” الأسبوعية. والآن يكتب تحليلات وقصص صحافية بشكل مستقل

 

أقرأ أيضا