الحكيم وعباءة العائلة

 

فعلها أخيرا عمار الحكيم.. رمى عباءة عمه وأبيه العتيقة بكل ثقوبها وعيوبها وخاط له عباءة جديدة على مقاسه كيفما يشاء، فهل ضحى الحكيم بإرث العائلة السياسي أم سعى لبناء مجد جديد؟

 

ولفهم هذه الخطوة التي كانت متوقعة نظرا لشخصية الحكيم المرنة والصلبة الناعمة والعنيدة، علينا قراءة هذا الحدث من عدة زوايا:

 

أولا: خروج الحكيم مستقيلا من كيان المجلس الأعلى بالكامل، شكّل صدمة لمعسكر الشيوخ الذين اعتادت شرايينهم على جريان دماء آل الحكيم، الأمر الذي سيكشف رؤوسهم للشمس لأول مرة بعد أن كانوا يتحركون في ظل قائد يؤوبون اليه كلما أحسوا بالخطر، فيما حلت بالمعسكر الآخر (معسكر الشباب) فرحة الخلاص من عائق الأبوة وقيود التأسيس التي لم يعيشوها، بل انهم لم يعاصروها.

 

ثانيا: الحكيم راهن على شباب عراقيين من الداخل، بلا تاريخ نضالي وبلا سمعة جهادية، حقنهم بشيء من الثقة وانطلق بهم في مشروعه الجديد الرامي لتجديد دماء المجلس الأعلى، إلا أن اصطدامه بعقبة الحرس القديم الذين يرون في أنفسهم الأحق بالقيادة، جعله يتعثر ويتوقف كثيرا، حتى خطط للحظة الخروج بهم الى كيان آخر، الا أنه لم يجن من وجود أكثرهم الى جانبه الا التبجيل والتقديس دون أن يكونوا سياسيين حقيقيين كما يفترض بهم.

 

ثالثا: الخروج من المجلس الأعلى الى كيان اخر قيد التأسيس يعني محاولة الهروب من كل أعباء الماضي المرتبطة بالعار والفشل والفساد الذي رافق افراد الطبقة السياسية العراقية طوال السنوات الماضية، والظهور بثوب نظيف بعيد عن اي تلوث، الأمر الذي يعني أن التوقيت لم يكن بريئا أو طارئا وإنما قد يدل على وجود تكتيك مدروس يتكفل بتقديم دعاية انتخابية مبكرة على حساب الجناح القديم في المجلس.

 

رابعا: دلالة الخطاب المتلفز الذي القاه الحكيم يوم الاثنين الماضي، تظهر توجيهه رسالة مفادها الانعتاق كليا من ايران البلد الذي أسس المجلس الأعلى في 1982 وظل وليا لنعمته حتى اللحظة، والظهور بمظهر وطني بحت، حيث قال في الخطاب إن “تيار الحكمة الوطني سيكون مع العراقيين الشرفاء الاحرار من اجل وحدة العراق وسر قوته، وأنه سيكون تيارا سياسيا جديدا يولد من رحم الألم ويتمتع بالوسطية والاعتدال لأن العراق بحاجة إلى أن يقاد من كفاءات مقدامة ولتعبر عن تطلعات الشعب العراقي بكافة فئاته”. فيما تعمد بيان قادة المجلس بأول اجتماع لهم في غياب الحكيم تقديم الشكر لـ”قائد الجمهورية الاسلامية اية الله العظمى السيد علي الخامنائي”، في رسالة مقابلة مفادها أن المجلس الأعلى سيظل مخلصا لعلاقته مع ايران، وأن عليها أن لا تحول دعمها ورعايتها للفريق المنشق.

 

خامسا: ظهور الحكيم في الخطاب المتلفز ومن خلفه صور رموز العائلة، بالاضافة الى استلهام اسم تياره السياسي من اسم العائلة واسم المدرسة الدينية التي أسسها جده المرجع محسن الحكيم دلالة على أنه قام بسحب كل إرث آل الحكيم الديني والسياسي معه، ولم يبق لقادة المجلس الأعلى الا التاريخ.

 

سادسا: عدم تركيز الحكيم على آليات اتخاذ القرار داخل التشكيل الجديد، وعدم التطرق لفكرة الانتخابات الحرة والنزيهة داخله، دليل على أن الأمر ليس من أولوياته، وإنما المهم لديه تحقيق رغبته في انشاء هذا التيار، ولهذا دلالة سلبية جدا مفادها أن الانشقاق عن المجلس الأعلى لم يكن بسبب الخلاف حول تحقيق تلك الآليات الديمقراطية والوطنية حيث لم يكن أحد يعترض على قراراته، وإنما لغاية في نفس يعقوب قضاها”.

 

بعد هذا كله علينا أن ننتظر هل أن سحب الحكيم لرصيده العائلي من الكيان القديم سيكون كفيلا بافلاسه ونجاح المشروع الجديد أم أن الأمر سيكون بالعكس تماما؟ هذا ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة.

 

أقرأ أيضا