«أطفال العراق» بين الانتهاكات وغياب التعليم والزواج غير المسجل.. فأين حقوقهم؟

يعاني أطفال العراق من مشاكل معقدة نتيجة العنف وغياب البنى التحتية والأزمات المتلاحقة التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية، ما جعل الاهتمام بإيجاد حلول لها من قبل السلطات العراقية أمراً بعيداً عن أولويات الحكومات المتعاقبة.

حيث رصدت منظمة “هيومان رايتس ووتش” الحقوقية، اليوم الخميس، الانتهاكات والاخفاقات من جانب العراق فيما يتعلق بقضايا حقوق الطفل، متناولة بشكل محدد سوء المعاملة في مراكز الاحتجاز، والعقاب البدني، والحق في التعليم، والزواج غير المسجل.

إذ قالت المنظمة الحقوقية، في تقرير لها أعدته قبل انعقاد الدورة التمهيدية الـ 98 للجنة حقوق الطفل، قدمت المنظمة خلاله توصيات للجنة لتوجيه أسئلة محددة إلى السلطات العراقية”، إن “السلطات الحكومية تحتجز الأطفال في مراكز مكتظة وغير صحية وفي بعض الحالات غير انسانية”، مشيرا الى “وجود أدلة تشمل صور زنازين مكتظة في سجون نينوى تعود الى العام 2019”.

كما لفت الى “وجود أطفال محتجزين احيانا مع البالغين، في ظروف اكتظاظ وغير صحية وبلا إمكانية للحصول على التعليم أو إعادة التأهيل او التواصل مع أسرهم”.

وقدرت المنظمة، بأنه “اعتبارا من اوائل العام 2023، كان هناك نحو 100 طفل محتجزين مع امهاتهم، والعديد منهم مواطنون أجانب متهمين بجرائم تتعلق بالارهاب، في سجن الرصافة في بغداد”، مضيفا أن “الأطفال المحتجزين في اصلاحية النساء والأطفال في اربيل تحدثوا عن ان ظروفهم افضل، بما في ذلك الطعام الجيد وفصلهم عن المحتجزين البالغين”.

وتابع التقرير انه “رغم ذلك، فانه اعتبارا من العام 2019، لم يتلق الاطفال المشتبه في ارتباطهم بداعش اي تعليم، وجرى احتجازهم في غرفهم لمدة تصل الى 48 ساعة، بينما حرموا من اجراء المكالمات الهاتفية مع عائلاتهم اثناء الاحتجاز الذي يسبق محاكمتهم”.

وتحدث التقرير عن ان “حراس الاصلاحية ضربوهم بسبب سوء السلوك”.

واشار التقرير الى انه “في نهاية 2018، كانت السلطات العراقية تحتجز نحو 1500 طفل بسبب انتمائهم المفترض الى داعش، وتعرض العديد منهم الى التعذيب بشكل مروع على ايدي سلطات مراكز الاحتجاز”.

 وبحسب التقرير فان “المنظمة تشجع لجنة حقوق الطفل على ان تدعو الحكومة العراقية إلى إنشاء الية وقائية لمنع التعذيب والتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وضمان أن معاملة الأطفال الذين ارتكبوا اعمالا إجرامية كأعضاء في داعش تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الطفل، بما في ذلك عدم استخدام الاحتجاز إلا كملاذ أخير ولأقصر فترة زمنية وعدم احتجاز الأطفال مع بالغين لا تربطهم بهم صلة قرابة، وان تكون التدابير المعتمدة هدفها بالدرجة الأولى إعادة تأهيلهم ودمجهم”.

كما دعت الى “مراجعة سياسات واجراءات مراكز الاحتجاز، واتخاذ كافة التدابير المناسبة لإنهاء التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، وغيرها من الانتهاكات، بما في ذلك تلك القائمة على التوجه الجنسي والتعبير الجندري والهوية، وتعويض جميع عائلات ضحايا القتل غير القانوني والناجين من الانتهاكات الجسيمة”، وحثت ايضا على “التحقيق في كافة الادعاءات الموثوقة بالتعذيب وغيره من الانتهاكات المتعلقة بالاحتجاز، ورفض اي وجميع الادلة، بما في ذلك الاعترافات المنتزعة عن طريق التعذيب، ومعاقبة من تعتبرهم مسؤولين بالشكل المناسب”.

وانتقد التقرير فكرة أن “العقوبة البدنية ما تزال مشروع في العراق، حيث يوفر قانون العقوبات دفاعا عن المسؤولية الجنائية عن “تأديب الآباء والمعلمين للأطفال الخاضعين لسلطتهم ضمن حدود معينة يفرضها القانون او العرف”، الا انه اشار الى ان دستور العراق لعام 2005 ينص على أن “كافة أشكال العنف والإساءة في الاسرة والمدرسة والمجتمع يجب أن يتم حظرها”.

وذكر التقرير، بأن “مسحاً أجري في العام 2018، أظهر أن نحو 60 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 1 و 14 عاما، تعرضوا للعقاب البدني، و31 % لعقاب جسدي حاد (مثل الضرب او الصفع على الوجه، او الرأس، او الاذنين)”.

وتابع ان” 18% من موظفي الرعاية يعتقدون أن العقاب الجسدي ضروري”.

ولهذا، قال التقرير، إن “المنظمة تشجع لجنة حقوق الطفل على مساءلة الحكومة العراقية عن كيفية رصد حالات العقوبة البدنية والإبلاغ عنها، وتقديم بيانات محدثة عن مدى تفشي ظاهرة التأديب العنيف في المدارس، كما انه يتحتم على اللجنة أن تدعو الحكومة الى ضمان الحظر الواضح لكافة اشكال العنف التأديبي في كل الأماكن، بما في ذلك في البيوت”.

وتناول التقرير مرحلة التعلم في فترة وباء كورونا وإغلاق المدارس بالكامل، كما اشار الى “وجود عدة عوائق أمام الوصول الى التعليم، بما في ذلك الآثار المتعلقة بالنزاع المسلح وتكاليف التعليم الجديدة”.

ولهذا أوصت المنظمة، لجنة حقوق الطفل بأن “تسأل الحكومة عن كيفية تقييم مدى فقدان التعلم لدى الأطفال بسبب إغلاق المدارس بسبب كورونا، وما هي التدابير المتخذة لمعالجة هذه الخسارة.

كما انه يتحتم على اللجنة أن “تدعو الحكومة الى تخصيص الموارد التعليمية للفئات المهمشة وتلك التي تأثرت بـ وباء كورونا، كما انه عليها ان تدعو الحكومة الى اعتماد اجراءات لتوفير خدمة الانترنت بأسعار معقولة، بما في ذلك الوصول المجاني والعادل الى الانترنت للمحتوى التعليمي”.

لكن التقرير لفت إلى أن على اللجنة أن “تشيد ايضا بحكومة العراق لتوفيرها سنتين من التعليم ما قبل الابتدائي والتعليم الثانوي المجاني بموجب قانونها المحلي”.

وذكر التقرير ان “التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات (GCPEA)”، حدد ما لا يقل عن 17 تقريرا عن هجمات على المدارس في العراق بين عامي 2020 و2023، مشيرا الى ان “العديد منها تضمن استخدام اجهزة متفجرة تم زرعها في المدارس او بالقرب منها، بالاضافة الى اعتداءات على الطلاب والمعلمين وغيرهم من العاملين في مجال التعليم”.

ودعت المنظمة، لجنة حقوق الطفل إلى أن “تسأل الحكومة عما إذا كانت حماية المدارس من الاستخدام العسكري مدرجة في أي سياسات أو قواعد أو تدريبات للقوات المسلحة العراقية”.

كما أوصت المنظمة الحكومة العراقية، بدمج معايير إعلان المدارس الآمنة في السياسة المحلية، والأطر العملياتية العسكرية، والتشريعات. وحثت ايضا على التحقيق بشكل محايد ومنهجي في الهجمات على الطلاب والمعلمين والمدارس، وملاحقة المسؤولين قضائيا بشكل مناسب.

وحذر التقرير من ان “عشرات الآلاف من الأزواج العراقيين يجرون زيجات غير مسجلة، وذلك من قبل الزعماء الدينيين ويتم قبولها اجتماعيا كزيجات صحيحة، غير انها لا تكون سارية قانونا إلا بعد تسجيلها لدى محكمة الأحوال الشخصية وإصدار عقد زواج مدني للزوجين”.

واعتبر التقرير، أن “الزيجات الدينية غير المسجلة تمثل ثغرات تتيح تطبيق زواج الاطفال”، مذكرا بأنه “في العام 2021، أفادت بعثة الأمم المتحدة بأن 22% من الزيجات غير المسجلة شملت فتيات تحت سن 14 عاما”.

ولفت التقرير إلى أنه “طوال الـ20 عاما الماضية، تزايدت معدلات زواج الأطفال في العراق بشكل مطرد”، كما اعتبر ان “عواقب زواج الاطفال على الفتيات تتمثل في زيادة مخاطر العنف الجنسي والعنف المنزلي، والوفاة اثناء الولادة، وتضرر الصحة النفسية، وعرقلة الوصول الى التعليم والعمل”.

وتابع انه “كثيرا ما ينظر الى الفتيات على انهن اعباء اقتصادية على الاسرة، ويمكن اعتبار الزواج وسيلة لرفع هذا العبء”.

وحذر التقرير من انه “من دون عقد زواج مدني، فان الفتيات والنساء ايضا لا يتمتعن باي حماية قانونية او سبل للمطالبة بحقوقهن في المهر ونفقة الزوجة والميراث في حالة حرمانهن من ذلك”.

وتابع قائلا ان “الزيجات الدينية تستخدم في كثير من الاحيان من اجل الالتفاف على القانون المحلي بشأن السن القانونية للزواج، وهو ما قد يجعل الفتيات المتضررات يسقطن في فخ علاقات مسيئة خوفا من فقدان اطفالهن في نزاع الحضانة”.

وحثت المنظمة لجنة حقوق الطفل على دعوة الحكومة العراقية الى اعتماد خطة عمل للقضاء على زواج الاطفال وتحديد الحد الادنى لسن الزواج بـ 18 عاما بلا استثناء، واصلاح القوانين التي تحكم الجنسية وتسجيل المواليد للسماح بتسجيل كافة الولادات والحصول على الجنسية والوثائق القانونية المتعلقة بها، بالإضافة الى تعديل قوانين العقوبات والأحوال الشخصية لتشمل عقوبات على الزعماء الدينيين الذين يعقدون زيجات في انتهاك لقانون الأحوال الشخصية.

  كما يتحتم على لجنة حقوق الطفل ان تسمح للاطفال الذين لا يملكون وثائق بالالتحاق بالمدارس ونيل الشهادات التعليمية.

يشار إلى أن 4.7 ملايين طفل عراقي قد تأثر بسيطرة تنظيم “داعش” على عدة مدن، والتي تسببت في مشاكل جمّة لهم ارتبطت بالنزوح وعدم تلقيهم لقاحات وفقدانهم ذويهم وتعرضهم لأضرار جسدية، وإجبار 3.5 ملايين منهم على ترك الدراسة.

وبحسب نتائج المسح الوطني للمرأة العراقية، الذي تم تنفيذه بالشراكة مع الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط الاتحادية وهيئة إحصاء إقليم كردستان، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان مكتب العراق للعام 2021، بلغت نسبة النساء اللواتي تزوجن قبل بلوغهن سن الـ18 عاما 25.5 بالمئة، بينما أظهرت نتائج المسح أن نسبة المؤشر نفسه في كردستان بلغت 22.6 بالمئة.

إقرأ أيضا