بين النقد والإساءة.. المحكمة الاتحادية تثير الجدل مجددا بقرار «مريب»

أثار قرار المحكمة الاتحادية العليا الأخير بشأن حجب المواقع الإباحية ومنصات المحتوى الهابط والإساءة والسخرية لمقدسات الآخرين، انتقادات واسعة من قبل الناشطين المدنيين، حيث رأوا فيه محاولة لتكميم الأفواه والتضييق على حرية الرأي، مطالبين بوضع معايير ملموسة للتمييز بين النقد والإساءة، والجهة التي تحدد ذلك، غير أن معنيين دافعوا عن القرار وأكدوا أهميته بالسيطرة على المنشورات الخادشة للحياء، والتي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويقول الناشط المدني محمد عفلوك، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذا القانون كان من المفترض إدراجه ضمن قانون التعبير عن الرأي وحق التظاهر، المؤجل أو المعطل، وذلك لأنه كلما يشرعون بمناقشة هذا القانون تكون هناك ردة فعل مضادة من قبل الصحفيين والإعلاميين والناشطين وأصحاب الرأي في العراق، فيؤجل ويعطل”.

وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا، أمس الأول الخميس، قرارا يلزم وزارة الاتصالات، وهيئة الإعلام والاتصالات، بحجب المواقع وشبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل الإلكتروني التي تتضمن صناعة ونشر المقاطع الجنسية والإيماء بالاغراءات الجنسية المخلة بالأخلاق والآداب.

وتضمن القرار، حجب نشر المحتوى الهابط الخادش للحياء والتجاوز على الذات الإلهية وحرمة الكتب المقدسة وعلى الأنبياء والرسل والرموز الدينية والإساءة والسخرية من الأديان والمذاهب.

ويشير عفلوك، إلى أن “الجميع يدرك أن حق التعبير لا يمكن أن يحد بقانون، وهو حق مقدس ومكفول في الدستور العراقي ولا يمكن أن يحدد بنص أو قانون، وقرار المحكمة هذا وقح لأنها اتخذت القرار من دون الرجوع إلى مجلس النواب، وهذا الأمر بحد ذاته مخالفة”.

ويتساءل “أنا كصاحب رأي وناشط مدني لا يمكن أن تحدد حريتي وفق قرارات غير مدروسة، فأريد أن أعبر عن رأيي بالطريقة التي أراها مناسبة وتلائم المجتمع الذي أعيش فيه، فعلى سبيل المثال في حال أصدر مرجع معين فتوى دينية وأريد انتقادها، فهل ستقوم المحكمة بقمع حريتي وغلق حسابي عبر منصات التواصل الاجتماعي؟”.

ويصف القرار بـ”التعدي على حريات الآخرين، فالمجتمع العراقي متعدد الأديان والطوائف، ولا يمكن حجب حريات الأفراد وفق حدود طائفة أو دين معين، فيما تفاجئنا المحكمة الاتحادية، بقراراتها التي تزيد الطين بله، إلى جانب قرارات مجلس النواب الخاصة بتحجيم حرية الرأي والتعبير”.

ويتهم “الداعمين لتلك القرارات بممارسة تكميم أفواه الناشطين المدنيين وأصحاب الأصوات الحرة الذين يرفضون هكذا قرارات تعسفية ويعارضون قرارات الحكومة وبعض سلوكياتها”.

وتسربت في شباط فبراير من العام الماضي، نسخة من مسودة لائحة تنظيم المحتوى الرقمي، التي أعدت في هيئة الإعلام والاتصالات لغرض إقرارها من قبل مجلس الأمناء في الهيئة، وتضمنت بنودا كثيرة اعتبرت مقيدة لحرية التعبير، منها أحكاما جزائية، تبدأ بالتعهد وحذف المحتوى أو حجب الصفحة المنشور فيها، وصولا إلى إحالة الملف إلى القضاء، فضلا عن وجود غرامات مالية تبدأ بـ500 ألف دينار وتصل إلى 5 ملايين دينار.

من جانبه، يقول الخبير القانوني عدنان الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قرار المحكمة الاتحادية بشأن الدعاوى المقامة الخاصة بالمحتوى الفاحش، قرار على مستوى عالٍ من الأهمية في معالجة مشكلة كبيرة وخطيرة جدا وهي مشكلة الانحلال المجتمعي الذي بدأ يتغلغل الآن في البنية الأخلاقية للمجتمع العراقي”.

ويضيف الشريفي، “قد يرى البعض أن هناك بعض التحفظات على مفردة الرموز الدينية والتي تعنى في نص القرار الرموز الدينية التي هي خارج العملية السياسية والمراد به منع الفتن من خلال صفحات مشبوهة ومدفوعة الثمن”.

ويكمل “بالتالي فإن حماية هذه الرموز الدينية من أجل المحافظة على النسيج المجتمعي والأخلاقي، أما من هو الرمز الديني، فهذا الأمر يترك إلى المحكمة في حال تم تحريك شكوى لتحدد ما مقصود به”.

ويتابع الشريفي، “قد يعتقد البعض أن للموضوع انعكاسا على بعض الشخصيات الدينية التي دخلت إلى العمل السياسي، لذلك فالرموز الدينية فقط التي خارج العملية السياسية”.

وفي نهاية العام الماضي، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، أمرا ولائيا بحجب المواقع الإباحية في العراق، وصدر القرار في حينها بناء على طلب مقدم من قبل النائب باسم خشان، كما أن وزيرة الاتصالات هيام الياسري وجهت، نهاية العام 2022، بحجب هذه المواقع، ولاقى القرار ردود فعل بين مرحب، خصوصا في الأوساط الدينية، ومتخوف من اتساع رقعة الممنوعات والتضييق على حرية الرأي والتعبير في البلاد، تحت ذريعة المحتوى الفاحش.

يشار إلى أن وزارة الداخلية بالتعاون مع القضاء العراقي، أطلقت في مطلع العام الماضي، حملة “المحتوى الهابط”وأسفرت عن القبض على العديد من مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، بذريعة تقديم محتوى هابط وخادش للحياء، وصدرت أحكام بالسجن وصلت إلى عامين بحق بعضهم. 

يذكر أن المادة 38 من الدستور تنص على: تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون. 

بدوره، يوضح عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق أنس العزاوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قرار المحكمة الاتحادية لم يصدر لإلغاء الحريات في العراق، وإنما جاء ليقننها وينظمها وفقا لأحكام الدستور العراقي وبما لا يخل بالآداب العامة”.

ويلفت إلى أن “القرار ورد فعليا في أحكام الدستور في باب الحقوق وفقا للمادة 17/ أولا والتي تنص على أن: لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين والآداب العامة، وما ورد في باب الحريات ضمن أحكام المادة 38 بأن: تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب، أولا حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وثانيا حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر”.

ويردف العزاوي، أن “قرار المحكمة جاء بما يعزز واجبات الدولة في حماية وصون الأسرة والمجتمع من الممارسات والسلوكيات الدخيلة والمنافية للعادات والتقاليد والعقائد الدينية وهذا ما أكده نص المادة 29/ أولا من الدستور”.

يشار إلى أنه في العام 2011 تم إعداد المسودة الأولى لقانون حرية التعبير والتظاهر السلمي من قبل الحكومة في حينها، ما أثار موجة من السخط الشعبي والسياسي أيضا، حيث أعرب الناشطون ومنظمات الدفاع عن حرية الرأي وحقوق الإنسان وعدد من النواب عن رفضهم للقانون واعتبروه محاولة لتكميم الأفواه، فيما عده آخرون تنظيم لعملية التظاهر والتعبير السلمي عن الرأي وفقا للقانون والدستور.

ومنذ فترة حاول البرلمان تمرير قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، حيث أدرجه على جدول أعماله قبل أن يرفع منها بضغط من بعض الكتل السياسية المدنية، ويأتي طرح هذا القانون بعد طرح قانون جرائم المعلوماتية قبله، والذي رفع من جدول الأعمال بضغط أيضا.

إلى ذلك، ينوه رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة مصطفى ناصر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “المحتوى الهابط ليس له تعريف دقيق، فالبعض يراه هابطا والبعض الآخر لا يراه هكذا، فهناك أصناف من المحتويات الخطيرة التي ممكن توصيفها بأنها هابطة ولكن السلطات لا تعتبرها هابطة، وأرى أن قرار المحكمة الاتحادية، مزاجي”.

وينوه إلى أن “من ضوابط مواقع التواصل الاجتماعي عدم نشر المقاطع والمواد الإباحية، وفي حال تم نشر مثل هكذا محتوى فبمجرد الإبلاغ عنه من تقوم إدارة الموقع أو المنصة المعنية بحظر المنشور وتحذير صاحبه من العودة إلى نشر هكذا مواد، وفي حال تكرارها يتم حجب حسابه، وهذا الشيء معمول به في جميع الدول”.

ويشرح ناصر، بالقول إن “واجب المحكمة الاتحادية يتعلق بتفسير المواد الدستورية وليس التدخل بعمل الهيئات التنفيذية، وهيئة الإعلام والاتصالات لديها ضوابط ولوائح تتعلق بالبث، لكن بما أنها ليس من صلاحياتها إغلاق صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية، لذلك لجأت إلى المحكمة الاتحادية”.

ويختم بالقول، إن “هذه المنهجية ليست بالجديدة وهي خطيرة جدا، وهذه الحكومة ارتكبت الكثير من المخالفات الدستورية بناء على هذه المنهجية، وكذلك مجلس النواب، ورئاسة الجمهورية أيضا”.

وكانت منظمة العفو الدولية قد حذرت في 1 آذار مارس 2019، مجلس النواب العراقي من إقرار قانون جرائم المعلوماتية، مؤكدة أن صياغته الفضفاضة قد تصبح أداة للقمع، وانتكاسة لحرية التعبير في العراق.

جدير بالذكر، أن جميع هذه القوانين ما زالت تستند إلى مواد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، وفي الفترة الأخيرة جرى الاستناد إلى المادة 403 من القانون الخاصة بخدش الحياء.

يذكر أن المواد في قانون العقوبات العراقي، والخاصة بإهانة السلطات، كانت تستخدم بشكل واسع خلال فترة النظام السابق، وسبق أن أصدر الحاكم المدني للعراق بول بريمر في 10 حزيران يونيو 2003، أمرا بإيقاف استخدامها، لكن أمر بريمر ألغي فيما بعد من قبل الدولة العراقية.

إقرأ أيضا