متلازمة «داون».. غياب الدعم الحكومي يفاقم الأزمة

كثيرة هي المشاهد التي نراها بشكل يومي لأصحاب متلازمة “داون” سواء في الواقع الافتراضي أو الحياة الواقعية، وبات هؤلاء جزء أساسيا من مجتمعاتنا، وتوسعت دائرة الاهتمام بهم مؤخرا من بعض منظمات المجتمع المدني وكذلك متطوعون قاموا بفتح مراكز خاصة بتدريبهم وتأهيلهم قبل أن تغلق بسبب غياب الدعم الحكومي، حيث أكد متخصصون أن تعامل الدولة مع هذه الشريحة ليس بالمستوى المطلوب.

وتحدث متلازمة “داون” عندما يولد الطفل بكروموسوم إضافي، وتؤثر هذه المشكلة الجينية عادة على قدرة الشخص على التعلم وخصائصه الجسدية كما إنه ليس مرضا أو حالة يمكن أن يصاب بها شخص ما، بل تحدث بشكل طبيعي، وعادة ما يحصل الأشخاص المولودون بها على كروموسوم إضافي عن طريق الصدفة، بسبب تغير في الحيوانات المنوية أو البويضة قبل الولادة.

وتقول التدريسية والناشطة في مجال الطفل، إسراء نجم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “استنادا إلى قانون 38 لسنة 2013 المنشور في جريدة الوقائع العراقية في العدد 4295 المتضمن تأسيس هيئة ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة حيث تقوم هذه الهيئة بتقديم مختلف الخدمات لذوي الإعاقة ومن ضمنهم المصابين بمتلازمة داون أو ما يعرفون بذوي الهمم”.

وتضيف “وقد خصت الهيئة مختلف الامتيازات لهؤلاء من أجل تسهيل وإعادة انخراط هذه الفئة مع المجتمع ومنها تخصيص راتب للشخص المعين المتفرغ قدره 250 ألف دينار شهريا قابل للزيادة بموافقة مجلس الوزراء مع حق الجمع بين المبلغ المذكور وما يتقاضاه من الإعانة الاجتماعية، بالإضافة تخصيص مقعدين للدراسات العليا في كل اختصاص للقبول في الدراسات العليا مخصصة لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة”.

وتتابع “كما نص القانون على تخصيص نسبة واحد بالمئة من مقاعد للحج لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة مع مرافق للمعاق، واحتساب معونة شهرية تناسب نسبة العجز المقدرة من لجنة طبية مختصة، وأيضا شمول ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة بالمنحة المجانية للقبول في الجامعات، ومقاعد مجانية في المدارس الأهلية لمحدودي الدخل”.

وتشير نجم إلى “تخصيص نسبة لا تقل عن خمسة بالمئة؜ في تخصيص الأراضي السكنية لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، وإلزام الجهات الحكومية كافة بتخصيص نسبة خمسة بالمئة؜ من التعيينات والعقود والأجور لذوي الإعاقة، كما نص القانون على عقوبات بحق كل من يسيء لذوي الإعاقة أو يسخر منهم بأي وسيلة كانت”.

وتكمل نجم حديثها “جواز أن يكون الشخص معينا متفرغا لأكثر من معاق، وأيضا جواز أن يكون عمر المعين لا يقل عن 15 سنة فما فوق، ومنح الخدمات الصحية مجانا لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، إضافة إلى التفرغ الوظيفي أصبح كل عامين بدل العام لتجديد إجازة التفرغ وتخفيض تذاكر الخطوط الجوية 50 بالمئة لمرتين في السنة مع مرافق المعاق”.

وتوضح “ومن ضمن الخدمات التي تقدمها الهيئة هي مراكز إعادة التأهيل المنتشرة في مختلف أنحاء العراق التي ما تزال بحاجة إلى تطوير ومواكبة التطور الحاصل في العالم لطرائق تأهيل المصابين بمتلازمة داون، فضلا عن الحاجة لفتح مراكز جديدة وتوظيف ملاكات متخصصة بالعلوم النفسية والتربوية وإعادة التأهيل”.

وتبين نجم “وفي ظل هذا النقص الحاصل في الحاجة إلى هذه المراكز التأهيلية نجد اليوم وبين الحين والآخر المبادرات الخيرية والمجتمعية التي يقوم بها بعض الناشطين ومنظمات المجتمع المدني لكن تبقى الحاجة قائمة لان مع كل هذه المبادرات تبقى محاولات خجولة أمام الحاجة الكبيرة لهذه الفئة المهمة من المجتمع العراقي، ومن الملفت للانتباه ضعف الإعلام الخاص بالمراكز التأهيلية الحكومية حيث لا توجد صفحات تواصل اجتماعي تنقل نشاطات هذه المراكز أو تعلن عن أماكن تواجدها مما يسهل على العوائل العراقية التواصل معهم والوصول لهم”.

ويعاني أصحاب هذه المتلازمة من صعوبات كبيرة يواجهونها في تعايشهم مع أفراد المجتمع العراقي، في ظل غياب ثقافة التعامل معهم، حيث أن الكثير “يتنمرون” عليهم أو يحاولون استغلالهم بشتى الطرق، بالإضافة إلى الإهمال الذي يرافقهم حتى من قبل ذويهم ببعض الحالات.

وبهذا الصدد، ينبه الباحث الاجتماعي محمد المولى، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ذوي الاحتياجات الخاصة سواء كانت الحالة متلازمة داون أو غيرها فيجب أن يكون هناك دعما حكوميا من خلال مدارس خاصة تحتضن هؤلاء وتؤهلهم للانخراط في المجتمع وأخذ استحقاقهم في العيش الكريم، إضافة للدعم المالي”.

ويؤكد “الأمر مهم وواسع ويتطلب وجود بداية صحيحة من خلال عوائلهم ومن ثم المجاميع الخاصة بدعم الاحتياجات الخاصة ويتم إسنادها بالإعلام والصحافة ثم الجهات ذات العلاقة”.

ويشير إلى أن “هذه الحالات تحتاج وبشكل كبير إلى الدعم الحكومي من خلال تشريعات تخفف وطئة الحالة المرضية والبعد الاجتماعي الذي يعيشه أصحاب هذه المتلازمة”.

ويعاني ذوو الاحتياجات الخاصة من مشاكل متعددة، فبالإضافة إلى “التنمر” الاجتماعي، هناك نقص كبير بالمراكز التخصيصية، كرياض الأطفال والمدارس والمعاهد والمنظمات الحكومية والأهلية التي ترعاهم.

وبهذا الصدد، تشدد عضو مجلس النواب زهرة البجاري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، على أن “المشاريع بشكل عام تأتي من الحكومة التنفيذية وبالتحديد وزارة الصحة فيما يخص أصحاب متلازمة داون وذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام”.

وتردف “العديد من أصحاب متلازمة داون وأصحاب الأمراض الوراثية وكذلك مرضى التوحد يحتاجون لرعاية خاصة وعليه نطالب وزارة الصحة بتقديم مشاريع لخدمة هؤلاء ورعايتهم رعاية خاصة”.

يذكر أن الناشطة في مجال دعم أصحاب متلازمة “داون” تالا الخليل، قد فازت بجائزة صناع الأمل مؤخرا والمقدمة من دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تمتلك مركزا متخصصا برعاية هؤلاء ويحمل اسم “مركز المحاربين” وتتم إدارته بجهود شخصية تطوعية من قبل بعض الناشطين، في حين أنها أعلنت إغلاقه قبل أيام بسبب عدم وجود الدعم وتحديدا المالي لاستمرار العمل به.

ومن خلال رصد أجرته صحيفة “العالم الجديد” فإن القائمين على هذا المركز وبعد طلبات كثيرة وردت لهم قاموا بفتح حسابات للتبرع من أجل إعادة افتتاحه وإتمام المشاريع الخاصة بـ”ذوي الهمم” أو “المحاربين” كما يطلق عليهم في هذا المركز.

إقرأ أيضا