على هامش زيارة الشاعر العراقي كريم هداد القصيرة الى فنلندا، قادما اليها من السويد، قبل أيام، والتي جاءت تلبية لدعوة وجهت له من قبل مشروع الضوء الجانبي (Sivuvalo)، بالتنسيق مع مركز الثقافات العالمي (Caisa)، والتي اثمرت عن أمسية مميزة للشاعر، جاء الحوار التالي مع الشاعر كريم هداد بهدف الاقتراب أكثر من تجربة الشاعر:
* هل القصيدة ملاذ الشاعر يهرب اليها كلما عصف به شجن او حزن؟ وحلبة استعراض مسراته وافراحه؟
ـــ نعم هي ملاذ الشاعر وحصنه الوحيد، وهي سفينته في الأبحار بحثاً عن عشبة الخلود، أو تكوين إسطورة لصياغة إعادة خلق الكون وفق رؤية الشاعر الخاصة.. ويبقى الشاعر هو الذي رأى..
* هل ثمة اختلاف بين شعر المنفى وشعر الوطن من وجهة نظر الشاعر نفسه؟ ان كان هناك اختلاف بماذا يختلف؟
ــ بحكم توسع دائرة التواصل والاحتكاك الحياتي مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام الفضائي، باتت المسافة الزمنية والمكانية في المعلومة والخبر والحدث.. قريبة جداً من المتلقي بما فيهم الشاعر، من هنا فليس من اختلاف بين شعر المنفى وشعر الوطن. جميع القصائد هنا في المنفى أوهناك في الوطن هي قصائد عراقية، وليس للمكان من تميز بقدر تميزها في الموقف، حين يبات المنفى مكانا للموقف.. خاصة في زمن دكتاتورية حزب البعث وسلطة الاسلام السياسي وما بينهما من خراب وطني كبير.
* بالنسبة للشاعر السياسي هل يدفع شعره ثمن نشاطه السياسي ام يثريه؟ ام ماذا؟
ــ بتقديري كلنا سياسيين.. لكن الشاعر السياسي هو على صنفين الاول هو من قبل دور البوق الاعلامي لشعارات سياسية وافكار مسبقة في الرأي وبذلك يقتل موهبته الشعرية ويصبح ببغاء ورادحاً على مسرح التعبئة والتحشيد، وهو ليس بشاعر وان اكتضت القاعة بالمصفقين له، حيث تبات صورته الشعرية مكررة للرأي السياسي. اما الصنف الثاني هو من يستفيد من نشاطه السياسي في اغناء تجربته الشعرية، بحيث تتعمق قصيدته فكرياً من دون ان تمس السياسة أدواته الشعرية في الكتابة. وهنا اسجّل رأيي لي من ان القصيدة العراقية اليوم باتت قصيدة السياسي من حيث المهرجانات والدعاية والتصفيق والاعلام. وباتت قصيدة مكررة الشكل والمضمون.. وان كرمت هنا او هناك.!
* يرافق كل منتج ادبي نشاط نقدي يساهم بإثراء المنتج وبتنضيجه.. هل هناك حراك نقدي بهذا المستوى في منطقة شمال أوروبا او بلدان النوردن فيما يخص المغتربين؟
ــ ليس من نشاط نقدي هنا، الا القليل ولم يكن الا يقدر حجم العلاقات الخاصة. وذلك بسبب عدم وجود التفاتة حقيقية للكتابة المهاجرة في دول شمال اوربا، اما ما موجود فهو صياغات دعائية لا تخرج عن إطار الربح المادي لهذه المؤسسة او الطموح الشخص الوظيفي.
* لديك بعض المجموعات الشعرية المترجمة للغة السويدية كيف وجدت ردود الأفعال حولها من قبل القارئ والناقد السويدي؟ ـ هناك من يعتقد ان ترجمة الشعر تشويه للنص وارباك للصورة هل انت مع ذلك؟
ــ لم المس ردود افعال حقيقية من الناقد والقارئ السويدي، لضعف المؤسسات الثقافية للاجئين وايضا السويدية في تكوين مساحة مشتركة تسمح بالتلاقي والتقارب، فجمعيات المهاجرين هي احتفالية دعائية وسط جالياتها فقط. والمؤسسات السويدية مؤسسات مالية تمنح مساعداتها فقط لدور النشر مباشرة وايضاً المهرجانات الفنية الدعائية وبعض الجمعيات. وللأزمة الاقتصادية تأثير في ذلك.. اما الترجمة فهي في أفضل احوالها مربكة ومشوهة للنص ولا تمثل الا ذائقة المترجم وحده، ولن تأتي الا بمدركات المترجم للنص والانعكاس النفسي له. الترجمة خيانة لموسيقى روح النص، ولا تحمل الا بعضا من معانيه فقط.
* في نظر الكثيرين هناك نمو في حركة الشعر الشعبي في وجهة نظرك هل لازلت مصرا حتى الان على القول: “ان غالبية القصائد الشعبية في المنابر الإعلامية، هي ذات إيقاع شعري واحد، يحتم فيها تشابه منظومة اللغة ومفرداتها والرؤية الشعرية المحركة لدواخل مضمون القصيدة”؟
ــ نعم ما زلت مصراً على ذلك، ويشرفني انني أطلقت صرختي هذه منذ سنين من على احدى المنابر الاعلامية العراقية. فقد تاكد لي اليوم ان الشعر الشعبي بات صورة حية للابتذال وعنوان واضح للخراب الكبير، وهو امتداد للأنهيار العام في الثقافة العراقية، والقانون الاخلاقي للمجتمع العراقي. فالثقافة العراقية باتت نخبوية وبعيدة في متاريسها عن الحياة اليومية للفرد العراقي.