Zer واستلاب الهوية

  عرض يوم أمس السبت، ضمن فعاليات مهرجان دهوك السينمائي الخامس فلم الافتتاح (زەر) للمخرج…

 

عرض يوم أمس السبت، ضمن فعاليات مهرجان دهوك السينمائي الخامس فلم الافتتاح (زەر) للمخرج الكردي كاظم أوز، ويروي الفلم قصة (ژان) الشاب تركي الاصل والمقيم في أمريكا الذي يحاول الوصول إلى أصوله الكردية من جهة جدته، في قصة جميلة يتابع أوز تطوارت الحدث خلال (110) دقيقة، عن طريق رحلة بطله الذي اختار له اسم (ژان) والذي يعني في اللغة الكردية الألم، ويشير أيضا إلى آلام المخاض إن ورد في سياقه المناسب، يسير الأمل مرافقا لبطله الذي يمر بمرحلتين، الأولى في بداية الفليم ولها مكانان هما أمريكا وتركيا، بعد ذلك يصل المرحلة الثانية التي تستمر في تركيا لكن في المناطق الكردية من تركيا، التي يختتم بها الفلم لتكون نهاية لبداية حياة جديدة.

 

إن دخلنا في تفاصيل أكثر إلى كل مرحلة من مراحل الشخصية لواجهنا جدل الهوية في ثنائية الاستلاب وإثبات الوجود على التوالي، في المرحلة الأولى تأتي الصور والاحداث معبرة بوضوح عن ضياع الهوية واستلابها من قبل الآخر أيا يكن هذا الآخر، من خلال عدة أمور بعضها يتعلق بالشخصية الرئيسة في الفيلم وبعضها يعبر عنه المخرج بلغة صورية متقنة، اذ يخوض البطل مرحلة ضياع الهوية والتردد في أمريكا ابتداءا من علاقته مع صديقته التي تتركه ويبقى حبيس حبها يراقبها عن بعد وتنفر منه، ومتمما ذلك بعلاقته مع جدته التي تصل من تركيا إلى امريكا لأجل العلاج، ويعبر المخرج بلغته الصورية عن هذا التردد والضياع من خلال توظيف الكادر المائل في عدد من اللقطات  فضلا عن اعتماد الخطوط المائلة في التعبير عن دواخلها ولاسيما في حالات الصراع الداخلي للشخصية الرئيسة، إذ قد تعجز الكاميرا في مثل هذه  المواقف عن التعبير عن دواخل الشخصيات أمامها وما يعتمل في نفوسهم على العكس من الكلام الذي يمكن به وصف كل هذه الامور باسهاب، ولهذا قد يلجأ السينمائي إلى اعتماد اسلوب سيميائي نوعا ما باستخدام الخطوط مثلا، فالصورة المكونة من الخطوط المائلة المكثفة يمكن أن توحي بالصخب الداخلي الذي تسعى الشخصيات للتعبير عنه، في حين أن الخطوط الأفقية والعمودية تحمل معنى السكون المصاحب للشخصية المراد التعبير عنها بوساطة عين الكاميرا، وهذه الطريقة هي التي اعتمدها أوز في التعبير عن حالتي الشخصية أعلاه، فمثلا في أمريكا عندما يقف البطل عند باب البناية مترددا بالدخول إلى بيته أو العودة إلى غرفة جدته المريضة في المستشفى نرى الكادر المائل والخطوط المائلة واضحة للمشاهد، مايعبر كما ذكرنا عن ما يتعمل دواخل الشخصية من صراع، فشل للاسف الممثل في ان يعززه عندنا بلغة جسده أو ملامح وجهه التي كانت أشبه بالقالب منذ بداية الفيلم حتى نهايته إلا ماندر!!

 

أما في المرحلة الثانية فلم يرد هذا الاستعمال للخطوط ابدا ولا للكادر المائل فكانت الخطوط في الغالب أفقية مستقرة أو منحنية في عدد قليل منها ولاسيما في اللقطات العامة التي تصور مناطق كردستان تركيا، والكادرات متوازنة مليئة بالحركة والألوان التي لاينقطع معها أمل في إيجاد الهوية المستلبة، ولابد من المرور على الآليات التي اعتمدها المخرج للتعبير عن الهوية المستلبة تلك، انطلاقا من منع التصريح بالهوية الكوردية وهذا ما نكتشفه في لقطة الجدة التي تغني اغنية (زەر) التي حمل الفيلم اسمها لحفيدها في غرفتها في المستشفى وعندما سألها عن اللغة التي تكونت منها كلمات الاغنية اجابته بأنها الكوردية فقال لها كيف تعلمتيها فردت بانها تعلمتها من صديقة لها وهي طفلة ولم تستطع التصريح بهويتها الحقيقية الكردية التي نكتشفها لاحقا بعد وفاتها، ومرورا بتكميم الأفواه في لقطة الجدة التي تتوسل عن طريق الاشارة لإخراج انبوب الجهاز الطبي من فهما لكي تحدث حفيدها بسر ما كانت مصرة على اخباره إياه متوسلة ببراعة فاقت براعة البطل نفسه باستعمال عينيها ويديها، ولم تفلح هذه التوسلات، وماتت ومات سرها معها، ولكن لأن الأمل موجود يعود الحفيد إلى تركيا وبعد دفنها يبدأ بالبحث عن تلك الأغنية التي تدور حول قصة حب أسطورية بين زەر وحبيبها وهي اغنية واسطورة كردية، ليواجه سلطة الأب القمعية التي ترفض مجرد لفظ كلمة كوردية للتعبير  عن الأغنية، فكيف به يسمح بالتعبير عن هوية انسانية اكتشف الحفيد انه جزء منها.

 

هنا تكون الانقلابة ويجري التحول الحقيقي في مسار الشخصية التي تبدأ برحلة بالقطار لدلالة الانتقال والتغيير فيتغير المكان ومعه يتغير ايمان الشخصية باحقية الهوية الكوردية بالوجود من خلال السؤال المتكرر  عن الاغنية والقصة الفلكلورية التي بدأتها الجدة لينهيها عجوز على متن القطار.. وعزز هذا من خلال الورقة التي رماها البطل من شباك القطار تزامنا مع تخيلاته لطفولة جدته في العشرينيات وهي تؤخذ طفلة إلى تركيا، ليتخلى بذلك عن حياته السابقة ويتابع رحلة البحث عن الهوية، ليمر على مناطق كردستان تركيا التي يستعرضها لنا المخرج بلقطات عامة منتقلا من قرية إلى أخرى إلى ان يصل إلى القرية الأصلية التي نبعت منها قصة الحب وانتهى عندها الفلم بلقطة أشبه ماتكون بالحلم والامل بحياة جديدة للجيل الجديد التي وظف فيها المخرج الماء الذي هو أصل الحياة لينتهي الفيلم به مثلما ابتدأ به أيضا.

 

أفلح المخرج والسيناريست في اختيار القصة وطرح القضية الكردية من خلال اغنية وقصة حب، إلا انهما وقعا في العديد من التكرارات التي يمكن الاستغناء عنها في بنية الفلم، ومع هذا فكان الحرص واضحا جدا في التعبير عن المراد بلغة صورية دقيقة نفذت بتصوير جيد ولقطات جميلة وممتعة، لولا طول الفيلم لما دخل الملل إلى نفس المشاهد أبدا وهو يتابع رحلة الألم المقرون بالحياة والحب، رحلة ژان.

 

إقرأ أيضا