أعتقد أن نادية مراد، الضحية التي اضطهدها واغتصبها مجرمو داعش مع المئات وربما الآلاف من بنات طائفتها ضمن مئات الآلاف من العراقيات والعراقيين، أساءت بزيارتها الى إسرائيل العنصرية الى أهلها المظلومين والمستهدفين وطائفتها اليزيدية قبل أي طرف آخر، لأنها بحماقتها هذه حملتهم مسؤولية خطيرة ومجانية عن هذه الزيارة وأعطت للتكفيريين والعنصريين المعادين لليزيديين مبررا رخيصا مع أنه زائف من حيث الجوهر لتهجماتهم وأفعالهم التي حدثت أو التي ستحدث لهم مستقبلا.
لقد أخطأت خطأ نادية مراد جسيما بقيامها بهذه الزيارة إلى كيان عنصري تقوده حركة فاشية ورجعية هي الحركة الصهيونية، لأنها شخصية عامة وقد أصبحت تحمل رمزية هائلة. السيدة مراد انحازت وهي المظلومة إلى حركة صارت دولة ظالمة تمارس ممارسات داعش نفسها، فقد استولت إسرائيل على وطن شعب آخر وطردت نصفه وما يزال الملايين من هذا الشعب يقيمون في مخيمات اللجوء. ثم أنها قامت بزيارتها في الأيام التي يقوم بها هذا الشعب المظلوم بانتفاضة سلمية دفاعا عن مقدساته ضد إسرائيل الصهيونية النووية التي تطالب ايوم الجميع باعتبارها دولة يهودية.
لو كانت نادية مراد قامت بزيارتها إلى إسرائيل قبل أن تكتسب هذه الرمزية لما اهتم بها أحد فقد سبقها الكثيرون فما زادوا (في الإسلام خردلة ولا الصهاينة لهم شغل بحنون)، ولكن زيارة هذه المرأة الضحية اليوم ألحقت ضررا بأهلها وسمعتهم كطائفة مضطهدة ومستهدفة. إنني لأعجب وأستغرب حقا لمن لا يوجه كلمة نقد واحدة لصاحبة الفعلة القبيحة بل يوجه كل النقد لمن تحفظ أو رفض زيارة هذه المرأة الى الكيان الصهيوني العنصري، أو قام بردة فعل في أمر يعود له وهو صاحبه (مثال ذلك الكاتب العراقي وارد بدر السالم الذي سحب إهداء روايته “عروس سنجار” إلى نادية مراد، ويبقى الكاتب صاحب الحق في كتابه، وهو لم يكن ليهديه إليها لولا رمزيتها المأساوية الإنسانية وربما يكون من حقه ان يعتبر أنها خانت مبرر الإهداء بانحيازها للطرف الصهيوني الذي يضطهد شعبا آخر). وأعجب أكثر ممن راحوا يبحثون عن مبررات ويقومون بمقارنات لا معنى لها وتكشف لنا عن مستوى مخجل من الترهل الفكري والسياسي، فقد قارن أحدهم بين زيارة نادية مراد إلى برلمان الدولة الصهيونية وبين زيارة الشيخ أمين الحسيني إلى ألمانيا النازية ولقائه بهتلر، أو بالتذكير أن المرحوم رشيد عالي الكيلاني زار هتلر ويتناسى هذا البعض الذي يحسب نفسه على اليسار أن الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين عقد اتفاقية كبرى مع هتلر النازي سنة 1936! ومع ذلك فمأساة اليزيديين وغير اليزيديين من ضحايا داعش التكفيرية تبقى مأساة إنسانية وعارا على جبين من ارتكبها ومن ساندهم أو سهَّل لهم ارتكابها فهرب من ميدان المعركة وترك أهالي سنجار الأبرياء لقمة سائغة للمجرمين التكفيريين، ويبقى الدفاع عن اليزيديين وجميع ضحايا داعش مهمة نبيلة ولن تغير من طبيعة هذه المأساة والمهمة زيارة نادية أو غيرها الى إسرائيل العنصرية المجرمة بحق شعب آخر، أما الذين استغلوا حماقة نادية مراد ليسيئوا إلى اليزيديين ككل فلا يستحقون الرد لأنهم من قماشة داعش وإسرائيل العنصرية الطائفية ذاتها.
وأخيراً، فليس لنا سوى أن نقول لنادية مراد وأمثالها ومَن يبرر لها فعلتها هذه: لقد خنتم أصدقاءكم الذين تضامنوا معكم تضامنا إنسانيا عميقا ومتجردا حين اصطففتم مع جلادينا وانحزتم إليهم وأعطيتموهم شرفا لا يستحقونه هو شرف التضامن مع ضحايا الاضطهاد وهم الذين يضطهدون شعبا بكامله ويمنعون نصفه من العودة إلى وطنه منذ أكثر من نصف قرن وحتى اليوم!