ممرضة تروي لـ”العالم الجديد” معاناة “الجيش الأبيض” وخفايا مدينة الطب ببغداد

“يحملوننا مسؤولية كل شيء”، بهذه الكلمات اختصرت الممرضة الثلاثينية “مريم” معاناة زملائها في ظل أزمة…

“يحملوننا مسؤولية كل شيء”، بهذه الكلمات اختصرت الممرضة الثلاثينية “مريم” معاناة زملائها في ظل أزمة تفشي فيروس كورونا، مع المصابين بالفيروس والمرضى الاخرين، علاوة على نقص الخدمات الاساسية في المستشفيات.

وشهد الواقع الصحي في العراقي إرباكا كبيرا بسبب تفشي فيروس كورونا، وجرت الكثير من المشاكل في إدارة الأزمة، سواء في تجهيز المستشفيات بالمواد اللازمة او اجهزة الفحص المختبري، حيث حدثت اخطاء كثيرة في نتائج “المسحة” الخاصة بالكشف عن الفيروس، وآخر تلك المشاكل هي أزمة الاوكسجين التي عصفت باغلب المستشفيات وخاصة في ذي قار.

مريم.. الممرضة المقيمة في مدينة الطب، تحدثت لـ”العالم الجديد” عن خفايا ما يجري في المستشفيات، قائلة بصوت أنهكه التعب “معاناة كبيرة نعيشها يوميا، نتحمل لائمة أي نقص في المستشفى”.

وتتابع “وصلنا قبل ايام شخص متوفي بكورونا، وعندما أبلغنا ذويه انه متوفي قبل إيصاله للمستشفى اتهمونا بقتله، وحملونا المسؤولية”.

وتعد مدينة الطب وسط بغداد، من أهم المدن الطبية في العاصمة، وافتتحت في العام 1970، لتضم 7 مستشفيات تخصصية، وشهدت في ظل الازمة الحالية ثقلا كبيرا باستقبال حالات الاصابة بكورونا.

المدينة الطبية العملاقة، باتت اليوم عاجزة عن توفير سرير لأي مريض، وبحسب الممرضة “مريم” فانها تقول “لا يوجد لدينا سرير لاستقبال مريض جديد، ونعاني من نقص الأسرة المتوفرة”.

وتوضح “نعاني من تقدير الناس لهذا الوضع الذي نمر به، فعندما نبلغ أحد المصابين بان يذهب لمستشفى اخر، نظرا لان مرضه بسيط ويستطيع التنقل، ندخل بمشاكل كبيرة معهم”، لافتة “ليس لدينا سرير لعمل تخطيط قلب لأي مريض”.

وتقول “لا يوجد لدينا مكان للمشي في أروقة المستشفى، فهي مزدحمة بالكامل، وندخل يوميا بمشاكل كبيرة مع المرضى، ونحاول أن نقنعهم بالذهاب لمستشفيات أخرى لاجراء الفحوصات، حيث تكون الردود سلبية دائما لنا نحن الاطباء، إذ أن أجدهم قال لي (عدلي أسلوبك)، لمجرد أنني أبلغته بعدم وجود سرير فارغ لاستقباله”.

من المسؤول؟

وتشير مريم الى أن المستشفى تفتقر للكثير من المستلزمات الطبية غير المتوفرة، وأبرزها الأوكسجين، وكل هذا يتحمله الطبيب من وجهة نظر المصابين والمرضى، وبالاضافة الى هذا فهناك نقص في أعداد الممرضين، مبينة أن “أعدادهم جيدة صباحا، رغم اختفاء أغلبهم وندخل بداومة البحث عن ممرض عندما نحتاجه، فلا نعلم أين يختفون فجأة، لذا ففي المساء تظهر لدينا أزمة حقيقية، بفعل وجود ممرض واحد لكل 20 مريضا”.

وتشير الى ان “المستشفى تعاني أيضا من نقص كبير في الأوكسجين، كما تعاني من الانفلات، فهناك عشرات المرافقين مع كل مريض، ويحاول رجال الامن إخراجهم لكن دون جدوى”.

وتضيف “المشاكل التي نتعرض لها يوميا لا عد لها، خاصة وان ما يجري داخل المستشفى ليس من مسؤولية الطبيب، فنقص الاوكسجين والاسرة وكوادر التمريض مساء، ليس من مسؤوليتنا، بل مسؤولية الادارة”.

حالة مجهولة

وتروي الممرضة “مريم” حالة رجل مسن في المستشفى، مصاب بسرطان الرئة وفشل القلب، مع احتمال اصابته بكورونا، وتقول “منذ 3 ايام وهو يرقد في المستشفى، وعندما نسأله عن ذويه يجيب بانهم سيأتون قريبا”.

وتلفت “بقينا نحن الاطباء نرافقه ونعتني به، وهو يعاني من ضيق في التنفس، وبعدها اتصلنا من هاتفه برقم مسجل تحت اسم (أخي)، وعندما أبلغناه بحالة شقيقه، أجاب (أنتم غلطانين فلا أملك هكذا أخا)، وهذه الإجابة هي ذاتها التي تلقيناها من رقم هاتف آخر من المفترض ان يكون لشقيقته”.

واستطردت “قمنا لهذا الرجل المسن بكل الواجب المطلوب، ولكن لو توفي فاننا نتوقع أن يظهر له أهل قد يقومون باتهامنا بقتله وإهماله”.

وبسبب تنامي عدد الاصابات في العاصمة خصوصا، تزايدت أعداد المستشفيات التي فتحت أجنحتها للحجر الصحي لمصابي كورونا، من بينها مستشفيات الشيخ زايد وابن النفيس والنعمان وابن الخطيب وغيرها.

وحول طبيعة الحجر الصحي، يقول معاون طبيب في مستشفى ابن الخطيب جنوب شرقي بغداد، رفض الكشف عن هويته، إن “الحجر الصحي ليس بالمستوى المطلوب، فلا توجد غير بعض العقاقير المهدئة والفيتامينات، والتي يمكن لأي أحد أن يتعاطاها في المنزل”.

ويضيف في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الطعام الذي نقدمه للمحجورين متوسط، ومن شأنه أن يمكن المصابين من تجاوز أزمتهم إن لم تكن هناك أية مضاعفات صحية تذكر”، لافتا الى “إصابة 70 بالمئة من الكوادر الطبيبة والعناصر الأمنية للمستشفى، نتيجة ملامستهم مصابين بالفيروس”.

ويلفت الى أن “أكبر تحدٍ يواجه الكوادر الطبية هو عدم تعاون المصابين أو ذويهم، وينكرون ملامستهم لمصابين اخرين، ما اضطر للتشخيص العشوائي بسبب ثقافة النبذ التي تنتشر داخل المناطق الشعبية خصوصا”.

ويعزو الأمر الى أن “كثيرا من الملامسين يرفضون الخضوع للحجر الصحي بسبب الانطباع السيئ للتعامل مع المصابين بسبب كمية التأثير الاعلامي الخاطئ، فهناك من استسهل التعامل مع جائحة كورونا دون الاعتماد على بيانات وزارة الصحة”.

وسجلت وزارة الصحة اليوم الثلاثاء، 1958 اصابة جديدة بفايروس كورونا ليبلغ المجموع 49 الف و109 حالات، بالاضافة الى 104 حالات وفاة لترفع العدد الاجمالي للوفيات الى 1943 حالة.

*يعد هذا المحتوى جزءا من مشروع قريب الذي يهدف إلى تعزيز التماسك الاجتماعي وتقريب وسائل الإعلام من المواطنين في منطقة الشرق الأوسط. تم إنتاجه بدعم من الوكالة الفرنسية لتطويرالإعلام والوكالة الفرنسية للتنمية.

Image

إقرأ أيضا