أرقام صادمة وأرباح فاحشة لـ”تكسي المطار”.. لماذا يتحمل المسافر كلفة الأمن الباهظة؟

“لم أكن أتوقع بقاء الوضع على ما هو عليه في مطار بغداد دون تغيير”.. بهذه…

“لم أكن أتوقع بقاء الوضع على ما هو عليه في مطار بغداد دون تغيير”.. بهذه الجملة يعبر عمار الربيعي (47 عاما)، عن انزعاجه مما شاهده في مطار بغداد الدولي حال عودته إلى البلاد بعد مغادرتها قبل 6 أعوام، ليستقل بعد ذلك عجلتين، الأولى أقلته من محيط المطار إلى ساحة عباس بن فرناس، والأخرى منها إلى مقر سكنه في العاصمة.

ويروي الربيعي، ما واجهه في المطار لـ”العالم الجديد”، قائلا “لم أتوقع أن أجد ذات الإجراءات في المطار الذي غادرته آخر مرة في العام 2016، بل كنت أتوقع وصول عجلات الأجرة إلى بوابة المطار كما هو الحال في مطارات العالم، لاسيما وأن البلاد تشهد تحسنا أمنيا ملحوظا، عززه إعلاميا قدوم مشاهير ونجوم وسواح أجانب”.

ويردف أن “المزعج في المطار، هو إحساسك بأنك أسير شركة معينة، تفرض عليك استخدام سياراتها، وتفرض عليك الأجرة التي ترغب بها من دون منافس، فيما لا يحق لعائلتك أو أصدقائك أن تستقبلك بسيارتهم الخاصة”.

ويؤكد “في كل مطارات العالم لا يوجد مثل هذا النظام، فقد سافرت كثيرا وتجولت، لكني لم أشاهد هذا الأمر، رغم أن خدمة التكسي موجودة في كل المطارات، لكنها ليست إلزامية على كل المسافرين، كما أن تعرفة التكسي معروفة”.

يذكر أن مطار بغداد الدولي يخلو من سيارات الأجرة، باستثناء تلك التابعة لشركة تدعى “تكسي المميز”، التي تحتكر الخدمة فيه، وقامت بتوقيع عقد مع سلطة الطيران المدني في العام 2020، وذلك بعد انتهاء عقد الشركة السابقة “تكسي بغداد”، والتي أثارت جدلا واسعا بسبب الاحتكار وغلاء الأسعار.

ومنذ سنوات، أثار افتتاح مشروع تكسي المطار، لغطا كبيرا بسبب الأسعار الفاحشة التي تفرض على المسافر، وحرمانه من الوصول بسيارته الخاصة إلى البوابة، فضلا عن منع دخول سيارات الأجرة العامة للمطار، وتوقفها في ساحة عباس بن فرناس، وهي أقرب نقطة للمطار ومدخله.

وكان وزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار، قد كشف العام الماضي في حديث متلفز عن خفايا ومخالفات قانونية في عقد تكسي المميز، حيث قال إن “شركة المسافرين والوفود التابعة لوزارة النقل، هي المعنية بنقل المسافرين للمطار، وعند التعاقد مع شركتي تكسي بغداد والمميز، انعكس سلبا على الشركة وقلل أرباحها”.

وبحسب عبد الجبار، الذي سرد تفاصيل كاملة، فإن “تكسي بغداد كان عقده مع وزارة النقل، وتحديدا مع شركة المسافرين والوفود، كون المطار من اختصاصها، وبحسب العقد فإنه عند انتهاء العقد تقوم الشركة بتسليم 500 سيارة بحوزتها الى الشركة الحكومية، وبعد نهاية العقد رفضت الأخيرة تجديد العقد، الأمر الذي جعل شركة تكسي المميز التوجه إلى سلطة الطيران المدني وأبرم معها عقدا، رغم أنه خارج صلاحياتها، إذ أن سلطة الطيران المدني وبحسب قانونها لا يحق لها إبرام هكذا عقود”، مستطردا “هل يعقل أن تكون عجلات شركة نقل المسافرين ممنوعة من دخول المطار وتكسي المميز يعمل فيه”.

الى ذلك، يوضح عضو لجنة الخدمات النيابية النائب السابق، عباس يابر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عجلات نقل المسافرين من المطار ولداخله، كانت تحت سلطة شركة المسافرين والوفود التابعة لوزارة النقل، وكانت هناك ملاحظات حول الكادر والاسعار، وقد جهزت لجنة الخدمات ملفا كاملا حول الموضوع، وعندما تحول الأمر الى الشركات أيضا جهزنا ملفا، لكن كل هذه الملفات لم يتخذ فيها أي إجراء سوى الإحالة للتحقيق فقط”.

ويؤكد يابر، أن “هناك الكثير من شركات التكسي، وأن هذه العقود غير صحيحة وعليها الكثير من علامات الاستفهام، بداية من الأسعار المرتفعة والخلل في تنظيمها، وهي تعد هدرا للمال العام من دون تحقيق الهدف الحقيقي من وجودها”.

أرقام صادمة

وحاولت “العالم الجديد” الحصول على توضيح من شركة “تكسي المميز”، دون جدوى، لكن مراسلها تمكن من الوصول إلى أحد السائقين في الشركة، والذي أوضح الأمر بدوره قائلا “لدى الشركة 25 عجلة نوع ستاركس (7 ركاب) تعمل على نقل المسافرين من بوابة المطار الى ساحة عباس بن فرناس، وهي النقطة الفاصلة مع عموم العجلات في شوارع العاصمة”.

ويردف السائق الذي رفض الكشف عن هويته، أن “هناك أكثر من 90 سيارة أخرى نوع توسان (صالون)، تعمل على نقل المسافرين لمناطق سكناهم، أي أن عملها يقتصر على نقل المسافرين إلى مناطق سكناهم”.

وبشأن أجرة عمل السائق، يوضح أن “الشركة تمنح السائق راتبا شهريا ثابتا قدره 350 ألف دينار (نحو 240 دولارا)، بالإضافة إلى عمولة 5 آلاف دينار (نحو 3.5 دولارات) عن كل مرة ينقل فيها الركاب من وإلى ساحة عباس بن فرناس”، مبينا أن “معدل عمل كل سيارة (بين المطار وساحة عباس بن فرناس) طوال اليوم في المتوسط يصل 15 مرة ذهابا وإيابا”.

ووفقا لهذه الأرقام، وبناء على ما يدفعه الراكب من أجرة للتنقل بين بوابة المطار وساحة عباس بن فرناس، تبلغ 8 آلاف دينار (نحو 5 دولارات)، ونقله بالعكس (من الساحة إلى المطار) بـ10 آلاف دينار (نحو 7 دولارات)، قامت “العالم الجديد” بعملية جرد حسابية بسيطة، لتظهر أن إيرادات كل عجلة من العجلات الـ25 فقط يبلغ ذهابا وإيابا نحو 126 ألف دينار (نحو 93 دولارا)، وعند ضرب هذا الرقم بمتوسط مرات الذهاب والاياب (وهي 15 مرة)، بعدد العجلات (البالغ 25)، فإن الإيراد اليومي سيتخطى الـ47 مليون دينار، ومليار و400 مليون دينار كل شهر، فيما تبلغ الإيرادات السنوية نحو 17 مليار دينار (أكثر من 11 مليون دولار).

وقد حاولت “العالم الجديد” الحصول على رد من سلطة الطيران المدني وشركة النقل الداخلي في وزارة النقل، لكن دون جدوى.

وفي ظل هذه الإجراءات التي تعزى لأسباب أمنية، يبين الخبير الأمني عدنان الكناني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “مسألة نقل المسافرين من مطار بغداد، يفترض أن تحال الى القطاعين العام والخاص، ويتم تشغيل الراغبين بالعمل ممن يمتلكون سياراة أجرة بمواصفات مقبولة دوليا”.

ويؤكد الكناني، أن “الأمر يحتاج أشخاصا يتم تدقيقهم أمنيا، ليتحملوا مسؤولية نقل المسافرين من المطار إلى محل سكناهم وبالعكس، وهذا يمكن أن يتم عبر شركة مشتركة بين القطاعين الخاص والعام تحقق فرص عمل لشريحة كبيرة من الشباب، وبنفس الوقت نحقق الأمن”.

ويشير إلى أن “بعض الشركات مرتبطة بجهات معينة، وربما البعض يحاول الحصول على مبالغ كبيرة ولايهمه المواطن، إذ يفترض أن تكون الأسعار معقولة وتنصف المواطن وسائق العجلة”، مبينا أن “هناك أحزابا سياسية عبارة عن مافيات حاولت أن تسيطر على جميع مفاصل الحياة، ومنها المطار”.

يشار إلى أن تكسي المميز، أبرمت عقدها مع سلطة الطيران المدني، في أواسط العام 2020، أي خلال تسلم مصطفى الكاظمي لرئاسة الوزراء، لتحل محل شركة تكسي بغداد، التي كانت متعاقدة مع شركة المسافرين الوفود التابعة لوزارة النقل.

وترتبط سلطة الطيران المدني برئاسة الوزراء مباشرة، بعد فصلها عن وزارة النقل قبل سنوات.

إقرأ أيضا