الإجهاض يعصف بالنساء.. ومختصون يتحدثون عن أسباب تناميه

“شعرتُ بأنني قاتلة، تخيلت نفسي أمسك بطفل بريء وأخنقه بيدي، كانت وجوه الأطفال الصغار تمر…

“شعرتُ بأنني قاتلة، تخيلت نفسي أمسك بطفل بريء وأخنقه بيدي، كانت وجوه الأطفال الصغار تمر أمام عيني، وأرى ابتساماتهم، وأبكي”، هذا ما شعرت به هناء خالد (27 عاما)، وهي تجهض نفسها بـ”السر” دون معرفة زوجها.

وتوضح في حديثها لـ”العالم الجديد” عن تلك التجربة بالقول “أقدمت على الإجهاض منذ عامين، ولغاية الآن لم أشعر بالذنب، أعاني نفسيا كل ما اتذكر تلك اللحظة، هذا الشعور لم يفارقني حتى اللحظة”.

وعن أسباب إقدامها على الإجهاض، تبين “كانت بيني وبين زوجي مشاكل كثيرة، وكنت أفكر بالانفصال، وحدث الحمل بشكل غير متوقع، رغم أني كنت أستخدم وسائل منع الحمل، وهي الحبوب، لذلك كنت حريصة على مراقبة حالتي شهريا، وعندما أحسست بأني حامل ذهبت وأجريت تحليل الدم وكانت حسب توقعي، سارعت إلى شراء حبوب خاصة بالإجهاض من إحدى الصيدليات دون علم أحد، وذلك في الأيام الأولى للحمل حتى لا أتعرض لمضاعفات خطيرة لو طالت فترة الحمل”.

وإلى جانب قصة هناء خالد، فلدى سميرة محمد (30 عاما)، قصة أخرى مع الإجهاض، إذ تروي لـ”العالم الجديد” حكايتها قائلة “لم يكن أمامي خيار غير الإجهاض، فأنا مطلقة منذ 6 سنوات وأسكن في منزل والدي، وتزوجت في السر من رجل متزوج”.

وتضيف سميرة (وهو اسم مستعار)، أن “الاتفاق بيني وبين زوجي كان هو عدم الإنجاب، وقد وعدني بأن يأتي لخطبتي بشكل علني من والدي، بعد أن ينهي بعض المتعلقات لديه، لكن حدث ما ليس بالحسبان، حيث حملت على الرغم من أخذ الاحتياطات اللازمة، ما شكل لي أزمة في بداية الأمر، وشعرت برعب شديد وأحسست بأني أقرب للموت، لأنه في حال معرفة أهلي بالأمر، فسأقتل على الفور”.

وتؤكد “ساعدني زوجي بالأمر، وحصل على حبوب منع الحمل بطريقة معينة، واستخدمتها دون أن يشعر أي من أهلي بالأمر، فما جرى نتيجة لاستخدام الحبوب، هو أشبه بالدورة الشهرية، لكن مع آلام مضاعفة تحملتها وأنا صامتة”.

وحول هذا الأمر، تعلق الطبيبة الاختصاص بالأمراض النسائية نور لميع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أسباب الإجهاض كثيرة، منها عدم وجود وعي بطرق استخدام وسائل منع الحمل، وأغلب المراجعين يقولون إن الحمل حصل دون قصد، إضافة الى الفقر، فهناك عائلات لديها أكثر من 4 أو 5 أطفال، كما لا ننسى المشاكل العائلية، بالتالي فكل هذه العوامل تدفع النساء أو الأزواج إلى اتخاذ قرار الإجهاض”.

وتضيف لميع، أن “عمليات الإجهاض تجرى بشكل مبطن وسري في بعض العيادات الخاصة، ولكن في الوقت الراهن، ومع وفرة الأدوية الخاصة بالإجهاض، وهي عبارة عن حبوب، بات الذهاب إلى العيادات وعمل الكورتاج قليلا، فهذه الحبوب باتت تباع بالصيدليات، ولكنها لا تعطى إلا بوصفة طبيب، باستثناء بعض الصيدليات التي تبيعها دون وصفة بشكل سري”، لافتة الى أن “هناك حالات تمر علينا في المستشفى لنساء تناولن تلك الحبوب دون وصفة، ما يتسبب لهن أحيانا بنزيف لا نستطيع السيطرة عليه”.

ويعتبر الإجهاض جريمة في القانون العراقي، على عكس بعض البلدان الغربية التي شرعته لأسباب عديدة، وبحسب الخبير القانوني احمد العبادي، فإنه يوضح خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عقوبة الإجهاض، وكما وردت في المادة 417 من قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، فهي السجن لمدة سنة واحدة أو غرامة مالية، وهذه العقوبة تنطبق على من ينفذ الإجهاض أيضا، وتعتبر ظرفا مشددا، خاصة إذا كان طبيبا أو صيدلانيا أو كيمياويا أو قابلة مأذونة”.

ويؤكد أن “العقوبة تطال أيضا المرأة التي حملت سفاحا وأجهضت نفسها، وتعتبر ظرفا مشددا أيضا، حتى وإن كانت تحاول أن تتقي العار”، مبينا “لكن هذه العقوبة تعتبر خفيفة ولا تتناسب مع حجم وجسامة هذا الفعل وخطورته على المجتمع”.

ويشهد البلد أزمات عديدة على المستوى الاجتماعي، منها ارتفاع حالات الطلاق وزواج القاصرات والزواج خارج المحاكم، فضلا عن انتشار ظاهرة تعدد الزوجات بعد التحسن الاقتصادي لبعض شرائح المجتمع، بمقابل ارتفاع نسب الفقر بشكل عام، وتحاول أغلب الجهات المختصة ومنها القضاء العراقي وضع حد لبعض هذه الإشكالات لكن دون جدوى.

كما تنتشر الى جانب هذه الأزمات، ظاهرة “غسل العار”، المتمثلة بقتل المرأة في حال إقامتها علاقة خارج الزواج، وغالبا ما تسجل حالات القتل هذه على أنها انتحار، أو تكون عقوبتها مخففة بالنسبة للجاني.

وتغزو البلد، ظاهرة انتشار الأدوية دون رقابة وبيعها بشكل غير قانوني، نظرا لوجود منافذ حدودية كثيرة غير خاضعة لسيطرة الدولة، ووفقا لتقرير سابق لـ”العالم الجديد” فإن مئات الأنواع من الأدوية تدخل البلد في إقليم كردستان بأسعار بخسة وبعضها منتهي الصلاحية، في ظل عدم وجود رقابة حقيقية على الصيدليات التي تبيع الأدوية.

وفي الجانب الرسمي، فإن عضو الفريق الإعلامي لوزارة الصحة ربى فلاح تبين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك عمليات إجهاض تجرى بشكل رسمي، وهي متعلقة بحالة المرأة الحامل، حيث تتم متابعتها من قبل المراكز الصحية، وإذا وجد الأطباء أن الجنين مهدد بالإسقاط أو يشكل خطورة على صحة الأم، فيتم تحويلها الى المستشفى ويجرى الإجهاض تحت إشراف طبيبة نسائية”.

وتوضح فلاح، أن “من الأسباب الأخرى للإجهاض، إذا كان الطفل يعاني من تشوهات خلقية أو حصل تدخل خارجي، يحتم على الأم إنهاء الحمل، وهذه تعرض على لجان أخصائية ولجان استشارية والأخذ برأي أكثر من طبيب مع وجود لجنة، وهي من تقرر إنهاء الحمل أو لا بناء على خطورته”.

وبشأن وجود عيادات خاصة بالإجهاض غير رسمية وانتشار حبوب الإجهاض، تؤكد أن “لدى الوزارة قسم تفتيش بالإضافة الى نقابة الأطباء، فهي لديها أقسام مخصصة ومسؤوليتها مراقبة ومتابعة سير العمل في المراكز الطبية الأهلية حسب الضوابط والقوانين المعمول فيها”. 

اجتماعيا، تعزو الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، قضية الإجهاض الى “أسباب عدة بينها الظروف المادية السيئة جداً، أو تعنيف الزوجة من قبل زوجها وعدم رغبتها بالإنجاب منه، أو هو الاكتفاء بعدد محدد من الأطفال، وبالتالي فإن أي طفل إضافي قد يكون عبئاً عليهم، بالإضافة الى قلة الوعي الصحي، وغياب الرادع الديني، كون جميع الأديان حرمت الإجهاض، باعتباره قتلا لنفس بريئة دون ذنب”.

وتلفت الفيلي “إذا كان الزوج والزوجة لا يرغبان بإنجاب الأطفال فهناك عدة خيارات يمكن استخدامها لعدم الإنجاب، وهذا يحتاج إلى وعي”، مناشدة “منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بأخذ دورها في توعية المجتمع بهذا الخصوص”.

وتحذر من الزواج المبكر لانعدام الوعي بين المراهقين الذين يقدمون على الزواج، منبهة الى “ضرورة زيادة ثقافة المجتمع عبر العديد من الطرق والبرامج”.

إقرأ أيضا