لماذا تريث السوداني بتغييراته الأمنية؟

مرة أخرى تفرض الزعامات السياسية قرارها على المؤسسة الأمنية، وتتسبّب بتعطيل تغييرات على مستوى قيادات…

مرة أخرى تفرض الزعامات السياسية قرارها على المؤسسة الأمنية، وتتسبّب بتعطيل تغييرات على مستوى قيادات عليا، حسب ما كشف مصدر مطلع، لكن هذا التدخل جوبه برفض وهجوم حاد من قبل ضابط رفيع سابق، وأكد أن تلك التدخلات ستؤثر على أمن البلد وتضر بسمعة المؤسسة العسكرية، إلا أن لجنة الأمن والدفاع النيابية نفت وجود تدخلات سياسية بالتغييرات الأمنية.

ويقول مصدر أمني مطلع خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك أخبارا جرى تداولها قبل أيام تفيد بإجراء تغييرات في مناصب القادة الأمنيين بوزارة الدفاع، ومنها تغيير قائد عمليات كركوك وقائد عمليات ديالى وقائد الفرقة الثامنة وأمين سر الاستخبارات والأمن، لكن ما جرى على الواقع مختلف تماما”.

ويوضح المصدر أن “هذه التغييرات لم تطبق وصدر أمر من وزير الدفاع بالتريث بسبب الضغوط التي تعرض لها، وما طبق منها فقط هو إحالة قائد عمليات كركوك إلى الإمرة”، مبينا أن “الضغوط التي حصلت هي من الزعماء السياسيين، وهناك قائدان من المشمولين أكدوا في أحاديث خاصة تدخل زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لغرض إبقائهم بمناصبهم”.

وكانت “العالم الجديد” كشفت قبل أيام عن ترشيح شخصية مقربة من وزير الداخلية عبدالامير الشمري، لمنصب مديرية الاستخبارات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع، لاسيما وأن المرشح تحوم حوله شبهات بسبب إقالته من مناصب عدة سابقة بسبب إخفاقه.

وتشهد المناصب العليا في الوزارات، بما فيها الأمنية، تقاسما على أساس المكونات الرئيسة (الشيعة والسنة والكرد)، تحت مسمى “التوازن”، وهو ما تضمنه الدستور العراقي، وغالبا ما توزع الحصص حسب الثقل السياسي للكتل السياسية الممثلة لكل مكون، ومدى نفوذها وقوتها في كل دورة نيابية.

من جانبه، يؤكد الفريق المتقاعد جليل خلف خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “التدخلات الحزبية مستمرة منذ 2003 حتى الآن، وهي حاضرة على الدوام سواء في وزارة الدفاع أو الداخلية، بشكل أضرّ بسمعة الجيش العراقي ووزارة الداخلية”.

ويكمل خلف أن “هذه التدخلات أضاعت الموازين والمعايير الحقيقية، فالكثير من الضباط الذين يتمتعون بالشجاعة والكفاءة ممن قدموا التضحيات ألحقهم الغبن والظلم، لأنهم لا يملكون علاقات أو مصالح مع هذه الأحزاب والشخصيات المتنفذة، ويأخذ تلك المكانة العالية غيرهم من المنتفعين أصحاب العلاقات ممن تربطهم روابط وولاءات للأحزاب”.

ويؤكد أن “قرارات رئيس الوزراء لابد من تنفيذها على الجميع، لأن تنفيذها على بعض القادة دون آخرين سيؤدي إلى التذمر والشعور بالغبن، وسيمنح شعورا بأن القرارات تحمل أجندة واستهدافا لبعض الضباط والقادة”، لافتا إلى أن “هذا الشعور شديد الضرر بالعمل الأمني في البلاد”.

ويدعو الفريق المتقاعد، القائد العام للقوات المسلحة إلى “ضرورة التأني والانتباه أثناء إصدار القرارات، لأن إصدارها ثم إلغاءها يؤدي إلى زعزعة ثقة المواطن بها، والجميع يعلم أنه عندما تتوقف قرارات ما، فهذا يعني أن جهات سياسية متنفذة أو أحزابا تدخلت في هذه الأوامر، ما يعود بالسلب على سمعة القائد العام للقوات المسلحة الذي يجب أن يكون أكثر حزما في إصدار الأوامر ودراستها بصورة دقيقة جدا قبل إصدارها”.

 

ويطالب “الأحزاب والشخصيات المتنفذة لترك وزارتي الدفاع والداخلية وإبعادها عن التدخلات، لأن من مبادئ المؤسسة العسكرية هو الولاء للوطن والدفاع عنه والحرص في اختيار القادة المؤمنين في الوطن فقط وهم القادة القادرون على أداء الواجبات بالصورة المطلوبة”، مشيرا إلى أن “الاستحواذ على القوات الأمنية يعني الاستحواذ على البقية الباقية من البلد، ووفق هذه التدخلات لا تستطيع قواتنا الأمنية أن تقوم بواجباتها”.

جدير بالذكر، أن المصالح السياسية دائما ما تدفع رؤساء الحكومة إلى التراجع عن قرارات التغييرات الأمنية، وهو ما جرى مع رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي لأكثر من مرة، حيث أصدر قرارات شملت تغيير جملة من القيادات الأمنية وسرعان ما تراجع عنها عبر أمر “التريث”، فضلا عن دخول مكتبه بصراع مع وزير الداخلية آنذاك عثمان الغانمي بشأن بعض المناصب في الوزارة وهو ما أجل حسم بعضها. 

يشار إلى أن كركوك شهدت أقسى وأعنف هجمات من قبل تنظيم داعش خلال العامين الماضيين، وخاصة في أقضيتها مثل وادي الشاي وداقوق، وكانت تستهدف الهجمات في أغلب الأحيان قواطع الفرقة الخامسة من الشرطة الاتحادية حتى سميت بـ”فرقة الشهداء” وتناولت “العالم الجديد” عبر سلسلة تقارير ما جرى في كركوك وسلطت الضوء على شبهات الفساد التي تحوم حول القادة الأمنيين فيها وعدم متابعتهم للنقاط المنتشرة في المناطق الساخنة.

إلى ذلك، يبين عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية محمد الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “الحكومة اليوم بصدد تقويم عمل المؤسسة الأمنية لاسيما في ما يتعلق بالقيادات التي تم تكليفها ضمن فترة تصريف الأعمال في الحكومة السابقة”.

ويضيف الشمري أن “رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بصدد تقييم القيادات الأمنية، ليتم منح كل قائد استحقاقه وفقا لإجراءات قانونية معتمدة”، لافتا إلى أن “المهنية ستكون هي معيار التغييرات ولن تكون هناك تدخلات حزبية بنقل القيادات، وإذا ما كان هناك قرار خاطئ سيتم تصويبه أيضاً، لكن العملية ستأخذ وقتا وتتم تدريجيا”.

وتدور في الكواليس معارك سياسية تستخدم فيها أوراق القوة والضغط من أجل الحصول على مناصب الدرجات الخاصة في الوزارة، التي كان ائتلاف رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي يستأثر بها بسبب صلاحياته الواسعة ونفوذه السابق، الأمر الذي شجع الكتل السياسية الأخرى على تقاسم تركته من تلك الدرجات، خصوصا في الدورة البرلمانية الماضية التي تصدرتها كتل أخرى.

إقرأ أيضا