أكبر تخصيصات بيئية في تاريخ الموازنة.. حلول جذرية أم ترقيعية؟

في ظل تفاقم أزمة الجفاف والتغير المناخي، كشفت وزارة البيئة عن تخصيص 7 مليارات دولار…

في ظل تفاقم أزمة الجفاف والتغير المناخي، كشفت وزارة البيئة عن تخصيص 7 مليارات دولار في الموازنة العامة للوزارات القطاعية المعنية بالبيئة، بغية تنفيذ البرامج الخاصة بالمناخ، لكنها في نفس الوقت، أكدت أن مشاريع البيئة تحتاج إلى وقت طويل وأموال كبيرة، إلا أن خبيرا بيئيا وصف هذا التخصيص بأنه “إجراء ترقيعي”، وشدد على أن البلد بحاجة إلى استراتيجيات كبرى تخص التغير المناخي.

ويقول المتحدث باسم وزارة البيئة أمير علي الحسون، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذه الحكومة تعتبر من أفضل الحكومات التي تعاملت مع الملف البيئي، وتزامن تشكيلها مع عودة استقلال وزارة البيئة عن وزارة الصحة، إلى جانب إطلاق وثيقة المساهمة الوطنية التي صادق عليها مجلسي الوزراء والنواب وصادقت عليها الأمم المتحدة، والتي تعتبر خارطة طريق للوزارات القطاعية للانتقال نحو الاقتصاد الأخضر والحلول والبرامج المعنية بتخفيف آثار التغيرات المناخية”.

ويضيف الحسون، أن “الموازنة المقدمة لمجلس النواب حاليا، تتضمن تخصيص 7 مليارات دولار للوزارات القطاعية بهدف تنفيذ برامج خاصة بالواقع البيئي والتغير المناخي، وهذه التخصيصات بعيدة عن نفقات الوزارات العامة”، مؤكدا أن “المؤتمرات التي تعقد في العراق كمؤتمر المناخ في البصرة والمؤتمرات الخاصة بوزارة التخطيط ووزارة الموارد المائية، هذه جميعها اشتركت فيها الجهات الأكاديمية والدولية بإعداد البرامج والخطط والمشاريع، واستطاعت أن تمازج ما بين الدعم القادم من المجتمع الدولي ودعم الأمم المتحدة للعراق في تنفيذ هذه البرامج”.

ويلفت إلى أن “وزارة الكهرباء، أجرت عقودا مهمة في إنتاج الطاقة المتجددة والشمسية، كما أن وزارة النفط ولأول مرة تطرح جولات تراخيص لاستغلال الغاز المصاحب، وهذه جميعها تعتبر من أفضل الخطوات التي لجأت لها الحكومة في تحسين الواقع البيئي، إضافة إلى أن وزارة الزراعة تتجه إلى أن يكون عام 2024، عاما للترشيد وزراعة النباتات الصديقة للبيئة واستخدام الطرق الحديثة في الري، باعتبار أن العراق في حالة جفاف وكثير من الموارد تهدر بسبب طرق الزراعة القديمة”.

ويشير إلى أن “مشاريع البنى التحتية تحتاج إلى أموال كبيرة، والنظام السابق أهمل العراق منذ مطلع الثمانينات، فالبلد الآن متأخر جدا، والدولة حاليا تعوض ما فات قياسا بدول الجوار والدول الأخرى، خصوصا في مشاريع القطاع البيئي، لذلك نحتاج إلى أموال وفترات ليست بالقصيرة لنستطيع أن نغير الواقع في موضوع معالجة مياه الصرف الصحي ومشاريع المياه ومشاريع تدوير النفايات”، مبينا “كما أن البنى التحتية للوزارة متعبة جدًا، فمنذ أكثر من تسع سنوات لم تشهد الوزارة تعيينات جديدة، لكن مؤخرا شملت بالتعيينات، فنحن نحتاج إلى كوادر متخصصة”.

يذكر أن مرصد العراق الأخضر، أصدر يوم أمس، بيانا، أكد فيه أن مشروع قانون الموازنة لعام 2023، لا يوجد فيه أي تخصيص مالي للبيئة، كما أنه يخلو من كلمات التصحر أو الجفاف والتلوث البيئي وحتى تغير المناخ، وأن الأموال المخصصة لوزارة البيئة هي ضمن الموازنة التشغيلية، أي رواتب ونفقات.

وعقد في بغداد، مطلع الشهر الحالي، مؤتمر بغداد الثالث للمياه، وخلال جلسة الافتتاح أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني: اتخذنا الكثير من المعالجات لتقليل آثار ومخاطر شحِّ المياه، وشخّصنا المشكلة المائية مع دول المنبع وأسبابها.. ولقاءاتنا مع المسؤولين بالدول التي نتشارك معها في المياه، تركزت في ضرورة حصولنا على حصتنا الكاملة من المياه، وتكثيف الجهود الفنية لحل الإشكالات دبلوماسيا بعيداً عن لغة التصعيد.

وبين السوداني، أيضا: أن التوجيهات والقرارات ركزت على ضرورة تغيير طريقة الإدارة المائية، والاستخدام الأمثل للمياه، وعدم هدرها.. واتجهت الحكومة إلى الإفادة من خبرات بعض الدول المتقدمة؛ للوصول إلى إدارة رشيدة للمياه، من خلال خطط وبرامج التدريب أو التعاقدات المباشرة أو نقل التجارب الناجحة في هذا الاتجاه.

وبرزت خلال السنوات الأخيرة، أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تمّ تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

وكانت “العالم الجديد”، سلطت الضوء على مشروع الري المغلق، عبر تقرير مفصل، وفيه بين المتخصصون أن هذا الحل يعتبر من أهم الحلول لوقف هدر المياه ووصول النسبة المحددة لموقع الري دون ضياع أي جزء منها، وأشاروا بالمقابل إلى أنه ينطوي على تكلفة مالية عالية ووقت طويل لتنفيذه، نظرا لأنه يتكون من شبكة أنابيب تغطي المساحات الزراعية.

إلى ذلك، يرى الخبير البيئي محمد إبراهيم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الإجراءات الخاصة بالبيئة والتغير المناخي، يجب أن تشمل كافة الوزارات ذات العلاقة، مثل النفط وقضية حرق الغاز، والزراعة والموارد المائية بقضية التصحر، ويكون الإشراف من قبل وزارة البيئة”.

ويوضح إبراهيم، أن “العراق يفتقر للاستراتيجيات الخاصة بالتغير المناخي، فلا توجد إستراتيجية كبيرة بهذا الأمر”، مبينا “حتى لو تم تخصيص مبالغ في الموازنة، فهذا الأمر هو عبارة عن إجراء ترقيعي، ولا يخفف من الأزمة حتى”.

ويتابع أن “البلد بحاجة إلى إستراتيجيات كبيرة، مثلا قطاع النخيل والزيتون، فهذه تتحمل العطش والجفاف، وبنفس الوقت قادرة على التقليل من درجات الحرارة وتساهم بزيادة الأمطار، لكن كل الإجراءات ضعيفة وغير مجدية، كما أن هناك مشكلة، فحتى لو وضعت إستراتيجية فإن تنفيذها بطيء وضعيف”.

يذكر أن مبادرات إنشاء الحزام الأخضر، بدأت في سبعينيات القرن الماضي، كجزء من حملة قامت بها الدول العربية وبمساعدة منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في مرحلتها الأولى، يعمل كمصد للرمال الصحراوية التي تجتاح المدن والأراضي الزراعية، فضلاً عن عمله للحد من الرياح الصحراوية نحو المدن، لكن المشروع توقف بسبب الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988، ومن ثم حرب الخليج، والخلاف العراقي الخليجي.

وكانت وزارة الزراعة، أعلنت في عام 2020، عن حاجة العراق إلى أكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر، بالإضافة إلى إطلاقها مشروعا يرتكز على توزيع الشجيرات إلى البلديات في بغداد والمحافظات ومنظمات المجتمع المدني مجاناً لزراعتها داخل المدن وحولها لتدعيم الحزام الأخضر لمنع زحف الصحراء نحو المدن.

وكانت أمانة بغداد أعلنت، في 4 حزيران يونيو 2022، إطلاق حملة لزراعة عشرة آلاف شجرة في العاصمة كمرحلة أولى من خطة أوسع للتشجير، كما أطلقت مبادرة في نينوى تحت مسمى “الموصل الخضراء” لزراعة مليون شجرة، بتمويل من مركز الأزمات والدعم الفرنسي وبمشاركة أكثر من 1500 متطوع.

إقرأ أيضا