نادٍ للرجال.. يا للعنصرية!

عندما يتم انتقاد النوادي والجوائز الأدبية الخاصة بالنساء، يمكن أن يقتنع أغلبنا بالتبرير الجاهز في الدفاع عن وجودها كمحاولة لاحترام خصوصية المرأة وتجنب تطفل وصفاقة الرجال.

لكن لماذا يوجد ناد للرجال يقترب عمره من 200 سنة في بريطانيا؟ عن أي نوع من العنصرية والغرور نتحدث هنا عندما يتعلق الأمر بنادي “جاريك للرجال فقط” الذي يتخذ من مبنى مدجج بالفخامة، في منطقة كوفنت غاردن بلندن الحافلة بالمسارح ودار الأوبرا، مقرا له.

يتم استبعاد النساء من عضوية نادي الرجال، ويسمح لهن بالدخول كضيفات، لكن عندما يتعلق الأمر بالكرامة عادة ما تمتنع السيدات المعتدات بأنفسهن عن الحضور للنادي، وهو مصدر توتر طويل الأمد تحول أخيرا إلى ضجة كاملة.

تسنى لي الدخول مرة واحدة لهذا النادي الذي تأسس عام 1831 ويضم 1300 عضو من القضاة والممثلين والصحافيين والأثرياء والسياسيين ورؤساء الجامعات، بدعوة لم أكن أترقبها من أحد أعضائه، وشهدت عن كثب تحت وطأة الشغف الصحافي الغطرسة الرجالية الكامنة في هذا النادي، وسط فخامة المعمار والأرائك المخملية واللوحات التشكيلة الثمينة، من بينها بورتريه ضخم لمحمد علي باشا؟ ما الذي جاء به إلى هذا النادي؟

عندما استقال أخيرا سيمون كيس، سكرتير مجلس الوزراء البريطاني، من عضوية النادي، دافع أثناء استجوابه في جلسة استماع برلمانية عن النادي بذريعة أنه كان في نادي الرجال يحاول إصلاح تلك المؤسسة من الداخل بدلاً من رمي زجاجها بالحجر من الخارج! وهي عبارة أثارت ضحكات ساخرة.

كاتب على درجة من الأهمية مثل سايمون جنكينز، الذي يواصل كتابة مقاله الأسبوعي في صحيفة الغارديان، لم يخف من قبل انحيازه ضد النساء عندما سخر من جائزة المرأة للرواية التي كانت تسمى آنذاك جائزة “أورونج” للرواية، واصفًا إياها بجائزة “الليمونة”، دافع عن “نادي الرجال” بذريعة أن للنادي الحق المطلق في تحديد هوية أعضائه.

واتهم جنكينز بعض التغطيات الإخبارية بأنها صورت نادي الرجال بشكل كاريكاتيري باعتباره مكانًا شريرا غامضًا يتجمع فيه الرجال للتآمر ضد النساء.

مع ذلك، فإنه لا يمكن الدفاع عن أي ناد اجتماعي هذه الأيام لا تكون فيه النساء كعضوات.

عند تأمل قائمة أعضاء النادي التي كشفتها الصحافة مؤخرا، تبدو الازدواجية مريعة فنحن نتحدث عن سياسيين وقضاة وفنانين وصحافيين بريطانيين ينادون بالشمولية المجتمعية ورفع التمييز، لكنهم يتقوقعون بصلافة في ناد يعامل النساء كأعضاء من الدرجة الثانية في المجتمع البريطاني.
واحدة من أكثر الذرائع سخفاً لأعضاء هذا النادي الرجالي، أنهم يذهبون إلى هناك لشرب النبيذ المعتق والاسترخاء، وذلك ما يمكنهم من إطلاق النكات الجنسية التي يصعب قولها بحضور النساء!

إنه نوع من الخلل أو الخلل نفسه فالمسؤولون البريطانيون أسوة بغيرهم في الغرب، يمشون على حبال مكشوفة للناس في موقفهم المتناقض بشكل مريع عندما يتعلق الأمر بالعنصرية وتقسيم المجتمع والقطيعة بين الأجيال.

هذه المساحة العنصرية ضد المرأة التي أقتطعها من الواقع البريطاني وأقدمها للقارئ العربي تكشف الازدواجية المريعة بين سياسيين وصحافيين وقضاة ينادون بوحدة المجتمع، بيد أن العيوب التي تكتنف نموذجاً كاملا للافتراضات المجتمعية التي يقوم عليها المجتمع المخملي البريطاني، تكشف لنا كيف أن الليبرالية غير قادرة على تقديم شكل أخلاقي ومستقر لمفاهيم المسؤولية عن الحماية والنظام القائم على القوانين التي تطالب المجتمعات الأخرى باختيارها.

لذلك يبدو المزيج الغريب للمزاعم عن الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان في الصوت السياسي الغربي مملًا ومخيفا بنفس القدر، عندما يتم مثلا الدفاع عن النساء “هناك” ويتم التعامل معهن بازدراء حين يتعلق القول بالنكات الرجالية السخيفة ومعاملتهن كأفراد من الدرجة الثانية “هنا” في معقل الليبرالية البريطانية. فعن أي نوع من العنصرية نتحدث في ناد للرجال فقط؟

أقرأ أيضا