أزمة خليفة السيستاني (3)

 

في باحةِ منزلهِ، قبالة محلة الحويش، تجـدُ رواجاً لطلبة المعارف الدينية، وهذا ليس تمايزاً لمرجعيتهِ على مرجعيات الأقران الآخرين، بقدر ما تشكل باحة منزله أو مدرستهِ (ناستالوجيا) للطلبة الباكستانيين الوافدين إلى النجف، لعلهم يعالجون أنزيمات الاغتراب المتفاعلة في ذواتهم، في ظلِ رعايةِ مرجعيةٍ دينيةٍ يتناغمون مع هويتها المكانية، الكامنة في مرجعية الفقيـه الباكستاني أية لله (الشيخ بشير النجفي). الفقيـه الذي ينتمي روحياً لمدرستي فقيهيّ عصريهما السيد (محسن الحكيم) و السيد (أبو القاسم الخوئي).

 

ذات المرجع النجفي تطبعت بمناخِ وسلوكياتِ البيئة النجفية بما تحمل من تناقضاتٍ مزاجية وتعاملات نفسية، جعلت من ذاتهِ تمتازُ بالانفعالات الحوارية والسلوكيات الحـديّـة، التي تعبر عن صدقيتهِ وذاتهِ إلى حدٍ مـا. لم يعرفه المجتمع المتدين العام إلا في ظلِ غضون اصطراع الحركة الصدرية مع المرجعيات التقليدية، نهاية تسعينات القرن الماضي، حيث نُعـتَ بـ”الباكستاني” وهي صفة أطلقها ورسخها المرجع الشهيد (محمد الصدر)، وهذا ما انبرى له بعض الصدريين ليغالوا في تحقيره لاحقا.. ليس لحوزة النجف مشكلة مع المرجع (النجفي) سوى أنه يشرع دائماً إلى تدريس (الفلسفة) ضمن منهاجه العلمي ودرسه اليومي العام، الأمر الذي ولّـدَ انزعاجاً لدى أساطين الحوزة العلمية، خشية أن ينزلق طلبة العلوم الدينية جراء ذلك الدرس إلى متاهات وجدل المعارف المتضاربة مع الدين. أسهُـمَ منافسـتهِ على البابوية الشيعية ما تزال تشهدُ هبوطاً حاداً، إذا ما قورن بالمرجعين (الحكيم والفياض)، ويعزى ذلك إلى شيوع مرجعيتهِ في باكستان وانحسارها الضئيل في الموطن الأم (النجف)، وتفعيل المرجعيات في الموطن الأخير، يحتاجُ إلى مؤسساتٍ ذات ثقـلٍ (اجتماعي – مالي) تعمل على الترويج والدعاية والاستثمار لصالح المرجع المموّل لها، وهذه ميزة تفتقرُ إليها مرجعية الشيخ (بشير النجفي)، ناهيك عن انتمائه الطبقي إلى الفئـة “المهجّنة” الثالثة، بعد فئتي (العجم والعرب)، وهذا ما أشرنا له في الحلقة الثانية من حلقات أزمة خليفة السيستاني.

 

ومع كل ذلك، قتـلَ الواقع السياسي العراقي مرجعيتهِ مبكراً، لحظة دخول الشيخ (بشير) على خط أزمة الولاية الثالثة وتحريمهِ لانتخاب نوري المالكي والتصويت لصالح “ولدنا” عمار الحكيم (بحسب تصريحه المعروف)، وهو ما أفضى إلى مقتلـهِ إعلامياً، داخل الغالبية الشيعية الصامتة، التي خولت زعيم ائتلاف دولة القانون بتمثيلها بأكثر من مئـة مقعد نيابي خلال الدور النيابية الحالية. دخولٌ أربك زعيم المجلس الأعلى نفسه، بعدما أكل من جرفه لصالح مناوئيه، والقريب من الشيخ (النجفي) يعرف ماهية وقوفهِ إلى جانب خط “آل الحكيم السياسي” الذي يرى فيه الأقرب إلى روحه وفكره، قِبال أتباع الصدر الأول (حزب الدعوة) و أتباع الصدر الثاني (التيار الصدري)، وله الحق في أن لا يرى غير تلك التيارات السياسية الثلاثة، لأنه ينظر إلى واقع البلاد، بعين الفقيه الشيعي الذي تهمهُ مصالح طائفتهِ ومذهبه، التي ضيعها الجميع وعلى رأسها تلك الأحزاب المتحاصصة.

 

أقرأ أيضا