أكاديميون بثقافة مُلائية

 

لم تكـن الطبقة التدريسية في العراق بمعـزلٍ عن كل التحولات الفكرية والسياسية التي دارت في البلاد، بل كانت في صميم تلك التحولات ومرتكزاً أساسياً لمعظم القوى السياسية طيلة القرنّ الماضي. فمن خلال الجامعة كان ينطلقُ تثوير المجتمع، والعمل على خلقِ رأيٍ عامٍ مُعيَّن ربما قد يكون مناهضاً للسلطة، وتكمنُ سببية هذا التثوير بفاعلية الطبقة الأكاديمية التي كانت تُلهم الوسط الجامعي بمختلف الضدّيات الفكرية والتي تلقي بضلالها على سلوكيات التفكير الإيجابي لدى الطلاب وكيفية خلقِ ذواتٍ فكريةٍ متمردةٍ على التراكماتِ الماضوية وراهنية الحاضر.

 

نعترفُ بدّمويةِ العقود الماضية التي شهدّها العراق لكنها بالمقابل أرست شيئاً من القلق المعرفي الذي ساهم في تشكيل الذات العراقية المتمدّنة، فما بين الماركسيين والقوميين والليبراليين، قاسمٌ مشتركٌ تجلى في إصطراعاتهم الفكرية التي أنتجت مجتمعاً ناهماً وهاظماً لمختلفِ قراءاتهم المتصارعة في حلبات المجتمع والجامعة تحديداً . من حُقبةِ “صـدّام حسين القمعية” الى مُلائيات الإسلام السياسي، أربعة عقودٍ أنهكت مجتمعاً مثل طليعة تقدّمية لكل مجتمعات المنطقة. حقبتانِ ظلاميتان، عملت الأولى على أختزال كل ثقافات الدُّنْيَا بثقافةِ القائد الأوحد المنحدّرة من صحرائيات القبيلة و أعرافها الآسنة، مقتعلةً برياحٍ مسمومة بيئاتٍ ربيعيةٍ عطرة تلاقحت أزهارها لسنين طوال بألوانٍ مختلفة، جذّرها “البعث” فيما بعد بطيفٍ رماديٍ أجرد. ما أثمر عن مجتمعٍ تأسرهُ ثقافة الحرب ويزدّان بلباس الخوذة وتتبجحُ شبيبتهُ بعنتريات القائد الأحمق. بينما ورثت الحقبة الثانية مجتمعاً متعطشاً لأي استثمارٍ فكري آخر، نتيجة غياب السوق الفكرية الحرة طيلة العقود “الصدَّامية الجائرة” التي جعلت كل الحرية التي يتمتع بها العراق لا تكفي لعراقيٍ واحد.

 

في حين عملت استثمارات الإسلاميين الجُدّد على دسترة ثقافة التناحر والأحتراب، لتقتل بفعلتها آخرَ نَّفْسٍ ممكن للعيش تحت سقف المواطنة في العراق. وهنا تجلت حتمية الواقع بعدما عملت على ترهين المجتمع لمسلمّات الماضي بكل رجعياتهِ المتخلفة، لذا بزغ المثقف العقائدي وسطع نجم الأكاديميات العقائدية التي أرفدّت المجتمع بجيلٍ طلابيٍ يترنحُ على أحبولةِ الكسلِ و الاسترخاء ويستأنس بثقافة الغّلِ والاقصاء، حيث يدأب الأكاديميون الجُدّد على ترهين الواقع بلبوسٍ عقائديٍ شائك، والحط من مهام وسلوكيات المعلم الرسالي والإنحدار بها صوب سلوكياتٍ تكفيرية يمارسها أي “روزخوني ومنبـري” في جلدًّ أَيّ عقـلٍ يحاول أن يطرح استفهاماً ما حيال أولي الأمر العابثين في الأَرْضِ فسادا.

أقرأ أيضا