محمد علي كلاي.. ملاكم ملأ الدنيا وشغل الناس

استيقظت المدن الامريكية في الاسبوع الماضي على  خبر رحيل رمز من رموز امريكا والعالم، البطل الاعظم في لعبة الملاكمة، محمد علي كلاي الذي توفي في احدى مستشفيات ولاية  كنتاكي، مسقط رأسه عن عمر ناهز الـ 74 عاما.

 

عانى محمد علي في حياته من مرض الزهايمر الذي ظهرت عليه اعراضه في عام 1984، الا انه لم يثنه عن القيام بواجباته الانسانية من خلال قيامه برحلات حول العالم لجمع التبرعات لقضايا انسانية مختلفة ومنها مركز محمد علي لعلاج مرض الزهايمر.

 

بدأت موهبته تتبلور بلعبة الملاكمة في بداية حياته حيث كان عمره 12 عاما وعندما اصبح عمره  18 عاما فاز بالميدالية الذهبية لوزن خفيف الثقيل في دورة روما الاولمبية عام 1960. وفي شتاء عام 1964 اختطف لقب البطل العالمي للوزن الثقيل من خصمه الملاكم سوني ليستون، الذي كان وقتذاك البطل الذي لا يجارى. اسقطه محمد علي بالضربة القاضية في الجولة السابعة مما احدث ضجة كبيرة في عالم الملاكمة. ومن هناك كانت نقطة التحول الكبرى في حياته على مستوى لعبة الملاكمة حيث ذاعت شهرته في ارجاء العالم وصفقت له الملايين، وعلى المستوى الروحي حينما اكد في اليوم التالي من فوزه، وهو في اوج تألقه، اعتناقه الاسلام وانضمامه الى جماعة امة الاسلام.

 

وفي غضون اسابيع اصبح اسمه محمد علي بدلا من كاسيوس كلاي. وقد قال حينها: “كاسيوس اسم من اسماء العبيد لم أختره ولا اريده . انا محمد علي وهو اسم لحر ومعناه حبيب الله، أَصُرُ على  استخدامه من قبل الناس عندما يكلمونني او يتحدثون عني”.

 

لم يكن محمد علي كلاي فقط الملاكم الذي جندل بضرباته القاضية، ابطال الوزن الثقيل الذين نازلهم، والبطل الذي احرز اللقب العالمي بالملاكمة لثلاث مرات فحسب، بل كان احد قادة حركة الحقوق المدنية، التي ناضلت من اجل تحقيق المساواة بين السود والبيض في المجتمع الامريكي، ومعارضا لحرب فيتنام حين رفض الالتحاق بالخدمة العسكرية في عام 1967. وبسبب ذلك اعتبرته المحكمة الفيدرالية العليا مذنبا وادانته لتهربه من اداء الخدمة العسكرية، الامر الذي دفع باتحاد الملاكمة الى مقاطعته وحرمانه من اللعب لاكثر من ثلاث سنوات، أُسقِطَتْ بعدها  التهمة عنه بعد تزايد المعارضة الشعبية لحرب فيتنام، والتي عبر عنها الناس بالمظاهرات والمسيرات الاحتجاجية التي اعلنوا فيها عن رفضهم للحرب وضرورة ايقافها. وبذلك جعل هذا الموقف محمد علي بطلا في عيون الناس. اما عن سبب امتناعه لاداء الخدمة العسكرية فقد قال: “لايسمح لي ضميري باطلاق النارعلى الناس الجياع، والفقراء من اجل امريكا الدولة القوية والكبيرة. فهم لم يلقبوني بالزنجي، اويصادروا هويتي، او يجعلوا  كلابهم تجثم على صدري.. كيف لي ان اطلق النار على  الناس الفقراء.. خذوني الى السجن لن ألتحق بالخدمة”.

 

قال عنه كرك فيشر، رئيس بلدية لوسفيل في ولاية كنتاكي كان محمد علي رمزا للحرية والعدالة، احب كل الناس دون تمييز. سريع البديهة، محاورا  لبقا، افحم محاوريه باجاباته الجريئة التي لم يتراجع عنها والتي تنم عن ثقة عالية بنفسه، وارائه ومواقفه الانسانية وايمانه المطلق بدينه الاسلامي. ففي مقابلة اجرتها معه احدى قنوات التلفزيون في انكلترا حين سأله مقدم البرنامج هل لديك حارس شخصي – يعني حماية شخصية – أجابه: “لدي حارس واحد يرى ولا يُرى، يسمع ولا يُسمَع، اذا اراد شيئاً فيقول له كًنْ فَيكون، عليم بذات الصدور، هو الذي يَحرسُني ويحرسك، انه الله”!

 

كان محمد علي فكها، تكاد لا تخلو معظم المقابلات التي أجرتها معه قنوات ومحطات التلفزيون الامريكية والعالمية، من روح الدعابة  والمواقف المضحكة والاثارة التي تشد الجمهور إليه طيلة مدة المقابلة. لم يكن مجرد ملاكم شرس تمكن من ادخال الرعب الى منافسيه واطاح بهم في الجولات الاولى، بل كان إنسانا دافع عن مبادئه وعن وقيم الاسلام التي امن بها دون كلل، كدفاعه عن لقبه الرياضي الذي اوصله الى  المكانة التي لم يبلغها غيره في عالم الشهرة.

 

قال محمد علي: “لقد غير الاسلام حياتي في كل شيء، انتشلني من ذلك الواقع وجعل مني انسانا نظيفا. عندما يكون الله معك لايمكن لاحد ان يقهرك. وضعت ايماني بالله فملاْ قلبي بالشجاعة والقوة. في الفترة التي حرمت منها من مزاولة الملاكمة لم أيأس فقد فتحت مطعما للهمبركر لكي اتمكن من اعالة عائلتي، وكذلك اشتركت في تمثيل مسرحية في احد مسارح برودوي إلا أن عرض المسرحية لم يستمر طويلا، لكنني استمتعت ورضيت بعملي”.

 

اكثر ما استمتع به محمد علي في تلك الفترة، هو إلقاء المحاضرات، حيث كان يرتدي بدلته ويذهب للحديث عن معتقداته. كانت محاضراته وعظية، تستند على تعاليم الاسلام، حيث تناولت مواضيع شتى في الحياة، والاسباب الحقيقية لتعاسة الانسان والهدف من الحياة وغيرها.

 

قال عنه مدربه انجلو داندي الذي لازمه في بداية حياته الرياضية حتى  اعتزاله في 1981: تعلم محمد علي كثيرا، وسافر كثيرا حول العالم، التقى بكل انواع البشر الكبار والصغار، الاغنياء والفقراء، الحياة هي مدرسته، لم يعرف الحقيقة من الكتب، امتص المعرفة والمعلومات والافكار كما يمتص الفيل الماء ويطلقها بخرطومه بقوة.

 

لقد قدم محمد علي الكثير لأبناء جلدته، حيث يقول عنه لاعب كرة القدم الامريكية، ريجيه جاكسون: أحببت محمد علي ومازلت. كشاب اسود  كنت يوما ما اخجل من لوني، من شعري لكن محمد علي جعلني افتخر بذلك حيث اصبحت سعيدا كوني اسود كما هو الحال بالنسبة للابيض الذي يعتز بلونه. ظل محمد بطلا مدافعا عن هويته وعن مبادئ دينه حتى اخر ايام حياته، فعندما اقترح المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، حظر دخول المهاجرين المسلمين الى امريكا رد عليه محمد علي بالقول: أنا مسلم ولايوجد هناك في الاسلام مايدعو الى قتل الابرياء في باريس او أي مكان في العالم. المسلمون الحقيقيون يعرفون ان العنف الذي يتبناه ما يسمى بالجهاديين يتعارض ومبادئ ديننا.

 

رغم كل الذي قدمه فلم يطلب من احد مقابلأ لذلك، كان كل ما تمناه محمد علي بعد رحيله عن هذا العالم ان يتذكره الناس كرجل اسود فاز بلقب الوزن الثقيل، رجل ظريف تعامل مع الجميع بلطف. لم يتعال على الناس. ساعد الكثير من الناس ماليا قدر ما يستطيع، وساعدهم في كفاحهم من اجل الحرية والعدالة والمساواة. ان يتذكروه كانسان لم يجرح كرامة الاخرين، كانسان حاول ان يوحد شعبه من خلال الايمان بالاسلام كان يقول: “تذكروني كملاكم عظيم اصبح واعظا وبطلا لأمته”.

 

هكذا يفعل الرموز والقادة الحقيقيون والمخلصون لمبادئهم ولشعوبهم لايطالبون بثمن مقابل نضالهم وتضحياتهم. يقول القس جسي جاكسون ، الناشط الكبير في مجال الحقوق المدنية عندما يفوز الابطال يركب الناس على اكتافهم ونحن ( الامريكان السود) ركبنا على اكتاف محمد علي. اما ما حصل عندنا في العراق فقد كان عكس ذلك اذ ركب القادة السياسيون على اكتاف الشعب ووصلوا الى  مبتغاهم ثم تركوه يدور حول نفسه في حلقة مفرغة.

 

أقرأ أيضا