هذا هو الموقف الامريكي ازاء مايجري في العراق

 

مازال الكثير من السياسيين العراقيين يعتقد أن موقف الحكومة الامريكية وسياستها العامة اتجاه الكثير من القضايا ثابت لايتغير. وهذا برأيي خطأ كبير ينبغي اعادة النظر فيه، ففي مكالمة هاتفية لي مع إحدى الشخصيات المهمة في المشهد السياسي العراقي، سألته ماذا ينتظر السياسيون المعارضون لنظام المحاصصة  الطائفية ممن لم يشتركوا في الحكومة، بعد أن قال الشعب العراقي كلمته وطرد النواب الفاشلين من بيته (البرلمان)؟ الا يوجد هناك سياسي وطني ممن يمتلك الشجاعة والاقدام، بعد التنسيق مع قائد التيار الذي حرك المياه الراكدة، ليعلن للجموع الحاشدة التي تهتف باسم العراق في ساحة الاحتفالات، عن قدرته على قيادة العراق من خلال تشكيل حكومة انقاذ وطني من التكنوقراط المهنيين الذين يقبل بهم الشعب لاخراج العراق من النفق المظلم الذي يسير فيه؟

 

وكانت اجابته لي: “لا اعتقد يوجد من مثل هذا الشخص الان يمتلك الصفات التي ذكرت تمكنه من الاقدام على مثل هذا العمل. ثم اضاف  قائلا “هناك أمر آخر وهو أن الامريكان يدعمون رئيس الوزراء حيدر العبادي بقوة ويفضلون بقاءه على رأس الحكومة”. وهنا برأي يجسد عدم فهم السياسة الامريكية التي تغيرت نوعا ما بعد ما يسمى باحداث الربيع العربي التي اسقطت ديكتاتوريات عتيدة في دول مثل تونس ومصر. يمكن وصف الموقف الامريكي في الاحداث التي تجري قبل وبعد اشتداد العاصفة، فقبل اشتداد العاصفة يحاول الامريكان القاء طوق النجاة لحلفائهم بشتى الوسائل الممكنة، اما بعد اشتدادها ووصول الامور الى نقطة اللارجعة يقولون لهم بعد الان، لايمكننا ان نكون معكم ضد ارادة الشعب، وهذا ما حدث مع الرئيس المصري السابق حسني مبارك، الحليف العتيد السابق للولايات المتحدة طيلة اربعة عقود وحصل نفس الشئ لخلفه الرئيس محمد مرسي الذي انتخبه الشعب المصري ودعمته امريكا، ثم سحب تأييده له بعد أن سأم من سياسة الاخوان المسلمين التي جاءت بمرسي وتركت الشعب المصري يدور في حلقة مفرغة افتقد فيها الامان وعمت الفوضى ارجاء مصر حتى جاء العسكر لانقاذ الموقف ولم تتدخل امريكا او تقف مع مرسي ضد ارادة الشعب هذه المرة ايضا.

 

وما يتعلق بالرئيس العبادي، هناك امر آخر وهو معرفة الامريكان بامكانياته وقدراته المحدودة، حيث يقول عنه بعض المحللين في واشنطن” ان حكومة اوباما تعتمد في حملتها على الارهاب في العراق على العبادي وهو رئيس وزراء ضعيف يحاول البقاء في وسط سياسي تسيطر عليه المحسوبية والطوائف المتنافسة”.

 

ومن يطلع على المقالات التي نشرتها  صحيفة الواشطن بوست ويجري تحليلا بسيطا للمضمون فيها يدرك ان صفة الضعيف كلمة ملاصقة  لرئيس الوزراء العبادي عند التطرق له من قبل الكتاب والمحللين الأمريكان.

 

امريكا دولة مؤسسات ودستور يحترم ارادة الشعوب في الحرية والسيادة واذا ما اشتط سياسيو البيت الابيض عن القاعدة ، انبرى لهم الاعلام الحر بكل وسائله، مسلطا الضوء على هذه القضية او تلك حتى يجعل منها قضية رأي عام، إذ لايجد الكونغرس امامه خيارا سوى مناقشتها في جلسات استماع معلنة ثم احالتها الى اللجان التحقيقية الخاصة اذا ما توفرت الادلة وغالبا ما تقوم وسائل الاعلام بكشف المستور والمساعدة  على اظهار الادلة الكافية لمحاسبة المقصرين.

 

لذلك فان هناك ثلاثة امور تهم امريكا في العراق وهي المحافظة على زخم المعارك في المناطق التي تسيطر عليها  داعش، وتسهيل مهمة دخول قوات المهمات الخاصة والمستشارين الى المقرات الخاصة بهم مع بقاء التنسيق العالي في مركز القيادة المشتركة في العراق من اجل اضعاف داعش وطردها من الموصل قبل ترك الرئيس اوباما الرئاسة في  شهر كانون الثاني من عام 2017. والامر الثاني بقاء العراق حليفا للولايات المتحدة والتزام حكومته بالمحافظة على مصالحها الستراتيجية فيه.

 

اما الامر الثالث فهو المحافظة على مسار الديمقراطية في العراق لتجنب الرجوع الى النظام الديكتاتوري، حيث انها لن تتخلى عن النظام الديمقراطي الجديد الذي ساعدت الولايات المتحدة العراقيين على اقامته في العراق، بعد الاطاحة بنظام صدام حسين، من اجل شخص محدد لانها تعتقد انها دفعت ثمنا باهظا مقابل ذلك.

 

يعتقد البعض ان اقتحام الحشود الكبيرة لمبنى البرلمان يوم السبت الماضي، هو بمثابة انقلاب على الشرعية والنظام الديمقراطي في العراق، حيث قامت كتلة سياسية تمتلك قوة على الارض بتحريك الجماهير الغاضبة والموالية لها بفرض سياسة الامر الواقع، وهذا الامر، برأيي بعيد عن الحقيقة لاكثر من سبب، أولها من ينظر الى الاف الجماهير الغاضبة التي غصت بها ساحة الاحتفالات الكبرى وسط المنطقة الخضراء وهي تهتف “بالروح بالدم نفديك ياعراق” يدرك على الفور انها لا تنتمي الى تيار او كتلة واحدة، بل تنتمي الى كل شرائح المجتمع التي عانت من ظاهرة الاقطاع السياسي الذي مارسته الاحزاب والكتل السياسية بعد وصولها للسلطة والاستحواذ على كل مقدرات العراق وحصر خيراته بيد فئات صغيرة تابعة لها، وجعل غالبية الشعب بمثاية فلاحين أجراء يصلحون اراضي سادتهم من رؤساء الكتل والاحزاب.

 

والسبب الاخر وهو أن من حق الشعب في الانظمة الديمقراطية، التعبير عن رأيه، عندما يجد الديمقراطية قد حُرِفت عن مسارها، وينتفض من اجل اعادتها الى مسارها الصحيح، وهذا ما قام به يوم السبت، عندما دخل بيت الشعب (البرلمان)، إذ هرب ممثلوه بشكل مذل لانهم يدركون فشلهم وخذلانهم له يوم اعطى صوته لهم في انتخابات ديمقراطية وافق عليها الجميع.

 

ما يطالب به الشعب هو حق من حقوقه الاساسية وهو الاصلاح من خلال المطالبة بمحاسبة المفسدين وسراق المال العام ممن فشلوا في اداء واجباتهم وابدال الوزراء والمسؤولين الفاشلين باخرين مهنيين يعملون على اعادة الامور الى نصابها وتقديم الخدمات للشعب الذي ظل يعاني بسبب نقصها حتى  يومنا هذ، وطالب باصلاح القضاء واخراج الهيئات المستقلة من المحاصصة الحزبية والطائفية. ان هذه المطالبات المشروعة  لم تحدث في يوم وليلة بل استغرقت سنوات وقد جُوبهت من قبل رؤساء الكتل السياسة إما بالرفض او التسويف.

 

وعليه ليترك الساسة، اصحاب الممارسات غير الديمقراطية، الشعب العراقي ان يقرر مصيره ويختار الحكومة  التي تحقق مطالبه المشروعة في بلد وافق على ان تكون الديمقراطية خياره الوحيد وبخلاف ذلك ستُقلب الطاولة على  الجميع.

 

 

أقرأ أيضا