مدارس “داعش”

بين البغدادي وتيمورلنك أوجه شبه كثيرة. طاغيتان يطلعان من الظلام ويتطلعان إلى النفوذ ويحاولان التحرر من عوائق الحدود الوطنية من أجل التوسع.

 

هناك توسع بنشر التعاليم الداعشية بواسطة الترغيب وأحيانا بالقوة الخشنة البدائية كما فعل تيمورلنك، وهناك توسع بالقوة الناعمة ومنها الكفالات الاجتماعية والأموال.

 

مقدمة معظم الكتب التي تختص بالتربية “الشرعية” الداعشية تنص على: “بفضل الله تدخل الدولة الإسلامية عهدا جديدا، وذلك من خلال وضع اللبنة الأولى في صرح التعليم الإسلامي القائم على منهج الكتاب، وعلى هدي النبوة، وبفهم السلف الصالح، وبرؤية صافية لا شرقية ولا غربية، ولكن قرآنية نبوية بعيدا عن الأهواء والأباطيل، وأضاليل الاشتراكية الشرقية، والرأسمالية الغربية، أو سماسرة الأحزاب والمناهج المنحرفة في شتى أصقاع الأرض”. وهذه الكلمات تلخص منهج داعش في التربية والتعليم وصناعة الكراهية.

 

ثمة حديث عن توسيع المدارس “الداعشية” وهي تستهدف الأطفال من عمر 6 سنوات الى عمر 16 سنة، وهذه المدارس ترسخ لدى الأطفال تعاليم متعدّدة. البداية تكون بتعليمهم أحكام التلاوة، ثم تحفيزهم على حفظ جزء من القرآن، وتحفيزهم على حفظ الأربعين حديثا للإمام النووي، ثم تدريسهم نواقض الإسلام العشرة، ثم كتاب الثلاثة أصول، ثم تحفيظهم متن كتاب التوحيد (هذه الكتب الثلاثة لمحمد عبد الوهاب)، ثم تدريسهم ما يعينهم على معرفة الآخر، وتدريسهم كتاب “مسائل الجاهلية”، ثم تدريسهم كتاب “الولاء والبراء للقحطاني”، وبعد ذلك تكون هناك توسعة في مناهج القرآن وتفسيره، والعقيدة، وأصول الفقه، ومصطلح الحديث، والسياسة الشرعية، والإعداد البدني، والتاريخ، والجغرافيا، والأدب..

 

وغالبا ما ترافق هذه المدارس، لمن عمره 11-14 سنة، دورة بدنية للفنون القتالية وتعليم السباحة، ودورة عسكرية للتعلم على استخدام السلاح الأبيض والسلاح الخفيف، ويرافق هذه الدورات تعليم الأطفال التمايز والعزلة عن المجتمع والأسرة وتحفيظِهم الأناشيد الحماسية، ومنعهم من مشاهدة التلفزيون والاستماع للأغاني، وتربيتهم على سلوك الرجال والسخرية من لعب الأطفال الذين بأعمارهم.

 

هذه التهيئة لها ما بعدها، وهي تحبيب في مخالفة الآخر في مأكله وملبسه ومشربه وفي حركاته وسكناته، ثم تأليب الأطفال على ذلك الآخر حتى لو كان آباءهم أو إخوانهم. يعيش الطفل في زمن التاريخ المقدس بين قصص الكرامات والانتصارات والشهادة.

 

هذا الطفل يشجع على الصوم والرياضات الروحية، وتتم تنشئته على الحزن والتظلم وأن لا حل لمآسي المسلمين إلا بالجهاد و”الذبح”، ويجعلونه يتشجع على الارتجال الكلامي، ويحببون له الخطابة، ويفرض عليه سماع الخُطب الحماسية والأناشيد الحزينة.

 

نشرت وكالة “أعماق” التابعة لداعش على حساباتها في تويتر أن في السياسة التعليمية للتنظيم تم تقسيم السنوات الدراسية إلى ثلاث مراحل (ابتدائية ومتوسطة وإعدادية) موزعة على تسع سنوات، تكون مدة الدراسة في السنة الواحدة (10) شهور هجرية منقسمة على فصلين دراسيين، وتمتد فيها المرحلة الابتدائية على خمس سنوات، تليها المتوسطة بسنتين، ثم المرحلة الإعدادية بسنتين أيضا وتنقسم إلى ثلاثة فروع هي الفرع العلمي والفرع الشرعي والفرع المهني ليتخرج بعدها الطالب وينتقل إلى التعليم العالي.

 

وأضافت أن ديوان التعليم التابع للتنظيم أعدّ وصمّم مناهج تعليمية جديدة لجميع المراحل الدراسية، بمواد علمية ولغوية وأدبية وشرعية وتربوية، وتم اعتمادها رسميا من قبل داعش وتعميمها على جميع المدارس، فيما بلغ عدد الطلاب المسجلين في المدارس حتى الآن، بحسب “أعماق”، نحو 600 ألف طالب وطالبة من مختلف الفئات العمرية في كل من العراق وسوريا، في حين بلغ عدد المدرسين نحو 50 ألف مدرس ومدرسة!!

 

يسعى داعش إلى إعادة الصياغة الشاملة لوعي وفكر ومفاهيم من هم تحت سلطته، من خلال مشروع (دعشنة الحياة) وفق فهم قادته، ويتوجه بمشروعه إلى الصبيان والأشبال والشباب الذين تسهل برمجتهم وفق مناهجهم بعد أن أكمل عملية العزلة الأسرية ثم المجتمعية.

 

في نيسان 2013 بعد انشقاق داعش عن القاعدة، نشأت المدارس “الداعشية” وهي تعتمد على رؤية عقائدية تكفيرية أساسها الفكري السلفي الجهادي، أي تمنح العقيدة دورا أساسيا لكنها جهادية حركية ويمكن تصورها أنها حالة تطعيم للحركية الجهادية القطبية بالعقيدة السلفية.

 

من هذا الفكر انبثق أشبال “الخلافة”، وفتيان “البغدادي”، وكتيبة الخنساء “النسائية” الذين ترسخ فيهم “أن العدو هو الكفر العالمي والشيعة والأنظمة الحاكمة حتى لو كانت سنية”.

 

داعش الشباب والشابات ليسوا سوى أدوات وأجساد وظفت كل مقدراتها لهزيمة العدو، ولا جدوى من التعايش، بل يجب الصراع مع العدو وفرض الحاكمية للشريعة بقوة الغالب وقهر الجهاد ودفعه للتراجع عن العلمانية والشيوعية والليبرالية والديمقراطيّة.

 

أقرأ أيضا