التفاهة في الدولة.. أم اللول ورفاقها ضحية والتيك توك بريء

” ضع كُتبك المعقدة جانباً، لقد شُن الهجوم بنجاح لقد تصدر التافهون مواقع التأثير “

هذه جملة ختم بها “آلان دونو ” أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية في جامعة كيبيك كتابهُ “نظام التفاهة ” الذي يؤكدًا بهِ أن التأثير والسلطة صارت في أيدي التافهيّن، وصارت تفاهاتهم تمتد إلى إلى جميع جوانب الحياة، الثقافة ،الفنون، الاقتصاد، العلوم، القانون والسياسة.

قبل تصدر التافهون كان الشخص “المؤثر ” يسعى لتقديم أفضل ما عندهُ لإثبات وجهة نظرهِ لجمهورهُ أو يراهن على تغيير أرائهم وسلوكهم والتأثير بهم مستعرضً، فكر، وعي، ثقافة، علم ومهارة ،

أما بعد سيطرة التافهون خلق مفهوم جديد ” للمؤثر” يُقيَّم فيه الشخص بقدر ما يملك من أرقام وما يحصل عليه من إعجاب وتفاعل وتعليق بغض النظر عن جودة محتوى حتى لو كانت شتائم وسباب .!!!

عند صعود التافهون إلى السلطة أصبحت هنالك مصانع للتفاهات الثقافية، مثلها للتفاهات السياسية، وأخرى للفنون التافهة، إلى آخر قائمة مجالات الحياة المتنوعة حتى أصبحت التفاهة أحد أهم أدوات من هُم في السلطة .

في العراق الحديث ما بعد 2003 وبعد دخولهُ لعالم التكنولوجيا وانفتاحُ المفاجئ على العالم ودخولهُ بزمن السرعة الذي يجعل من العالم قرية صغيرة تجتمع بها أنواع الثقافات والتوجهات لتصبح معركة يحاول كل مجتمع أن يحافظ ويثبت على قيمهُ التي يؤمن بها .!!

 الفرد العراقي اصبح يعيش حالة انفصام شخصية نتيجة الصدمة بين ما كان بهِ وما اطلع عليه فأصبح يعيش بين ما يتمنى آن يعيشُ ويحصل عليهِ ويطمع لهُ وبين ما هو عليهِ ويعيشهُ في الواقع مع رغبة التقليد والتغيير التي يسعى لها نتيجة التذمر والحالة الجامدة التي عاشها طيلة حياتهِ التي لم تواكب الحداثة في كُل شيء، الدين، الثقافة، السياسة، العلوم، التكنولوجيا، الحقوق والحريات الى اخ …

هنالك دول أيضا كانت منغلقة على نفسها ومرت بنفس نقطة التحول التي مر بها العراق لكن هذهِ الدول لم يحدث بها ما نلاحظهُ في العراق من ازدياد واسع لظاهرة ” التفاهة والرثاثة ” في المجتمع وتكاد أن تُكون ثقافة بحد ذاتهَ حتى أصبحت مصطلحاتها رائجة وتنتشر بين المجتمع بين الفترة والأخرى مصطلح جديد ليس له معنى غير انهُ لا يعني شيء سوا “التفاهة” مثل “جيبه جيبه ” أو

“عني يابه عني”او “سعلوسة ” وغيرها من المصطلحات التي أطلقها أشخاص يمارسون الرثاثة والتفاهة على شبكة التواصل الاجتماعي وأصبحت رائجة عند جميع فئات المجتمع حتى صار المجتمع يصنع منها حالات تستخدم للتعبير عنهم بدل الثقافة الحقيقية لهم التي كان يمتلكها بالسابق، حالة الاستهلاك والاهتمام بالمظاهر والسطحية هيمنت على سلوكيات وتفكير المجتمع .

“التفاهة” وبوصفها ميل الإنسان إلى التركيز على الأمور غير المهمة والابتعاد عن القضايا الجوهرية .

لم تكن مشكلة العراق الحديث وحدهُ بإلهي مشكلة تواجهها جميع دولة العالم كما حدث في أغلب الدول الأوروبية من حملات لمواجهة هذهِ الظاهرة مثل الحملة التي انطلقت من كندا والولايات المتحدة الأمريكية في انتشار لوحات في جميع شوارع المدن وعبر شبكات التواصل الاجتماعي كتب عليها

 ” Stop making idiots famous، توقفوا عن جعل الحمقى مشاهير”

أما الدول العربية ومنها العراق كانت مشكلتها الأكثر تعقيدًا وهذا بسبب الطبيعة الجامدة للفرد العربي وتزمتهُ في التمسك في قيم البداوة وطبيعتهُ العشائرية والعادات والتقاليد الموروثة و”الدين” الذي يعزز الكثير من قيم والعادات العشائرية والموروث…

هنالك من الدول العربي التي إدارة نقطة التحول هذهِ والانفتاح على العالم بإدارة صحية وصحيحة استطاعت أن تواكب التطور والحداثة والانفتاح بتوازن بين تمنياتهم وطموحهم وبين واقعهم الذي كانوا يعيشونهُ من خلال إيجاد طرق إدارة سليمة تواكب وتنفتح على العالم وبنفس الوقت تحافظ على قيمها وعاداتها وتقاليدها العربية والدينية ،

أما ما يحدث في العراق من فوضى عارمة داخل ثقافات المجتمع هو نتيجةً طبيعية لفشل مؤسسات الدولة وفشل الأنظمة السياسية في خلق منظومة التوازن بين ثقافة المجتمع والانفتاح على العالم والتطور مثل بقية الدول فأولى إخفاقات الدولة العراقية الحديثة ما بعد 2003 في أهم مؤسسة في الدولة وهي المؤسسة التعليمية التي تعتبر حجر الأساس في بناء المجتمعات الصحية الخالية من الأمراض الاجتماعية والتي تؤدي إلى انعكاسات مستقبلية على الدولة ومستقبلها فجميع الحكومات المتعاقبة في الدولة العراقية الحديث فشلت في خلق مناهج ومنظومة تربوية وتعليمية تكون قادرة على التوازن النفسي والثقافي للفرد العراقي في عملية تنشئة صحية للأطفال الذين أصبحوا شبابً في والوقت الحالي منهم من تخرج من الجامعات في أسلوب الحفظ وليس الفهم ومنهم من أنفصل عن التعليم لعدت أسباب مختلفة تعود جذورها إلى من المسئول عن رعية مستقبل المواطنين وهي “الحكومة” عدم نجاح الحكومات في تأمين فرص العمل لمن لم يكمل دراستهُ وعدم توفير وظائف للخريجين في تخصصاتهم وحتى غير تخصصهم ففي العراق ألاف الخريجين العاطلين عن العمل بسبب عدم التنسيق بين سوق العمل واحتياجات مؤسسات الدولة من اختصاصات خريجين الجامعات هذا الخطاء التخطيطي أنتج جيش من العاطلين الخريجين الذي يجعل الفئتين متساوية في نهاية الطريق المتعلم وغير المتعلم عاطل عن العمل وهذا ساهم بشكلٍ كبير في عدم اهتمام الجيل الناشئ في العلم والتعليم الذي يعتبر من أهم عوامل رفع الوعي والثقافة والقراءة عند المجتمع ..!

تعُزز ظاهرة الفساد والمحسوبية المتفشي داخل إدارة الدولة العراقية الحديثة ابتعاد الشباب عن الأمور التي تغذي جوهر الإنسان مثل الفكر والوعي والكفائة لأنهم يدركون أن معايير أصحاب السلطة والقرار ليست في الكفاءة العلمية والفكرية بالفي المحسوبية والفئوية الحزبية جعلهم هذا يركزون على المظاهر والأمور الخارجية أكثر من دواخلهم حيث ” يدعم التافهون بعضهم بعضاً، لأن الطيور على أشكالها تقع.” على حد وصف “الان دونو”

استخدمت أحزاب السلطة “التفاهة” كواحدة من أدواتها لتُعزز بقائها في السلطة وليصنعوا من المجتمع جيشً من التافهين يلهون بـ الرثاثة و” الترندات ” ويغفلون عن مساءلتهم في تقصيرهم بأداء واجبهم وفسادهم .

تقوم هذهِ الأحزاب مرتٍ من خلال صنع هالة ” الفاشينيستا ” ووصفها بشخصية مؤثرة لتصديرها إلى المجتمع ليلتف حولها الجمهور وتؤثر في الهائهم “بتفاهتها” ومرتٍ أخرى في تصدير راقصة على أنها فاعلة عبر “السوشيال ميديا” وغيرها باشكالً مختلفةً تصدر هذه النماذج الرثة من خلال أدواتهم في الإعلام الموجه “جيوشها الالكترونية” والقنوات التي تملكها ،

 فما حصل مؤخرا في لقاء السيد محافظ كربلاء نصيف الخطابي مع “التيكتوك” ابو شاهين الذي اشتهر في روايتهِ الى الأكاذيب من خلال انتشار مقاطع فيديو له يقوم بإنشاء قصص “كاذبه” بطريقة واقعية ويتحدث بها على أنها حقائق فما الغرض والمصلحة العامة التي تجعل صانع القرار بمنصب أعلى وحدة ادارية في المحافظة في هكذا لقاء غير أنه محاولة الى “ترميز” هذه الشخصية على أنها فاعل اجتماعي يخدم الصالح العام وما يثبت ذلك هو ما قام به السيد محافظ كربلاء نصيف الخطابي برفض اللقاء مع ابن مدينتهُ وهو أحد أهم الشخصيات الفنية العراقية النحات العالمي “احمد البحراني” الذي كان يقدم طلبً للقاء السيد المحافظ يروم به على حد وصفهِ ” ان اللقاء كان يحمل من الأهمية الكثير لغرض مناقشة حال فنانين المحافظة والوضع الفني في محافظة كربلاء العزيزة على قلوب الجميع .” الا ان المحافظ ومكتبةُ استمر في تجاهل طلب النحات الكربلائي ” أحمد البحراني ” الذي عبر عن استيائهُ من تجاهل محافظ كربلاء نصيف الخطابي من خلال “بوس” نشرهُ عبر صفحاتهِ الرسمية في الفيس بك والانستغرام وقام بحذفه مؤخرا،

هذه الحادثة التي حصلت قبل ايامً بسيطة ما مدى تأثيرها في ذهن المتلقي مع ان الخلل في إلقاء لا يقع على عاتق “ابو شاهين” بالأمر يوضح منهجية سلطة الدولة العراقية الحديثة في صنع ترميز الى الشخصيات الغير قادر على صنع تأثير ايجابية ليصنع منه شخصية ذات رواج ولها اهمية ويهمل أصحاب التأثير الحقيقي وهذا يؤدي الى ترميز شخصيات تنشر “الرثاثة والتفاهة” ويساهم في التأثير على المؤثرين الحقيقيين الذي تحاول السلطة أن تغيب دورهم من خلال ترميز “التافهين” على حسابهم ولا تقتصر الحالة على لقاء محافظ كربلاء فقط فهنالك من هذهِ الحالات التي لا تعد ولا تحصى في جميع مراكز السلطة بمختلفها والتي توضح منهجية هذه السلطة في ترميز “التفاهة والرثاثة ” واستخدامها كواحدة من أهم أدواتها في تعزيز بقاءها في السلطة فما قاموا به سابقا رؤساء اعلى سلطتين في الدولة لا يختلف بشيء عن ما قام به محافظ كربلاء ليضيف مؤشراً واضحاَ أيضا على هذه المنهجية ( لقاء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أثناء رئاستهُ مع التيكتوكر “علي عادل” صاحب المصطلح الشهير “جو بايدن بليز هيلب مي ” .!! ) و( لقاء رئيس مجلس النواب اثناء رئاسته محمد الحلبوسي مع الشاب ” حميد ” الذي اشتهر بمصطلح “الناصرية مو ترترية ” !!)

ويكون هؤلاء الأشخاص الذين يمارسون “الرثاثة والتفاهة ” جميعهم ممن كانوا ضحية فشل المؤسسات الحكومية في تنشئتهم .

وتقوم أحزاب السلطة ايضاً بـ الهاء الراي العام من خلال هؤلاء وتستخدمهم مرتٍ اخرى كذريعة لتمارس سلوكياتها في قمع حريات التعبيرعن الرأي بـ حق المؤثرين الحقيقيين التي تسعى السلطة إلى تجريدهم من التأثير في الجمهور من خلال ترويج شخصيات تصنع “التفاهة والرثاثة ” على حساب مؤثرين حقيقين داخل المجتمع يوجهون النقد والانتقاد الى الأمور الجوهرية التي تساهم في نموّ فكر نقدي للمجتمع ويكون أداة من أدوات بناء المجتمع الصحي الذي يعد نقطة الشروع في عملية الاصلاح الا ان عندما ” يتبوّأ التافِهون موقِع السّلطة ،انها تقع بيد جماعةٍ تكُبر باستمرار ” كما ذكر (الآن دونو)

إن جميع ما ذكر وأكثر قد ساهم في إنتاج جيلًا يعانون من انفصامً بالشخصية ويعاني الإدمان على التفاهة ويساهمون في نشر حالات التفاهة والرثاثة داخل المجتمع، ضعف مؤسسات الدول ومنها التعليم سببت ضعف التربية الأسرية ايضاً وحتى عند الأسرة ذاتها مما يُؤدي إلى غياب القيم والأخلاق منُذ النشء الأولى للفرد العراقي .

“التفاهة والرثاثة” ليست فطرة عند الفرد والمجتمع بل هي صناعة وانتاج تصنعها نظم سياسية تحُاول تغطية فسادها وفشلها في إدارة الدولة.

 الجيل الحالي ليس بطبيعتهُ البشرية تافهًا او رثً بل هم ضحية لفشل هذهِ الأنظمة السياسية فما تتعرض له نتاج هذه الأنظمة لا يعالج المشكلة با يساهم في توليد نتاجات آخرى غيرها توسع دائرة “التافهين” علينا معالجة المشكلة من جذورها وليس من ثمارها .

ما يحدث في الفترة الاخيرة من نقد وجلد وتهكم وموعظة لعديد من “شباب التيك تك ” لم يعالج المشكلة بل ساهم في خروج شخوص جدد غير الذين تم إطفائهم اجتماعيًا، آخرها ما حصل الى راقصة تدعى” ام اللول ” على ضوء أحداث ملعب البصرة كل الانتقادات وانشغال الرأي العام لم يشخص أصل المشكلة وجذورها ولم يعالج مشكلة الرثاثة لانها هي ورفاقها من ناشري “التفاهة والرثاثة ” عبر شبكات التواصل الاجتماعي ليسوا جذورا للمشكله بالهم نتاج الجذور الحقيقية هم ضحية إلى فشل الأحزاب السياسية التي هيمنت على ادارة الدولة، وما تحاول ان تصنعة الحكومة العراقية الحالية من تصدير قرار بحظر تطبيق “التيك توك” هو عملية التفاف أخرى تصنعها الأحزاب السياسية المهيمنة على ادارة الدولة لتغطية فشلها في صناعة مؤسسات دولة رصينة تعالج دمج المجتمع بالعالم بحالة صحية ومقبولة الخلل لا يكمن في نوعية التطبيق المستخدم فما تفعلهُ الناس في “التيك توك ” تستطيع أن تفعلهُ في أي تطبيق آخر وحتى عبر التلفاز نشاهد بعض البرامج أكثر انحطاطً ورثاثة من فيديوهات “التيك توك ” لكن بسبب ارتباطات هذه القنوات السياسية تتغاضى الحكومة عن أفعالها،

 تحميل تطبيق “التيك توك” فشل الحكومات تهمة باطلة تحاول ان تثبت بها الحكومة برائتها وتملصها من المسؤولية أن ظاهرة “التفاهة والرثاثة ” ليست قدرًا محتومًا وليست طبيعية بشرية بل يمكن معالجتها من خلال إصلاحات سياسية واجتماعية وتربوية تقودها حكومة جدية في معالجتها لقضايا بلدها تتم هذه الإصلاحات في حالة عدم “تبوّأ التافِهون موقِع السّلطة ” .

أقرأ أيضا