زيارة إقرار بالوقائع الجديدة.. التحديات قد تحول الحصيلة الفعلية الى صفرية

في زيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى العراق، لا شيء جوهري مهم يمكن ان يشكل نقطة تحول كبرى. لا في الملف الأمني، ولا الاقتصادي- التجاري، ولا ملف المياه.

ما تم الاعلان عنه، كان مجرد تفاهمات واتفاقات عامة لرفع “الرصيد السياسي” لأردوغان كما لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وجرى تسويقها “كخطوات تاريخية تبشر بمرحلة جديدة من العلاقات تحمل فوائد كبرى”.
لكن هناك في افق الزيارة تحول سياسي واضح يتمثل في التعاطي المباشر والصريح لأردوغان مع ما يمكن وصفه بالحاكمين الشيعة للعراق، او حتى مع “العراق الشيعي”، بعد عقدين من محاولة الظهور والتحرك وصولا الى التدخل والتأثير في الملف العراقي عبر المكونين الكردي والسني.
لم يحصل اردوغان على كل ما طلبه في الملف الأمني، وما حصل عليه في غالبه ووفق المعطيات الحالية غير قابل للتطبيق على الأرض، فالعراق اكتفى بوصف حزب العمال بـ”المحظور” وليس “الارهابي”، وهذا وان يقيد الحزب ويطوق حركة أعضائه في العراق ويحصرها في اطار كونهم لاجئين، لكنه يجنب العراق الخوض في قتال مع “العمال الكردستاني” ويجنب منح الشرعية للعمليات القتالية التركية في العراق، ويبقي كل شيء مرهون بلجان امنية مشتركة لا يعرف على ماذا ستتفق، في ظل سكوت الجانبين عن مصير القواعد التركية في العراق.
في الجانب الآخر لم يحصل السوداني على ما طلبه في ملف المياه، فتركيا لم تلزم نفسها بأي حصص مائية محددة ولا اتفاقات واضحة تنهي تعقيدات هذا الملف الحيوي بالنسبة للعراق، وكما جرت الأمور خلال السنوات الأخيرة تركيا يمكن ان تتنصل عن اي تفاهمات ووعود باطلاقات مائية محددة، كما تتهرب من اي اتفاق يلزمها بحصص محددة وفق المتطلبات والشروط الدولية لتوزيع المياه بين الدول المتشاطئة.
الحديث عن “طريق التنمية”، رغم اهميته للبلدين، لم يغادر كثيرا خط الدعاية السياسية لرفع رصيد اردوغان والسوداني، ودخول كل من قطر والامارات لا يعنيان الكثير في ظل اشكالات تأمين طريق يمتد على مسافة 1200 كلم متخم بفصائل متنازعة وقانون غائب وسيادة مسلوبة. تأمين متطلبات انجازه امنيا واستثماريا، بل وسياسيا في ظل موقف ايراني ربما رافض وبوجود مسارات تجارية اخرى (مشروع امريكا- السعودية- الاردن- اسرائيل، ومشروع الحرير الصيني الهندي الشرق اوسطي الذي يمر من ايران، ومشروع روسيا الصين اوربا) تتصارع لتحصل على الريادة والأسبقية.
اما مذكرات التفاهم الموقعة (وعددها 24) لا شيء جوهري فيها وهي مجرد رؤية عامة، وفي مسائل ثانونية يعتبر التعاون فيها أمر بديهي، ويمكن ان يتم حسم كل تلك المسائل بسهولة من قبل وزراء او حتى من دونهم.

تجنب اردوغان الخوض في الملفات الداخلية العراقية، فلم يتحدث عن مقاعد “كوتا” المكون التركماني التي الغيت في برلمان اقليم كردستان بقرار من المحكمة الاتحادية. ولم يثر أي من مشاكل المكون السني في العراق وهو الذي يحاول دائما أن يبرز نفسه كراعي لهم، ولم يتطرق الى الخلافات بين اربيل وبغداد بشأن ملف الطاقة وجرى تجنب الحديث المعلن عنها.

وبذلك يبدو الريس التركي ماضي في سياسته الجديدة التي ينتهجها منذ فترة “هذه مشاكلكم الداخلية هي لا تهمنا كثيرا اجلسوا معا واعملوا على حلها”.
في اقليم كردستان بدت الزيارة دعائية بروتوكولية عابرة، وان حملت دعم سياسي معنوي للاقليم الذي يواجه ازمات سياسية ومشاكل اقتصادية وتراجعا في حجم استقلاليته ونفوذه في العراق وقدرته على التحرك الاقليمي، بعد فترة من ميل تركيا الى تقوية علاقاتها مع حكومة بغداد وان جاء ذلك على حساب حكومة اقليم كردستان.

الحقيقة الواضحة ان اردوغان لا يملك ان يتدخل ليدعم الكرد ويتبنى رؤيتهم في مواجهة بغداد، هو يتجنب التدخل في قضايا تعتبر عراقية داخلية، وكل ما يمكنه قوله للقادة الكرد هو ابداء حرصه على ضمان ابقاء علاقات قوية مع الاقليم.

إضاءة: تعرض الحزب الديمقراطي لانتقادات حادة بسبب الاستقبال الذي وصف بالمبالغ فيه لزيادة أردوغان الى الاقليم التكميلية لزياته لبغداد وما رافقها من لقاءات سريعة، خاصة ما تعلق منها بانارة واجهة قلعة اربيل بالعلم التركي. وتساءل عشرات الناشطين والصحفيين والسياسيين الكرد، عن هذا التحرك الغريب في ظل استمرار اردوغان بقصف الاقليم والتوغل فيه وبناء قواعد عسكرية جديدة، بل وقتل مواطنين كرد بشكل مستمر، والتوعد بحرب جديدة وتوسع أكبر في عمق كردستان وصولا الى السيطرة على أطراف مدن كبيرة.

إضاءة: كان العنوان الأبرز في الاعلام التركي لزيارة اردوغان الى العراق البعد الأمني والمكاسب الأمنية المتحققة منها، حيث تطغى النزعة الأمنية القومية التركية المتعصبة على الرؤية التركية لبقية الملفات فيردد المحللون الأتراك مع قادة حكوماتهم منذ 40 عاما رواية واحدة “سنقضي قريبا على حزب العمال”. رغم ان الحل الوحيد المتاح حسبما أثبتته تجارب كل السنوات الماضية هو الحوار وصولا للحل السياسي.

أقرأ أيضا