مهزلة العصر: داعمو الإرهاب يشكلون تحالفا لمكافحته

يقال في الحكمة الشائعة حدث المرء بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له. ويقينا فان الداء لا يكون دواء، والمرض لا يكون دلالة على العافية، وان من دل على قومه السيف وساق إليهم الحتف لحري أن يمقته الأقرب ولا يأمنه الأبعد.

 

أسوق هذه الأمثلة وأنا أرى كمتابع ما يجري من مهزلة حينما تعلن السعودية أنها شكلت تحالفا لمكافحة الإرهاب يضمها إلى جانب تركيا وقطر ومصر ودول أخرى بلغ عددها 34، بحسب الإعلان السعودي عنه.

 

والتساؤلات التي تطرح نفسها عن هذا التحالف المشكل حديثا هي هل يعقل أن من يمول ويدعم الإرهاب العالمي عبر غطاء مؤسساته الدينية والخيرية والإعلامية بمختلف المسميات ولعدة عقود هو نفسه من يحاربه؟ وإذا كان التحالف المشكل هو لمكافحة الإرهاب دون الإشارة إلى داعش والقاعدة والنصرة بالتحديد فما مفهوم الإرهاب لدى هذا التحالف؟ ثم إن كانت مكافحة الإرهاب تتطلب جهودا دولية، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط، فلماذا يتم ضم دول مثل نيجيريا وجزر القمر وتشاد إلى هذا التحالف، دون أن يتم إشراك أكثر الدول تضررا من الإرهاب مثل العراق وسوريا؟ وإذا كان التحالف إسلاميا، كما يقال، فلماذا لم يتم ضم إيران باعتبارها جزءا من العالم الإسلامي؟

 

الحقيقة ان ما يكمن وراء هذا التحالف هو الكثير من علامات الاستفهام، ذلك ان الثلاثي المرح قطر وتركيا والسعودية والتي كشفت عشرات التقارير الدولية عن مشاركتها ودعمها لعصابات داعش والنصرة وغيرها، بشكل مباشر او غير مباشر، قد افتضحت أمام حلفائهم الغربيين، بالإضافة إلى الانتقادات الواسعة لدول الخليج، وخصوصا السعودية من قبل الولايات المتحدة لدورها السلبي في التحالف الدولي. ولا يستبعد ان يكون هذا التحالف هو لذر الرماد في العيون دون ان تكون هناك إرادة حقيقية لمكافحة الإرهاب كما يزعمون، بل لمآرب وأهداف أخرى لم يتم الإعلان عنها، وهي كما أتوقع:

 

أولا: ان تعميم مفهوم الإرهاب دون الإشارة الى داعش والقاعدة والنصرة بالتحديد يعني من جانب آخر ان لهذا التحالف رؤية لا تستبعد ان تعتبر فصائل اخرى تختلف معها دينيا او طائفيا بانها ارهابية. وما دامت الرياض هي مقر هذا التحالف فهو ايضا يعبر عن توجهاتها، وبالتأكيد سيكون للقرار الأمريكي اليد الطولى في توجيه الأوامر، وهذا ما عبرت عنه الولايات المتحدة بترحيبها بهذا التحالف بعد إعلانه بفترة قصيرة جدا.

 

ثانيا: ان تشكيل هذا التحالف بصيغة إسلامية يشير الى توجه خطير جدا باستبعاد ايران والعراق وسوريا، وبالتالي فهو تحالف هيمنة ومصالح وتقسيم لشعوب المنطقة تحت غطاء الإرهاب، ما يعني استمرار اللعبة الطائفية فيها، خصوصا بعد التدخل الروسي وانكشاف أوراق الدول الداعمة للإرهاب والمستفيدة منه بسرقة ثروات العراق وسوريا النفطية.

 

ثالثا: الأمر المهم في هذا الموضوع هو السؤال عن المستفيد من تشكيل هذا التحالف، وبالتأكيد فإن الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل هي المستفيد الأكبر، ذلك أن الولايات المتحدة والغرب ستحسن اقتصادها الذي يعاني من الركود بصفقات أسلحة بمليارات الدولارات من أرصدة السعوديين والخليجيين المكدسة في مصارفها، وإلهاء العالم الإسلامي بحروب إسلامية – إسلامية تحت ذريعة الإرهاب، وهو ما يبعد أي خطر عن إسرائيل في المنطقة.

 

الطريف أن متابعة الأخبار أشارت إلى نقطتين مهمتين تظهر للمتابع خفايا ما بين السطور في الموضوع، فقد أشارت البي بي سي البريطانية إلى تشكيل التحالف السعودي لمكافحة الإرهاب في خبر لها قائلة، نقلا عن الأمير السعودي محمد بن سلمان، إن “التحالف لن يركز على محاربة” الدولة الإسلامية “فقط”، مضيفا بعض التفصيلات الأخرى.

 

وتجاهلت البي بي سي ماهية هذه التفاصيل دون الإشارة إليها، والنقطة الثانية تحت هذا الخبر خبر آخر بعد إعلان التحالف بساعات في نفس الصفحة يقول “السعودية تتعهد بزيادة الاستثمارات ومساعدات نفطية لمصر لمدة خمس سنوات”، في اشارة إلى الممارسة الكلاسيكية التي تتبعها دول الخليج في رشوة الآخر لكسب موقفه، وهو ما تجلى بإعلان مصر انضمامها للتحالف السعودي.

 

الحكومة العراقية وكتلها السياسية المتصارعة سيجلب لها هذا التحالف الجديد المزيد من التشرذم والتباين في المواقف بين مؤيد للانضمام والرافض له، طبقا للتبعية السياسية لتلك الأطراف، وهو ما سيؤدي إلى المزيد من المشاكل بغياب الرؤية الوطنية الموحدة لسياسة بلد بلا هوية ولا استقلالية في الموقف حتى الآن. فهل سنشهد انقسامات جديدة تبعا لذلك؟

 

الواقع ان ما شهدناه طوال الفترة الماضية ينبئ بذلك، وهو ما ستتكشف عنه الأيام المقبلة في مخاضات الصراع السياسي داخل البلاد.

 

أقرأ أيضا