الزواج الثاني.. من الأرياف إلى المدن

في إحدى محاكم بغداد، يصطحب رجل خمسيني زوجاته الثلاثة من إحدى القرى في أطراف العاصمة، من أجل منحه الإذن للارتباط بزوجة رابعة، إلا أن مشاجرة نشبت مع إحدى زوجاته أجلت هذه الزيجة.

يروي المحامي إحسان العادلي هذه القصة الطريفة التي مرت به أثناء عمله في المحاكم وهو يتحدث عن تعدد الزوجات، إذ يوضح لـ”العالم الجديد”، أن “القانون لا يشترط الإذن من الزوجة الأولى للموافقة على الزواج بزوجة جديدة، لكنه يمنح الزوجة الأولى حقا في التفريق (الطلاق)، لذلك فإن أغلب حالات الزواج الثاني تتم بموافقة الزوجة الأولى عبر معاملة بسيطة في محكمة الأحوال الشخصية تسمى حجة الإذن بالزواج الثاني”.

وارتفعت في العامين الأخيرين حالات الزواج الثاني، إذ أكد مجلس القضاء الأعلى في تقرير إحصائي، أن حجة الإذن بالزواج الثاني بلغت خلال العام الماضي، نحو 6436 معاملة.

وبالعودة إلى القصة، يذكر العادلي، أن “الرجل كان ميسور الحال، لكنه لم يكن يقسّم أمواله بطريقة عادلة بين زوجاته، إذ كان ينفق من ثروته على زوجتين فقط، ويرفض منح الثالثة حقها، ما أدى إلى اعتراض الأخيرة، لتحدث مشاجرة داخل المحكمة، ويعود دون أن يتم عقد الزواج من الرابعة”.

ويضيف العادلي، أن “قانون الأحوال الشخصية وضع شرطين للزواج من ثانية، وهي أن يكون للزوج مقتدرا ماليا لإعانة أكثر من زوجة، أو أن تكون هناك مصلحة مشروعة يكون تقديرها من صلاحيات القاضي، كأن تكون الزوجة الأولى مريضة أو غيرها من الأسباب”، لافتا إلى أن “الأصل في القانون هو منع الزواج بأكثر من واحدة إلا بالشروط التي حددها، لكن الإباحة تأتي من كون المجتمع مسلما يبيح تعدد الزوجات، فالقانون استمد هذا من الشريعة التي أباحت التعدد، لكنه وضع عددا من الضوابط”.

وتنص المادة الثالثة من قانون الأحوال الشخصية النافذ، في الفقرة الرابعة على أنه “لا يجوز الزواج بأكثر من واحدة إلا بإذن القاضي، ويشترط لإعطاء الإذن تحقق الشرطين التاليين: أ- أن تكون للزوج كفاية مالية لإعالة أكثر من زوجة واحدة. ب- أن تكون هناك مصلحة مشروعة”.

ومن الجدير بالذكر، أن القانون استثنى من ذلك الزواج من أرملة مع قيام الزوجية دون إذن من محكمة الأحوال الشخصية، حيث اعتبر المشرع أن الزواج من أرملة، نوعا من أنواع المصلحة المشروعة، وكذلك أعفى القانون الزوج من حجة الإذن بإعادة مطلقته إلى عصمته بعد أن عقد زواجه على زوجة أخرى.

وكانت حكومة إقليم كردستان قد أوقفت في عام 2008 الزواج الثاني إذا لم يحظ بموافقة الزوجة الأولى، وهو ما دفع بالبعض لعقد قرانه الثاني في محاكم المحافظات الأخرى خارج إدارة الإقليم، لكن المحكمة الاتحادية العليا ألغت نهاية العام الماضي هذه المادة من قانون الأحوال الشخصية المعدل لإقليم كردستان، وبذلك لن يعد الزواج الثاني مبررا قانونيا لانفصال الزوجة الأولى.

من جهتها، تذكر الباحثة الاجتماعية بمحكمة الأحوال الشخصية في الحلة، ابتسام الأسدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “دوافع الرجل للزواج بزوجة جديدة، متنوعة منها ما يتعلق بظروف الزوجة الأولى كأن تكون بوضع صحي رديء أو ربما تكون غير قادرة على الإنجاب أو أسباب أخرى تتعلق بعدم وجود اتفاق وتفاهم ووجود خلافات بين الزوجين، وقد تكون هناك أسباب أخرى تتعلق برغبة الرجل بالزواج والإمكانية المادية والجسدية على الزواج من زوجة أخرى”.

وبشأن أماكن انتشار هذه الزيجات، تضيف الأسدي، أن “الزواج بزوجة ثانية كان في السابق منتشرا بكثرة في الأرياف، لكن الآن بدأت تزحف هذه العادة إلى المدن، إذ سجلت المحاكم العديد من الحالات للزواج الثاني من المدن الحضرية”، لافتة إلى أن “الأمر يتعلق بتحسن الحالة الاقتصادية للفرد، إذ أن كثيرا من الرجال يفكرون بهذه الخطوة حالما تتحسن حالتهم المادية”.

وعلى الرغم من هذه الأرقام، إلا أن قضاة أكدوا أن هناك زيجات تتم خارج المحكمة خلافاً للقانون، وأشاروا إلى إمكانية الزوجة تقديم دعوى لطلب التفريق في حال زواج شريكها دون أذن من المحكمة.

ويفرض القانون عقوبة على كل من يعقد زواجا خارج المحكمة قد تصل إلى الحبس لمدة سنة او بفرض غرامة مالية، ويعاقب من عقد زواجاً آخر مع قيام الزوجية بالحبس مدة قد تصل إلى خمس سنوات.

من جهته، يؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي مصطفى حنتوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الزواج الثاني في العراق وبقية الدول العربية، سيكون ظاهرة اقتصادية لو نظرنا إليها من منظور أن المورد الاقتصادي الجيد سيدفع الفرد للتفكير بحياة مترفة، فيلجأ للزواج مرة أخرى”.

لكن حنتوش يستدرك، بأنه “من الناحية الاقتصادية لا يمكن أن نقبل هذه الفرضية، لأن أغلب الأشخاص الذين يتمتعون بوارد جيد، فهو يأتي من عمل، وهذا العمل يتطلب التزامات ومشاغل، فليس من المنطقي أن يختار من ينشغل بهذه الأعمال أن يتزوج بزوجة ثانية”، لافتا إلى أن “هذه الظاهرة تتناسب أكثر مع عمليات غسل الأموال، فالوارد الكبير مع عدم وجود التزامات يجعل من هذه الظواهر تنمو”.

ويعتقد أن “الفرد الذي يملك إيرادا جيدا مع التزامات عالية لا يتجه هذا الاتجاه، فمن الطبيعي أنه لا يمتلك الوقت للالتزام بعائلة أخرى، لكن الأمر مع وجود أموال كثيرة من دون عمل قد يؤدي إلى هذه النتائج”.

إقرأ أيضا