بعد وثيقة كشفتها «العالم الجديد».. كيف ذهبت قروض المشاريع للمتاجرة بالدولار؟

تواصل “العالم الجديد” ملاحقتها لشبهات فساد تتعلق بمنح البنك المركزي قروضا لدعم مشاريع كبرى جرى منحها لأصحاب مصارف خاصة، استغلتها لشراء الدولار وتحقيق هامش ربحيّ جراء فرق العملة، دون إنفاقها على المشاريع المقرة.

ونشرت “العالم الجديد”، في السابع من نيسان أبريل الحالي، وثيقة صادرة عن هيئة النزاهة، وموجهة إلى البنك المركزي، عن عملية فساد تتعلق بمنح الأخير قروضا كبيرة لأصحاب المصارف الخاصة، تم استغلالها من قبلهم لشراء الدولار من مزاد العملة، وليس لإنشاء مشاريع استثمارية.

ويؤكد الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “القروض التي تتحدث عنها النزاهة هي التي كانت تقدم للمصارف التجارية وحتى الحكومية، ضمن مبادرات السكن ودعم المشاريع الصغيرة والكبيرة”.

ويضيف المشهداني، أن “هذه القروض كان من المفترض أن تموّل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لكن ما حصل هو أن المقترض عندما يقدم معاملته إلى أحد المصارف التجارية يتم سحب أموال القرض من البنك المركزي، ثم تحصل عراقيل متعمدة من هذه المصارف في إنجاز معاملات المقترضين وأصحاب المشاريع قد تستمر أسابيع أو أشهر”.

ويلفت إلى أن “هذه الأموال التي استحصلت من البنك المركزي يتم استخدامها من قبل المصارف لشراء العملات الأجنبية وتحقيق هامش من الربح بسبب فرق العملة”، مشيرا إلى أن “هذا الأمر واضح ومؤشر إذ تأخر تنفيذ هذه المبادرات طويلا، وكان من المفترض أن تصرف أموال القروض خلال سنة واحدة لكنها تأخرت سنوات عدة، عدا قروض السكن فالإجراءات أسهل لأنها تتعلق بحجز العقار فقط ثم يتم الاقتراض بشكل أصولي”.

ويوضح أن “شكاوى كثيرة وردت من أصحاب المشاريع بسبب هذه العراقيل والطلبات والروتين المستخدم من المصارف أمام المقترض لغرض تأخيره، ليجري استغلال هذه الأموال التي قدمها البنك المركزي للدخول إلى نافذة الدولار”.

ويواصل أن “القرض في النهاية قد يصل إلى المقترض الحقيقي ويطلق دفعات لكن كم من الوقت سيستغرق حتى وصوله إلى صاحب المشروع”، مشيرا إلى أن “هذه الأموال استغلتها المصارف لتمويل التجارة والاستيراد على الرغم من أنها كانت مخصصة لإنشاء مشاريع صناعية أو زراعية يمكن أن تقلل من الاستيراد عندما تبدأ بالإنتاج وتمد السوق المحلية وتقلل الطلب على الدولار”.

وبحسب الوثيقة التي نشرتها “العالم الجديد”، فإن هيئة النزاهة طالبت البنك المركزي في كانون الأول ديسمبر 2023 بإعلامها “ما تم بصدد تأليف لجنة تحقيقية تتولى إجراء التحقيق الإداري وتحديد الضرر بالمال العام إن وجد عن موضوع القروض الممنوحة لأصحاب المشاريع”، كاشفة عن صدور كتاب رسمي صادر في تشرين الثاني نوفمبر 2023 يطالب بفتح تحقيق في منح أصحاب المصارف الأهلية، قروضا ضمن مبادرة القروض الاستثمارية، مع ذهاب تلك الأموال لشراء الدولار من مزاد العملة والاستفادة من الأرباح.

من جهته، يفسر الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “البنك المركزي مؤسسة مستقلة قانونيا وإداريا، وعندما يشكل لجنة تحقيقية ستمارس أعمالها، وفق قانون البنك وقانون موظفي الدولة، فإذا وجدت اللجنة ما يشكل جريمة، يجب أن تحيل القضية إلى محكمة التحقيق وإذا لم تجد ما يشكل جريمة فإن من صلاحيات رئيس الدائرة غلق التحقيق”.

ويضيف التميمي، أن “الأمر غير واضح حتى الآن إذا ما كانت هذه اللجنة مشكلة أم لا وماذا قررت، فالبنك المركزي يجب أن يطلع النزاهة على نتائج التحقيق، ويبقى الأمر للنزاهة إذا ما كانت تمتلك أدلة ووثائق فتستطيع هي الأخرى أن تمارس إجراءاتها، لكن الخطوة الأولى هو التحقيق الإداري الذي لا يزال حتى الآن غير معلوم”.

وعن التكييف القانوني للقضية، يشير الخبير القانوني، “حتى الآن لا يمكن الجزم قبل حصول أي تحقيق في القضية، إذا يجب الاستماع إلى الإفادات والشهود والأدلة حتى يتم تكييف المادة القانونية سواء إن كان هدرا أو اختلاسا أو إهمالا وظيفيا”.

وكان مصدر مسؤول كشف في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن البنك المركزي لم يرد على هيئة النزاهة حتى الآن على الرغم من مرور قرابة خمسة أشهر على استلامها كتابا من هيئة النزاهة بهذا الخصوص، ودون معرفة ما إن كان قد فتح تحقيقا أم لا.

وبحسب المصدر، فإن “المبادرة التي انطلقت قبل أكثر من ثلاثة أعوام، تخص المشاريع الكبيرة، ويصل مبلغها إلى ثلاثة تريليونات دينار (نحو 2 ملياري دولار)، ذهب نصفها أو يزيد، إلى قروض لأصحاب المصارف الخاصة، بهدف إنشائهم مشاريع استثمارية، تبين فيما بعد أن معظم تلك المشاريع وهمية”، لافتا إلى أن “شبهات الفساد تحوم حول دور موظف رفيع في البنك المركزي، متورط في هذا الملف”.

إقرأ أيضا