«بهارات» الشورجة.. رائحة الماضي تقاوم المستورد  

يعد سوق الشورجة وسط العاصمة بغداد، الأكبر والأشهر في عموم العراق، وهو المركز التجاري الرئيس الذي يمول أسواق المحافظات الأخرى بما تحتاجه من أساسيات منزلية وفي مقدمتها البهارات وأنواع الأطعمة والأغذية والمشروبات وما يرتبط بها من مواد الطبخ وأدواته، إلى جانب احتياجات أخرى لا يخلو منها منزل. 

ويختلف المؤرخون في تسمية هذه المنطقة بالشورجة، وهي سوق تراثي وشعبي يعود تاريخه إلى القرن الرابع الهجري (910 – 1010 ميلادي)، وكان يسمى سابقا “سوق الجند”، ثم أصبح “سوق العطارين”، قبل أن يستقر على تسميته الحالية “الشورجة”، وهي كلمة فارسية تعني “البئر المالحة” حيث كانت توجد بئر أو بركة ماء مالحة فيه آنذاك، ويقبل على هذه  السوق أغلب البغداديين للتبضع منها، خاصة في أيام  شهر رمضان والأعياد والمناسبات العامة والخاصة. 

ويقول محمد عدنان، أحد العطارين في  سوق الشورجة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أكثر البلدان المصدرة للتوابل والبهارات الطازجة هي الهند وباكستان وبلدان شرق آسيا، ورغم ارتفاع أسعار الدولار في السنوات الأخيرة إلا أن أسعار البهارات لم ترتفع، لأننا نشتريها بسعر الدولار الرسمي وليس السعر الموازي أو سعر السوق”.  

ويضيف عدنان، “العدد القليل من تجار الشورجة يصيبهم الجشع خلال المناسبات أو عند صرف رواتب موظفي الدولة، فيعمدون إلى رفع أسعار المواد بشكل نسبي وغير ملحوظ خلال الأيام التي يكون فيها إقبال المتبضعين على أشده في الشورجة”.

وعند الوصول إلى منطقة الشورجة وقبل أن تتوغل في أزقتها تداهمك روائح التوابل الممتزجة بعبق الماضي، فتأخذك إلى عطارياتها القديمة و”درابينها” الضيقة، ومع أن السوق لا يقتصر على بيع البهارات فقط، إذ إن هناك محال أخرى مختصة ببيع أدوات الزينة والنشرات الضوئية والفوانيس والملابس ومستلزمات المحال من أكياس وغيرها، إلا أن البهارات هي أكثر ما يتميز به هذا السوق الكبير.

بدوره يوضح علي البهار، من عطاريات سيد شير الشهيرة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “على الرغم من وفرة البهارات المستوردة وبمختلف أنواعها، إلا أن البهارات المحلية لم تتأثر بذلك حيث إنها تمتاز بخلطات خاصة ومتعددة تختلف من عطار إلى آخر، وبالتالي فالمستورد لا ينافس المحلي”.

ويشير إلى أن “التوابل والبهارات التي تباع في الأسواق الأخرى مصدرها الأساسي هو سوق الشورجة حيث إننا نبيع بالجملة لهم وهم بدورهم يبيعونها للمواطنين”. 

ويتابع البهار، أن “محال البهارات في سوق الشورجة لم يتراجع عددها، فهي مهنة متوارثة، ومن يمتهنها صعب عليه أن يغيرها أو يعمل بمهنة أخرى، كما أنه من الصعب على أي شخص آخر الدخول لهذه المهنة، بالتالي فإن المحال موجود ولم تتأثر ولم تغلق أو تتحول لمهن أخرى”، مؤكدا “لدينا زبائن من كافة المحافظات، يأتون لغرض الحصول على خلطات بهارات خاصة، وهذه الخلطات عادة ما تكون خاصة بكل عطار”.

وعلى الرغم من الحروب المتتالية والحصار الاقتصادي وسنوات العنف بعد العام 2003 وغيرها من التداعيات، إلا أن سوق الشورجة استطاع الحفاظ على هويته ولم يتأثر كثيرا بالأحداث والمستجدات على خلاف الأسواق التراثية الأخرى التي اندثر بعضها، والبعض الآخر ما زال يصارع الزمن.

وتبين أم علي، إحدى المتبضعات في سوق الشورجة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أسعار البهارات والتوابل لم ترتفع بشكل محسوس وبقيت محافظة على أسعارها على الرغم من ارتفاع جميع السلع والبضائع”.

وتعزو ذلك إلى أن “الارتفاع طفيف في أسعار البهارات ولا يؤثر بشكل كبير على مدخولات العائلة لكون بيع البهارات يكون بالغرامات بحسب حاجة كل عائلة على خلاف المواد الأخرى التي تباع بالكيلوغرامات، لذلك حتى عند تغير الأسعار لا يشعر المواطن بذلك”.

وتلفت إلى أن “البهارات متوفرة في جميع الأسواق لكنني أقصد الشورجة لأن العطارين لديهم خلطات خاصة لا تجدها في أماكن أخرى، وهي مميزة بشكل واضح عن غيرها”.

وتقصد العديد من العوائل البغدادية سوق الشورجة قبل حلول شهر رمضان للتزود بما تحتاجه من مواد غذائية ومكسرات وحلويات وبهارات ومستلزمات أخرى ترافق طقوس هذا الشهر، وكذلك ما يليه من متطلبات عيد الفطر.

إقرأ أيضا