ثروات طبيعية مهملة.. والحكومات تكتفي بالنفط

يمتلك العراق ثروات طبيعية وضعته في المرتبة التاسعة على العالم بحسب موقع اقتصادي دولي، وهذا إضافة إلى الخزين النفطي الهائل، لكن هذه الثروات أهملت تحت الأرض على مر العصور، بسبب الاعتماد على النفط وعدم الاستقرار السياسي، على الرغم من وجود العشرات من المعادن النادرة والموارد غير المستغلة.

ويقول خبير الطاقة كوفند شيرواني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية جعل العراق يهمل الثروات الأخرى، علما أن هذه الثروات مشخصة وفيها مسوحات مثبتة في دائرة المسح الجيولوجي التابعة لوزارة الصناعة، لكن النفط، هو الطاقة المكتشفة منذ العشرينات من القرن الماضي والعائدات الكبيرة لها، جعل الاهتمام ينصب عليها دون غيرها”.

ويضيف شيرواني، أن “العراق أهمل الغاز الطبيعي أيضا، وهو جزء من الثروة الهيدروكربونية، فهذه الثروة لم تر الاهتمام الكافي إلا مؤخرا على الرغم من أنها مكملة للنفط”، مشيرا إلى أن “المعادن في العراق كثيرة ومثبتة أماكنها في المسوحات لذا يجب أن تخصص لها برامج وموازنات والاستعانة بالخبرات لاستثمارها”.

وينوه خبير الطاقة، إلى أن “القيم الاقتصادية لهذه المعادن ارتفعت كثيرا خلال الفترة السابقة، وسابقا كان التركيز على عناصر معينة كالحديد والنحاس والفضة وغيرها، لكن الآن ظهرت مواد أخرى لا تقل قيمة عنها بل تتجاوزها كاليورانيوم والمواد المشعة، ومؤخرا برز الليثيوم الذي بدأ يدخل في صناعة البطاريات والسيارات وغيرها من الصناعات”.

ويؤكد شيرواني، الحاجة إلى “مسوحات مكثفة لتقصي وجود هذه الثروات والمعادن التي ارتفعت قيمتها”، لافتا إلى أن “الخبرات موجودة لكن من الممكن أن نستعين أيضا بالخبرات الأجنبية والشركات المتخصصة بالتنقيب والاستخراج أسوة بما حصل في قطاع النفط”.

وكان موقع Statista الدولي الاقتصادي المتخصص، نشر تقريرا بشأن الثروات الطبيعية التي تمتلكها دول العالم، حيث حلّ العراق تاسعا عالميا، إذ يمتلك 15.9 تريليون دولار من الموارد الطبيعية، وتحتوي تضاريسه الصحراوية على النفط والغاز الطبيعي والفوسفات والكبريت، وفقا للموقع.

ويشكل النفط الخام نحو 90 بالمئة من إيرادات موازنة الدولة، أما الواردات الأخرى فهي هامشية على شكل ضرائب وإيرادات جمركية، وبعض الإيرادات المتأتية من قطاع النقل والاتصالات وغيرها.

إلى ذلك، يؤكد الخبير البيئي والجيولوجي حمزة رمضان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك دولا تعيش انتعاشا اقتصاديا لامتلاكها موردا طبيعيا أو اثنين، لكن العراق لا يصل إلى إمكانياتها مع امتلاكه موارد طبيعية تحتوي على الوفرة والتنوع، فإلى جانب الخزين النفطي الهائل من النفط، يمتلك العراق حقولا واعدة من الغاز الطبيعي الذي بدأ التوجه العالمي نحوه نتيجة التغير المناخي”.

ويضيف رمضان، أن “العراق يضم أيضا العديد من المعادن كالكبريت والفوسفات في المشراق وعكاشات، وفي رمال الأنبار هناك معادن نادرة تدخل في الصناعات الزجاجية والتقنية والتكنولوجية غير مستثمرة، كالسيلكون، ويمتاز شمال العراق أيضا بوجود العديد من المعادن النادرة، كالتي يضمها جبل سنجار الذي تعرض لأكثر من مرة للاستكشاف على يد الأمريكان، كما تضم حقول العمارة جنوبي البلاد كميات من اليورانيوم والليثيوم”.

وإزاء هذه الوفرة من الموارد اكتفى العراق، بحسب الخبير الجيولوجي، بـ”دراسات جيولوجية أولية لم تكتمل بسبب عدم الاستقرار السياسي على مدى العقود الماضية، وهذه الدراسات لم تعط نتائج كافية”، مشيرا إلى أن “العراق يمتلك موقعا جغرافيا مميزا ووفرة مائية وطاقة شمسية منحته خصوصية كبيرة”.

ويشدد رمضان على ضرورة الاهتمام بـ”التعدين وفتح الأقسام العلمية والكليات الخاصة بذلك إضافة إلى دعم الاستكشاف ومنحه اللازم، فهناك الكثير من أصحاب الأراضي يمنعون الاستكشاف بسبب ضعف الدولة والقانون ويهددون أي نشاط استكشافي في أراضيهم”.

وكان المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أكد أن تقارير خبراء المسح الجيولوجي في العراق تؤكد أنَّ البلد يملك الاحتياطي الأول في العالم من الكبريت والاحتياطي الثاني بعد المغرب من الفوسفات، مؤكدا أن مشروعي قانون الإصلاح الاقتصادي وقانون الاستثمار بالموارد الطبيعية، يشكلان ستراتيجية العراق المقبلة لولادة الشراكة الاستثمارية مع القطاع الخاص وفق سلسلة إنتاجية واسعة.

من جهته، يشير الخبير الاقتصادي رشيد السعدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “العراق إحدى أغنى الدول في الثروات الطبيعية، لكن للأسف ليس هناك استغلال صحيح لهذه الثروات بسبب سوء الإدارة والاعتماد على مورد واحد وهو النفط”.

ويشدد السعدي على ضرورة أن “يعيد العراق النظر في سياساته وخططه، وأن تلتزم الدولة بذلك، ونشدد على مصطلح الدولة وليس الحكومة، لأننا نسعى إلى تخطيط واستراتيجيات من قبل خبراء وأخصائيين ليس لهم علاقة بالسياسة يعتمدون المهنية في قطاعاتهم”.

ويؤكد على وجوب أن “يلتزم خبراء مختصون بإدارة واستخراج هذه الموارد، لأن الاعتماد على النفط فقط، وإثقال كاهل الخزينة المركزية بعدد كبير من الموظفين سيجعلنا أمام كارثة حقيقية عندما تنخفض أسعار النفط فلن تتوفر المبالغ اللازمة لتغطية كل هذه الرواتب”.

ويملك العراق خزينا قدره 9 بالمائة من الاحتياطي العالمي من مادة الفوسفات، لكن هذا الخزين الهائل بقي مطمورا تحت الأرض منذ 2003 ولم يستثمر أو يصدر، في وقت يعتمد البلد على استيراد هذه المادة التي تدخل في الكثير من الصناعات.

أما معدن الحديد، فيتركز وجوده بشكل خاص في صحراء جنوب غربي الأنبار، حيث يقدَّر الاحتياطي تحت الأرض بنحو 60 مليون طن، في الوقت الذي تتمتع فيه محافظات الأنبار كذلك باحتياطي كبير من اليورانيوم في منطقة عكاشات ضمن تشكلات طبقات الفوسفات في الصحراء الغربية.

إقرأ أيضا