ماذا وراء قرار رفع أسعار الوقود؟

في خطوة مفاجئة، أثارت انتقادات شعبية، قررت الحكومة أمس الأول الثلاثاء، رفع أسعار نوعين من وقود السيارات، وهو أمر عزاه متخصصون بالاقتصاد إلى رغبة الحكومة في زيادة واراداتها، وتقليل الدعم الحكومي للوقود، والاستجابة إلى توجيهات صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى الحد من تنامي السيارات وزيادة الاعتماد على النقل العمومي، وسط توقعات بصدور قرارات جديدة قد تتسبب برفع أسعار السيارات، ورفع الضرائب والرسوم الأخرى.

وكان مجلس الوزراء قد صوت خلال جلسته الاعتيادية، أمس الأول، برئاسة محمد شياع السوداني، على زيادة سعر البنزين المحسن (عالي الأوكتان) من 650 دينارا للتر الواحد إلى 850 دينارا للتر، والبنزين الممتاز من 1000 دينار إلى 1250 ديناراً للتر الواحد، اعتبارا من 1 آيار مايو المقبل.

ويقول الباحث المختص بالشأن الاقتصادي نبيل جبار التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك عدة أسباب تقف وراء عملية رفع أسعار الوقود المحسن والممتاز، منها الوصول إلى هدف مالي متعلق بقضية توفير موارد مالية للدولة، فهي تنفق حاليا بدرجة كبيرة وفق موازناتها الضخمة، وهذه الموازنات تحتاج إلى أموال، خاصة وأنها ذات عجز افتراضي كبير جدا، وبالتالي فالحكومة لا تستطيع تنفيذ هذه الموازنات دون الحصول على الأموال”.

ويضيف التميمي، أن “هذه الخطوة جاءت بطلب من شركة المنتجات النفطية، فالطلب على الوقود المحسن والممتاز، ارتفع كثيرا مقارنة بالطلب على الوقود الاعتيادي، لذ تم رفع الأسعار، فهي محاولة لتوجيه المستهلكين تجاه الوقود الاعتيادي ليزيد عليه الاستهلاك، حتى تخلق توازنا بين كمية الوقود المنتجة محليا وبين الوقود المستورد”.

ويتابع أن “رفع أسعار الوقود المحسن والممتاز، تأتي ضمن خطة الحد من الزحامات المرورية حتى يكون الاعتماد على النقل العام الجماعي، كما أنها محاولة للضغط على تقليل استخدام سيارات النقل الشخصية، خصوصا للموظفين، وبالتالي فهذه أهم ثلاثة أسباب لاتخاذ الحكومة هذا القرار”.

يذكر أن الحكومة السابقة برئاسة حكومة مصطفى الكاظمي، اتخذت قرارا في العام 2020، بتخفيض أسعار البنزين عالي الأوكتان “المحسن” الى 650 دينارا بدلا من 850 دينارا للتر الواحد. 

وأثار القرار عاصفة انتقادات شعبية واسعة، وضجت وسائل التواصل بمنشورات غاضبة، ومطالبات بإلغاء القرار، لكونه سيثقل كاهل المواطن، خاصة وأن أغلب السيارات تعتمد على البنزين المحسن والممتاز، ولا تعمم بشكل صحيح بالبنزين الاعتيادي، ويتسبب بمشاكل عديدة فيها.

إلى ذلك، يبين رئيس مؤسسة عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية منار العبيدي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قرار رفع أسعار الوقود المحسن والممتاز، لا نعتقد أنها تتعلق بالعجز المالي للدولة، لكن سبب هذا القرار هو أن الدولة تخسر أموالا من دعم هذه الوقود، وهذا الدعم أدى إلى زيادة أعداد السيارات”.

ويتابع العبيدي، أن “هناك ارتفاعا كبيرا بأعداد السيارات، وهو بسبب انخفاض أسعار الوقود وخاصة المحسن، لذا لجأت الحكومة لتقليل الدعم للوقود حتى يكون هناك تراجع باستخدام السيارات”، مبينا أن “القرار لن يؤثر على انخفاض أسعار السيارات، بل على العكس سيكون هناك ارتفاع بأسعار السيارات، وربما الأيام المقبلة سوف تصدر قرارات حكومية جديدة تخص أسعارها”.

ويلفت إلى أن “اعداد السيارات بعموم العراق وخاصة في بغداد وصل لمستوى كبير، وبالتالي يجب إيقاف نسبة ارتفاع اعداد السيارات في الشارع، وهذا الأمر يتم عبر الكثير من الإجراءات التي تهدف إلى تقليل القدرة على شراء السيارات عبر رفع أسعارها”.

ومنذ أكثر من عام، بدأت حملة كبيرة لفك الاختناقات المرورية في العاصمة بغداد، عبر مشاريع عدة، أهمها إنشاء مجسرات وأنفاق، ودخلت بعضها الخدمة فيما لا تزال الأخرى قيد الإنشاء.

وتشكو العاصمة بغداد من اكتظاظ بالحجم السكاني، وكثرة المجمعات السكنية داخلها، باستثناء مجمع بسماية، الذي يشكو ساكنوه من اختناقات مرورية حين يدخلون إلى العاصمة، بسبب رداءة الطريق.

في الأثناء، يعزو الخبير في الشأن الاقتصادي، زياد الهاشمي، تلك الزيادة “المفاجئة” في الأسعار، إلى “الالتزام بتوصيات من صندوق النقد الدولي والذي كان يؤكد دائما على حاجة العراق لتنويع مصادر تمويل المالية العامة، وضرورة تطوير وتوسيع أنظمة الضرائب والجباية وتقليص الدعم عن المنتجات النفطية”.

ويضيف الهاشمي، في تغريدة على حسابه، أن “هذا الرفع قد يشير الى بدء الحكومة في تطبيق سياسات مالية أكثر تشددا تستهدف زيادة إيراداتها المالية استعدادا لإطلاق بنود الموازنة الثلاثية وتخفيض العجز التخطيطي في الموازنة وتجنب تصاعد الديون الحكومية، نتيجة إخفاق البنك المركزي في تلبية حاجة وزاره المالية بشكل كامل من الدينار من خلال مبيعات الدولار، مما اضطر وزارة المالية للبحث عن مصادر تمويليه جديدة لتغذية ماليتها العامة الضخمة”.

ودخلت العاصمة ملايين السيارات في العقدين الأخيرين، من دون أية توسعة في شبكة الطرق والجسور، ولا أي تحديث بوسائل النقل العام، في ظل قطع مستمر للعديد من الطرق الرئيسة والفرعية، لأسباب مختلفة بينها الأحداث الأمنية والتجاوزات عليها وتحويل بعضها لأماكن وقوف.

من جانبه، يبين الباحث في الشأن الاقتصادي والمالي علاء جلوب الفهد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قرار رفع أسعار الوقود تأتي لعدة أسباب، أولها أن العراق يستهلك كميات كبيرة من الوقود بنحو 30 مليون لتر يوميا، وهذا دليل على أن هناك هدرا، ورفع الأسعار سيكون له عدة جوانب”.

ويستطرد الفهد، “الجانب الأول هو أن هذا القرار لا يؤثر على الطبقات الفقيرة والنقل العام، لأن سعر البنزين الاعتيادي لم يتغير، وتم رفع أسعار الوقود الأخرى، وهذا سوف يقلل من الاستهلاك والهدر الزائد للوقود، ويقلل استخدام السيارات الشخصية واللجوء إلى النقل الجماعي”.

ويؤكد أن “هناك تكاليف عالية لانتاج هذه الوقود، خاصة وأن وزارة النفط في القريب سوف تتوقف بشكل نهائي، عن استراد الوقود المحسن والممتاز، وسيكون انتاجه محلياً وهذا تكاليفه عالية، وعلى هذا الأساس عملت الحكومة على رفع الأسعار، ولا نتوقع أن سيكون له أي تأثير على الطبقات الفقيرة والنقل العام، وإنما القرار جاء لتقليل الهدر والاستهلاك، خاصة وأن العراق فيه عدد سيارات كبير جدا”. 

يذكر أن مجلس الوزراء، وفي جلسته الأخيرة، قرر أيضا اعتماد توقيتات بدء وانتهاء ساعات الدوام الرسمي في مقر الوزارات ومقار تشكيلاتها والجهات غير المرتبطة بوزارة في العاصمة بغداد لمدة ثلاثة أشهر، على سبيل التجربة، فضلا عن الاعتماد على النقل الجماعي للموظفين بنسبة 30 بالمئة.

إقرأ أيضا